1/3.
بقلم عبد الرضي لمقدم
إن الأعطاب التي أصابت الديمقراطية في الآونة الأخيرة، من خلال مسلسل قضائي شمل العديد من السياسيين الذين يزاولون مهام انتدابية رفيعة على مستول كل من المؤسسة التشريعية أة على مستوى الجماعات الترابية أو على مستوى الجمعيات الرياضية ومنهم حتى من كان يحمل حقائق وزارية، ولازالت حلقات هذا المسلسل تحظى بمتابعة منقطعة النظير حيث تفوقت على عشرات من المسلسلات التلفزيونية.
ومن خلال المتابعة اليومية، تبين أنه تم تكييف فصول المتابعة بتهم الفساد وتبديد الأموال العمومية والإتجار في المخدرات استغلالا للمناصب التي يحتلها هؤلاء سواء في المؤسسات المنتخبة أو في هياكل أحزابهم السياسية فالاتهامات الموجهة ضدهم هي خطيرة جدا تبرز التفشي المهول للفساد في عديد من القطاعات الحيوية والمهمة بالبلاد.
لقد كان الشعب المغرب ساذجا عندما اعتقد في قرارة نفسه يوم خرج إلى الشوارع بمئات الآلاف في عز شتاء 2011 مطالبا بإسقاط الفساد وليس شيئا آخر بمنتهى السلمية مكرسا في الوقت نفسه استثناء مغربيا خالصا أبرزت عراقة الشعب المغربي وحضارته الضاربة جذورها في التاريخ، وهي التحركات التي توجت بإقرار دستور 2011 ي لحظة تاريخية متجددة لثورة الملك والشعب بما تعنيه من لحظة انصهار الإرادة الشعبية بالإرادة الملكية بضرورة إحداث القطيعة مع السلوكيات والمثبطات التي تعتري مسار البناء المؤسساتي والديمقراطي بالبلاد.
لكن بعض الأحزاب السياسية ولاسيما المحافظة منها بل والأشد محافظة انتهزت الفرصة لتسطو على ذلك المنجز لصالح اجندتها وبالتالي وصولها إلى السلطة دون عناء وحصيلة تدبيرها للشأن العام على مدار عقدين وما خلفته من نتائج كارثية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، الشي الذي تيقن منه الشعب المغربي أن قطف ثمار دستور 2011 لازال أمامه طريق شاق وطويل.
لكن العدالة كان لها رأي آخر فيما يرتبط ببعض فصول الدستور وخاصة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة حتى لا تبقى ديمقراطيتنا عرجاء، صحيحة من حيث المظهر وفارغة المحتوى من حيث الجوهر، وهو ما نشاهده من خلال متابعتنا لأطوار هذا المسلسل القضائي الجديد.
الفساد بكل أشكاله والشطط في استعمال السلطة، وتبديد الأموال العمومية، واستغلال المناصب، والاتجار بالمخدرات كلها عناوين لتهم وجهت للمعتقلين في هذه الحملة التطهيرية والتي ستكون عبرة لمن يعتبر لا محالة بما تعنيه من رسائل موجهة للجميع بأن مغرب الأمس قد ولى إلى غير رجعة وبزوغ فجر مغرب جديد آخذ في التشكل.
كل ذلك يؤكد بأن الفساد تجذر بشكل فضيع في دواليب السياسية وبعض مراكز صناعة القرار وبلغ إلى الحد الذي قد يقتنع فيه المواطن العادي قناعة راسخة، أن كل ممثل للشأن العام وكل منتخب ليس إلا مفترساً محتملاً للمال العام وليس مدافعاً عن المصلحة العامة بتاتا.
وأمام تزايد الشكوك لدى الشعب تجاه الأحزاب السياسية يبقى التساؤل مشروعا حول الجدوى من الذهاب إلى صناديق الاقتراع أصلا، وإلى أي مدى يمكن لصناديق الاقتراع أن تكون حصانا للتغيير، لأن خيبة الأمل ستؤدي إلى الامتناع العام عن التصويت، رغم أن المشاركة الانتخابية هي نفسها تؤدي إلى نفس النتائج وبالتالي إدامة الفساد بل وانتعاشه.
صحيح أن الأحزاب السياسية في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في أساليب عملها وطرق الاشتغال والتمثيل والتأطير وهي مطالبة بالتنزيل الدقيق لما أفرد لها المشرع الدستوري من مهام، والمكانة التي أولاها إياها في منطوق الفصل السابع، بما يجعل شأن الأحزاب السياسية شأنا عاما والأحزاب مرفقا عاما بما أن الدولة تساهم في تغطية مصاريفها من أموال الخزينة العمومية، وبما يعنيه كذلك كونها أدوات للبناء الديمقراطي بشكل أساسي، ولا يمكن لأية أطراف أخرى أن تقوم بهذا الدور.
وتبقى قرينة البراءة قائمة في حق هؤلاء وأولئك، ويبقى الأمل قائما في القطع مع هذه السلوكيات ومظاهر الفساد التي ستعطل التنمية في البلاد بل وسترهن مستقبل الأجيال القادمة بمخلفات هذه السياسة.