المنعطف- هيئة التحرير
الفيضان في المصادر التاريخية مسميات مختلفة: المطر المسترسل –السيول الجارفة– أمطار طوفانية… وغالبا ما يأتي بعد فترات طويلة من الجفاف والقحط والأوبئة ومعظمها تأتي في شهر مارس. ويعد تنامي المخاطر الطبيعية والتكنولوجية ظاهرة عالمية مقلقة تنجم عن كثافة استغلال المناطق ذات الخطورة والمعرضة لأخطار أو أحداث خطيرة، تؤدي إلى بعض الكوارث.
ونستكشف من خلال الرجوع إلى كرنولوجية أهم وأكبر الفيضانات التي شهدها المغرب خلال القرون الماضية، أن أكبرها ما عرفه واد سبو سنة 1302.
ومن بين السنوات الخطيرة من حيث الفيضان خارج مدينة فاس، هو ما وقع سنة 1303 وفيضان سنتي 1600 – 1601 بعد ما وقع سيل عظيم بفاس مرتين، وسنة 1607 حيت حدثت فيضانات كارثية مرتين.
وأقيمت في فاس صلاة الاستسقاء 16 مرة سنة 1750 فجادت السماء بأمطار طوفانية.
وحسب وصف القادري في “نشر المثاني” فقد “أغرقت الأرض وأودت بالبهائم”. وبعد مجاعة 1776 تهاطلت أمطار غزيرة في فصل الشتاء في نواحي الرباط فهدمت الكثير من المنازل وأودت بحياة العديد من الأشخاص، وكثيرا ما تