ما فتئ المجتمع المدني بمختلف أطيافه الفكرية والتنموية والاجتماعية والحقوقية، يدفع في اتجاه مد جسور التواصل مع نظيره، المجتمع المدني الجزائري بغية فتح صفحة من التواصل المستمر والتحاور البناء ، صفحة تكون جديرة بالاحترام والتقدير فيما بين الشعبين المغربي والجزائري وتجاوز كل ما من شأنه الاسهام في قطع حبل التواصل والتعايش بين الجارين اللذين يجمعهما رابط الأخوة والدين والثقافة والمصير المشترك، لكن يبدو من خلال كل المحاولات التي قامت بها بعض الفعاليات التي تنشط في النسيج الجمعوي والمجال المالي والاقتصادي من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية المغربية الجزائرية لم تعط الثمار التي كانت منتظرة منها.
ومن ضمن الفعاليات النشيطة في نَسْجِ روح التواصل بين المجتمع المدني المغربي ونظيره الجزائري، نجد الناشط الجمعوي سعيد عبد القادر الفيكيكي ، والعضو السابق في اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، والمهندس الأساس لنداء بومرداس لسنة 2013 . ولمزيد من الإيضاح حول المد والجزر في مجمل الاتصالات واللقاءات بين الطرفين وآفاق تفعيل كل التوصيات التي خرجت بها مختلف هذه الاجتماعات سواء بالمغرب أو بالجزائر، دفعا بتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية والرقي بها إلى ما يسهم فعليا في تنمية ورفاه المنطقة المغاربية وشعوبها، نستضيف سعيد عبد القادر الفيكيكي ، المنشط لكل هذه الحركية الجمعوية وباقي الأطياف السياسية بين البلدين الشقيقين والجارين في الحوار التالي:
حاورته: المنعطف
شهدت العلاقات المغربية الجزائرية في الفترة الأخيرة تصعيدا خطيرا جراء إطلاق الجيش الجزائري الرصاص على مواطنين مغاربة عزل، مما أدى إلى تصعيد لهجة الخطاب بين الطرفين المغربي والجزائري ، كيف تفسرون تنكر الجزائر لما حدث؟
إن إطلاق الرصاص الحي من طرف الجيش الجزائري على مغاربة عزل وهم بداخل ترابهم، تصرف خطير وغير مقبول، ومطلوب إجراء تحري دقيق فيه لمعرفة ملابساته وحيثياته، والأخطر من ذلك هو تعمد الجزائر المضي قدما في تنكرها غير المقبول لما فعله جنودها بالحدود المغربية الجزائرية من اعتداء مفضوح ذهب ضحيته المغربي الصالحي رزق الله، الذي كان متواجدا في المنطقة الحدودية “أولاد صالح” التي تبعد ب 30 كلم شمال شرق مدينة وجدة، وهذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها اعتداء من طرف الجيش الجزائري المرابط على الحدود على مغاربة عزل؛ بل شهدت السنين الأخيرة العديد من الإعتداءات على المواطنين المغاربة وعلى مواشيهم . وأملنا في أن تتغلب الحكمة في مثل هذه الأحداث وأن يذعن جيراننا إلى الاعتراف بالحقيقة والاعتذار عن ما أقدم عليه جنودها من تجاوزات في حق أشقائهم المغاربة وإخوانهم وأصهارهم ، لأن السكان المجاورين للحدود هم مرتبطون بأواصر القرابة والمصاهرة فيما بينهم، وهذا الأمر يعلمه الجميع.
