– إن المسألة النسائية باعتبارها حالة ثقافية، تُساهم في إنتاج وعي بمفهوم الشراكة التفاعلية بين الرجل والمرأة في تدبير التصورات عبر الفن والإبداع والثقافة والفكر والبحث العلمي وغير ذلك
……………………..
زهور كرام واحدة من المثقفات المغربيات اللواتي جبن أصقاع الفكر و الكتابة و الإبداع. عبرت عن صوت مغربي كان خفيا فصار بفضلها جليا اليوم. تتوزعها عدة إنشغالات بين الفكر و الإبداع و الدراسات و الأبحاث، بين الورقي و الرقمي و بين الإنجداب إلى أفق مغاير يصنع اللحظة المغربية المتميزة بناءا على معطيات واقعية نعيشها في المغرب بكثير من الإنفتاح و الحداثة. في هذا الحوار نناقش معها المسألة الثقافية و حضور المرأة ، كما نناقش الأفكار الجاهزة و الأحكام المسبقة السائدة في المجتمع و دور المثقف في تغيير هذه الصور النمطية.
حاورها عبد العزيز بنعبو
……………………………….
1* جنبا إلى جنب صارت للمرأة مكانتها الإعتبارية كمنتجة للفكر و الإبداع في المغرب لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل تجاوزت المرأة المفكرة و المبدعة المغربية لحظات البداية؟
*** إن واقع الفعل الثقافي والإبداعي، وكذا وضعية حضور المرأة في المشهد الثقافي بالمغرب قد تجيب عن هذا السؤال، من خلال تجاوزه بمسافة زمنية، وبالتالي تقترح هذه الوضعية سؤالا آخر، يتعلق الأمر بمدى الوعي المغربي بصوت المرأة الحاضر بنوعية وكمية في المشهد، وإلى أي حد هناك اهتمام مسؤول بما تنتجه المرأة، بعيدا عن استهلاك الصور النمطية، تلك التي تظل تتساءل حول قدرة المرأة في الإنتاج، وما شابه من التصورات الجاهزة، التي لا تبحث في فعل المرأة، والنظر في عطائه، وقدرته على خلق نوع من الشراكة الوظيفية، من خلال النظر إلى المرأة باعتبارها ذاتا فاعلة، وليست مجرد موضوع يتم الحديث عنه . أظن، أن وضع المرأة في الميدان الفكري والإبداعي والفني تُترجمه طبيعة التراكم في الحضور. إن المسألة النسائية باعتبارها حالة ثقافية، تُساهم في إنتاج وعي بمفهوم الشراكة التفاعلية بين الرجل والمرأة في تدبير التصورات عبر الفن والإبداع والثقافة والفكر والبحث العلمي وغير ذلك، طُرحت بقوة في المغرب منذ العقد الأخير من القرن العشرين، أكيد كانت حاضرة في المطلب النسائي والحقوقي قبل هذا التاريخ، لكنها ثقافيا وإبداعيا طُرحت بقوة في هذه اللحظة التاريخية، وتزامنت مع مكتسبات سياسية، وسياق تاريخي جعل المغرب الثقافي مدعو أكثر إلى التعامل مع المرأة كشريك فاعل ، وليس موضوع للتأمل. وعندما نعود إلى هذه الفترة، سنلاحظ انطلاق التعبيرات النسائية، وبداية ظهور أسماء مبدعة، وهو الحضور الذي جعل بداية القرن الحادي والعشرين يعرف تحولا مهما على مستوى عطاءات المرأة الإبداعية والفنية والعلمية.أمام هذا الوضع الملموس، يصبح التساؤل حول البداية، مُتجاوزا، ويصبح الحديث عن طبيعة الحضور، وما هي الأفكار التي يقترحها هذا الحضور، وكيف يمكن استثمار تصورات المرأة من أجل إنتاج سياق قابل للحوار بين تعدد الرؤى والتصورات، من الأسئلة الملحة على التفكير.
