عبد العزيز بنعبو
يبدو أن الزمن الجميل لم يعد وجوها نسترجع من خلالها تلك الجماليات الإبداعية في السينما و التلفزيون و المسرح و الأغنية و الكتابة بكل تلويناتها. بل صار صورا و ذكريات و غيابا مؤلما، يمارس فيه الموت سنته الحياتية و سلطته الطبيعية.
فاتنة الزمن الجميل، تلك السيدة الهادئة التي الهبت أحلامنا و أبدعت و مكنتنا من عبور نفق الرغبات إلى رحابة الأنوثة الحقة . فاتن حمامة التي ظلت رمزا في كل اعمالها و في كل سنوات عمرها. بقيت وفية لتلك الهالة البهية و لمسارها النقي و الناجح دون أن تصيب أي من عشاقها بخيبة أمل ولا في أي عمل.
فاتن حمامة لم تكن مجرد انثى جميلة تضع العطر و تمشي الهوينا و تحب و تقلق و تمارس طقوس الرومانسية بنقاء. كانت في أعمال كثيرة سيدة يوميات الكدح مثلا في فيلم “يوم حلو و يوم مر”. بحتها و طريقة حديثها التي طالما سحرتنا، اسرتنا في تلك البيوت البئيسة التي شيدها المخرج خيري بشارة. و تلك الأرملة التي تركها زوجها رفقة خمسة أبناء في أعمار متفرقة و متعددة مما زاد من محنة الأم. قصة أهداها لنا المخرج رفقة الراحلة فاتنة حمامة التي تمكنت من أن تخرج من عباء الأدوار السابقة و أكدت انها ممثلة و مبدعة و ليس مجرد سيدة نمطية في ادائها.
فاتن حمامة ترحل بعد صباح و سعيد صالح و يسري مصطفى و أخرون، هؤلاء الذي شكلوا دائرة البهاء الفرجوي الذي حملنا إلى أقصى الأحلام الوردية، و مكننا من تخطي يومياتنا و ترقب يوميات أخرى. و كما قالت الراحلة فاتن حمامة في أحد حواراتها عن أيام السبعينات، كان الناس كلهم “ذوق و رقة” رغم فقرهم تجدهم أنيقين و طيبين. أكيد أن اليوم لا يعني أن الناس ليسوا كما كان عليه أسلافهم. لكن اليوميات صارت جارحة و جارفة و موغلة التعقيد. ماعدنا نحس بذواتنا دون أن نختبئ خلف أكسسوارات التكنولوجيا. ما عدنا نعيش لحظتنا دون أن نرفقها بما تيسر من بهرجة.
هكذا إذا يعلن الزمن الجميل إنسحابه من يومياتنا، أو بداية إنسحابه. يريدنا أن نبقى حبيسي الصور و الأفلام يريدنا أن نشتاق إليه ، ربما من يدري قد نعود إليه و نؤوب إلى يومياته السابقة نعيدها بصيغة الحنين و التقدير و الإقتناع..
لا شيء من ذلك يكون لنحتفظ بذكرياتنا و نتأمل ذاتنا السابقة في محاولة لتقويم الذات الحالية..