باعتباركم ناشطا جمعويا مافتئتم تسعون إلى تحقيق انفراج في العلاقات بين البلدين الجارين على الأقل على مستوى الأطياف المدنية والسياسية، ماهي في نظركم أبعاد هذا الحادث المأساوي، وكيف يمكن تجاوزه في ظل شحن ممنهج من قبل الحكومة الجزائرية وإعلام قصر المرادية للشعب الجزائري وتجييش عدائه للمغرب؟
لابد من الاعترف بان هناك دائما أمل في أن تحقق شعوب المنطقة المغاربية اندماجها ومصالحتها مع ذاتها وفيما بينها ومع تاريخها الحافل بالجهاد ومقاومة طغمة الاستعمار الغاشم، لذلك لم ولن نمل أو نكل من المضي في هذا المسار، خصوصا وأن في كلا الشعبين هناك شبه إجماع على ضرورة فتح صفحة جديدة شعارها تنمية البلاد والعباد في كل من المغرب والجزائرأساسا، وباقي الشعوب المغاربية، لأن الاقتصاد المغربي الجزائري وحده يمكن أن يحدث ثورة تنموية على شتى المستويات وفي كل مناحي الحياة ، ولكون الجزائر هي المفصل الرابط بين الدول المغاربية الخمس، فإن أي ازدهار أوتطور لهذه المنطقة المغاربية يمر عبر الجزائر بأرخص التكاليف ويسهم فعليا في رفع مستوى عيش ساكنة منطقة الشمال الافريقي.
ولذلك على صناع القرار في الجزائر التروي والاحتكام إلى العقل ومنطق الواقع والميل إلى الاعتراف بالوقائع كما حدثت ، والاعتراف بالخطأ فضيلة، والكف عن كل ما يفضي إلى توتر العلاقات بين البلدين. كما على الاعلام أن يلعب دورا إيجابيا في تقريب الرؤى والأفكار بين الشعبين، كما عليه أن يدفع في اتجاه المصالحة بين صناع القرار في كلا البلدين من أجل صنع المستقبل في جو من الاطمئنان والهدوء والثبات على التضامن والتشارك والتعاون خدمة لمصالح أوطاننا وشعوبنا والرقي بها إلى صدارة الدول المتقدمة، لم لا؟ ونحن نتوفر على كل مقومات التقدم والازدهار، وفي مقدمتها الثروة البشرية التواقة إلى الخلق والإبداع، والثروة الباطنية والطبيعية التي تزخر بها المنطقة المغاربية، عموما، والمغربية والجزائرية على وجه الخصوص.
ما فتئ جلالة الملك يؤكد في خطبه على ضرورة انخراط المجتمع المدني في تنشيط الدبلوماسية الموازية من أجل الدفاع عن قضايا الوطن الكبرى وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية، انتم كفاعل جمعوي أسستم العديد من الجمعيات وانخرطتم في الكثير منها ، بتعدد اهتماماتها وانشغالاتها الانسانية منها والاجتماعية والتنموية المحلية والوطنية والاقليمية والدولية، وكانت هيئة المغرب الكبير بلا حدود، إحدى هذه الجمعيات التي تستهدف تنشيط الحوار داخل النسيج الجمعوي المغاربي تطبيعا للعلاقات خصوصا بين المغرب والجزائر ونشرا لأواصر المحبة بين شعوب منطقة شمال إفريقيا، فهل في نظركم فهم الدبلوماسي هذه الإشارات؟
أشكركم على طرحكم لهذا السؤال، الخطب الأخيرة لجلالة الملك أوضحت وبجلاء أن دور المجتمع المدني في الدبلوماسية الموازية دور ريادي، قد يحقق نتائج مهمة، إذا ما توفرت عناصر نجاحها من تراكم الخبرة في المجال وسمو الروح الوطنية والمتابعة لمجريات الأحداث ، ولهذا علينا كمجتمع مدني أن نتسلح بالخبرة والمبادرة في عرض قضية وحدتنا الترابية في المحافل الدولية، وإقناع الأطراف التي ما تزال الرؤية حول ملف الصحراء المغربية غير واضحة لها ، وخصوصا في الدول التي ينشط فيها أعداء وحدتنا الترابية. وهذا ما اقوم به منذ مدة طويلة ، بالرغم من بعض العراقيل، إلا أن، الآن وبعد الخطاب الملكي الأخير أمام ممثلي الأمة في مجلسي النواب والمستشارين ، أصبح لزاما على النسيج الجمعوي كل من موقعه ومسؤوليته القيام بواجبه الوطني تجاه قضية أقاليمنا الجنوبية المسترجعة بفضل المسيرة الخضراء.