2* عندما يكتب الرجل نقول كتابة و كفى و عندما تكتب المرأة نقول كتابة نسائة هل من مبررات لهذا التمييز الفزيولوجي؟
***كما أكدت في كل كتبي النقدية، ودراساتي حول الموضوع، فإن تحديد أدبية الأدب ، لا يتم من خارج الأدب، إنما من داخله. كل شكل أدبي يحتكم إلى منطقه البنيوي الداخلي الذي يُؤصل لوجوده الشرعي أدبيا. الأدب إما أن يكون أدبا، أو ألا يكون كذلك، بمعنى، لا تستطيع عناصر خارج أدبية أن تكون محددا لأدبيته. هذه مسألة لابد من التذكير بها، بالرجوع إلى نظرية الأدب. يؤدي بنا هذا الفهم، إلى الابتعاد عن النظر إلى الأدب باعتباره ذكوريا أو نسائيا، وإلا سينزاح التفكير عن فلسفة نظرية الأدب. لكن، سؤالا يتبادر إلى الذهن، عن علة وجود مصطلح ” الكتابة النسائية”، مادامت المصطلحات تُعبر عن وجود ظاهرة، أو حالة. هناك فرق بين البحث في سياق وجود المصطلح، و وظيفيته بالنسبة للأدب في علاقته بالمرأة-الكاتبة، وبين الأدب باعتباره تعبيرا رمزيا إنسانيا. مصطلح الكتابة النسائية يطرح العلاقة بين الكتابة والمرأة، من وجهة نظر حضور المرأة في تاريخ الفكر الثقافي الإنساني باعتبارها موضوعا منظورا إليه، وبالتالي اشتغلت الحضارات في مختلف تعبيراتها الإبداعية والفنية على الاهتمام بالمرأة-الموضوع، وبقيت المرأة-الذات بعيدة –إلى حد ما- عن الفعل الإبداعي، ومن ثمة، بقي صوت/وعي المرأة غير مُدرك ثقافيا. مصطلح ” الكتابة النسائية” إجراء معرفي نقدي يُعيد الانتباه إلى المرأة باعتبارها ذاتا منتجة للتخييل ، وبالتالي، يسمح الاقتراب من كتابتها من جهة، بالوعي بشكل إدراكها للعالم والذات، ونحصل بذلك على رؤيتها للعالم التي لاشك أنها ستقدم قراءة مغايرة للعالم، ومن جهة ثانية يكشف الاقتراب من كتابتها قراءة ونقدا طبيعة تعامل الوعي مع المرأة. هل تستطيع قراءة كتابة المرأة التخلي عن إرث الصور الجاهزة حول المرأة، واعتبارها مجرد موضوع منظور إليه، وعبارة عن إشكالية تاريخية، أم أن القراءة تتحرر من الصور المستهلكة وهي تقرأ إنتاج المرأة؟. غير أن الملاحظ، أن الكثير من الدراسات التي اشتغلت بالمصطلح بعيدا عن نظرية الأدب، واعتمدت على منطق الخطاب النسائي، فإنها كانت تنتصر للمرأة على حساب الأدب، وتُحول الأدب إلى مجرد وسيط للحديث عن أحقية المرأة في التعبير الرمزي، لهذا، فإن مصطلح “الكتابة النسائية” يظل إجراء أدبيا مرتبطا بنظرية الأدب، أكثر من السياق النسائي.
3* عندما نرى واقع المرأة في المغرب مقارنة مع دول نقتسم معها اللغة و الدين نحس أننا متفوقين لكننا عندما نقارن أنفسنا بالغرب نجد أنفسنا متأخرين بعقود من التفكير المجتمعي كيف تجدين الوقع الحالي للمرأة المغربية؟
*** يحمل سؤالك جانبا إيجابيا لحضور المرأة المغربية، عند مقارنتها بوضعيات نساء في سياقات عربية مثلا، وهذا شيء لابد من تسجيله، ولعله يعود إلى انفتاح المغرب مبكرا على المسألة النسائية، وعلى ثقافة حقوق الإنسان ، كما يعود الفضل إلى حيوية المجتمع المدني، من جمعيات نسائية، وإطارات حقوقية، إلى جانب قدرة المرأة المغربية على تخطي الصعاب، و طموحها الكبير، لكن، أحيانا نشعر بنوع من التناقض، والذي يركز عليه الشق الثاني من سؤالك، وهو هذا التخلف المجتمعي، أو هذا التناقض بين الأفكار والرهانات الحداثية التي تملأ خطاباتنا، وبين السلوك المجتمعي، هذا الوضع يجعلنا نعيد النظر في علاقة الحداثة ومختلف الرهانات الفكرية وفعل أجرأتها على أرض الواقع، والسبل لتحقيق ذلك. لا يكفي أن نوقع على اتفاقيات مبادئ حقوق الإنسان حتى نقر بأننا مجتمع حقوقي، ولا يكفي أن نملأ خطاباتنا أفكارا حداثية وحقوقية حتى نتحدث عن سلوك اجتماعي متوازن، يحتاج الأمر إضافة إلى ذلك، إلى رؤية واضحة، واستراتيجية وطنية، تحدد أفق المجتمع، بدء من حاجياته إلى آماله، و تشتغل لتحقيق الأفق، بكل الاتجاهات، تبدأ من المدرسة ومن المنظومة التربوية، إلى الإعلام، فالأحزاب، فالأسرة والشارع. نحتاج إلى التربية على ثقافة تفعيل الأفكار، وجعل الخطابات سلوكا حياتيا، وممارسة يومية. وهذا، له علاقة بالخيار السياسي. إن الأشياء متداخلة فيما بينها، بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي. لا يمكن أن نظل نعيش منطق الجزر البعيدة عن بعضها، في تدبير الأفق، لابد من وضوح الرؤية، والجرأة التاريخية في الوقوف أمام الذات، وطرح أسئلة من مثل: ماذا نريد؟ وأي مجتمع نطمح لتحقيقه؟ وهل لدينا الجرأة لمواجهة التحديات من أجل تحقيق رهان الأفق؟. نحتاج إلى وضوح تام، من أجل تقليص المسافة بين الأفكار والواقع. الأفكار والرهانات إذا لم تنجح سياسة التدبير في جعلها ممارسة يومية، وسلوكا اجتماعيا، تُغير المجتمع، وترقى به إلى مستوى حضاري، فإنها تظل مجرد تنظيرات ليس إلا، تذبل مع الأيام، ولن تترك الأثر.
4* لا أفهم سبب عدم قدرة المجتمع على تجاوز احكامه المسبقة و تربيته العتيقة و الانخراط في الحداثة كقناعة، و ليس كواجهة فقط، و هل تقاعس المثقف عن دوره في إعادة تكوين الفكر المجتمعي؟
*** استمرار استهلاك المجتمع لنفس الأحكام المسبقة، وتقييد العلاقات الاجتماعية، والنظر إلى أفراد المجتمع وفق أنماط جاهزة من التصورات، يؤشر على عدة ملاحظات: من جهة، على كون الذاكرة الجماعية الاجتماعية قد تشرَبت هذه الصور، وتحولت إلى سلطة مرجعية قوية لتصريف هذه الصور، ومن جهة ثانية، غياب أو ضعف الجرأة العلمية والثقافية على محاورة هذه السلطة، بإعادة تفكيكها، من أجل إنتاج وعي بحمولتها، وعلاقة مضمون المحتوى براهن التحولات الاجتماعية، ومن جهة ثالثة، نقرأ من ثبات الصور الجاهزة، فشل المشروع الاجتماعي بكل مضامينه السياسي والاقتصادي والفكري في إنتاج البديل الذي يسمح بتجاوز منظومة ثقافة الذاكرة الجماعية، وينفتح على قيم مفاهيم جديدة تنظر إلى المجتمع باعتباره شراكة وظيفية بين أفراده، ومواطنيه، وليس بين أحكام جاهزة تتجاوز تحولات المجتمع، وأفعال الأفراد. لهذا، يتطلب الأمر خيارا ثقافيا وتربويا باعتباره من المنطلقات الداعمة لتحرير الذاكرة من رواسب ثقافة الصور الثابتة. بدون تعليم مسؤول وممنهج، وفي غياب مشروع ثقافي لا يمكن أن نتجاوز الصور الثابتة من أجل مستقبل يستقبلنا باعتبارنا ذوات، وليس موضوعات يتم النظر إليها وفق التصورات المستهلكة.