ما هي أهم التحركات والأنشطة التي قمتم بها كفاعل جمعوي مغربي مع الفعاليات الجمعوية في الشقيقة الجزائر، وهل من نتائج ملموسة تحققت من وراء هذه الأنشطة الدبلوماسية الموازية؟.
بحكم نشاطاتي المتعددة على مدى عشرات السنين سواء في اوروبا اوإفريقيا في العمل الجمعوي، مكنتني تجربتي من مراكمة خبرة كبيرة في المجال التواصلي والجمعوي، واكسبتني علاقات كثيرة وقوية مع مختلف الفعاليات في مختلف البلدان، مما يسر لي أمر إقناع العديد من الأطراف التي فهمت بعد ذلك حقيقة النزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية ، وغيرت من رأيها في عدالة قضية وحدتنا الترابية ، إلا أن كل هذا الجهد غير كاف مادام هذا الملف لم يطوَ نهائيا، ولذلك أسست بمعية نشطاء جمعويين سنة 2011 جمعية “هيئة المغرب الكبير بلا حدود” التي أردناها أن تكون فضاء للحوار والتلاقي والنقاش فيما بين مختلف أطياف النسيج الجمعوي المغاربي ، وأعلنا في أول ندوة صحفية بالرباط أن هذه الهيئة ستكون فيما بعد في شكل فيدرالية يكون لها فروع في مختلف البلدان المغاربية الخمس، وقد حضر هذه الندوة الصحفية بعض ممثلي هذه الدول المغاربية من الجمعويين والسياسيين، قمنا كذلك بزيارة سنة 2013 إلى الجزائر، التقينا خلالها بالنسيج الجمعوي وبعض الأحزاب السياسية الجزائرية، كانت خلاصته إعلان “نداء بومرداس” الذي أسس لأرضية حوار بناء ومثمر بين مختلف هذه الأطراف، وفعلا تبعه استقبالنا بالمغرب لوفد جزائري مهم ضم ممثلين عن المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية وبعض رجال المال والأعمال، حيث تبادلنا خلاله الآراء والأفكار حول القضايا التي من شأنها الدفع بانفراج العلاقات المغربية الجزائرية نحو الأمام، وفتح آفاق للحوار البناء فيما بين كلا البلدين الجارين، وكانت زيارة ناجحة بامتياز، تم الاتفاق خلالها على ترتيب زيارة مماثلة لوفد مغربي هام إلى الجزائر، إلا أن تواتر الأحداث غير المسؤولة من طرف المسؤولين الجزائريين، وخصوصا الحدث المؤلم الأخير على الحدود المغربية الجزائرية أجلت هذه الزيارة إلى وقت لاحق.
إذن، هل يمكن أن نعتير أن كل هذه الاتصالات والمشاورات قد تم إجهاضها مؤخرا من خلال إطلاق رصاص الجيش الجزائري على مغاربة عزل بالحدود؟
أبدا، فالاتصالات لازالت جارية مع أشقائنا الجزائريين، ونحن مقتنعون جميعا بأهمية هذه الزيارات وهذا الحوار الذي لا بد وأن يكون له دور في المصالحة بين البلدين، لأن المجتمع المدني في الوقت الحاضر وفي المستقبل كذلك هو السبيل الأنجع للضغط وتحوير السياسات الحكومية في كل دولة فيما يصب في مصلحة الشعوب ومصلحة بلدانها، وهذه هي الأرضية الأساس التي ينطلق منها حوارنا مع الإخوة الجزائريين، فالجميع مقتنع بأن تكون مصلحة الشعوب المغاربية هي الأساس، والتنمية هي الهدف والتقدم والتطور هو المبتغى والاندماج المغاربي هو حلم شعوب منطقة شمال إفريقيا.
ـــــــــــــــــ
نوافذ:
على صناع القرار في الجزائر التروي والاحتكام إلى العقل ومنطق الواقع
الجميع مقتنع بأن تكون مصلحة الشعوب المغاربية هي الأساس.. والتنمية هي الهدف .. والتقدم والتطور هو المبتغى ..والاندماج المغاربي هو حلم شعوب منطقة شمال إفريقيا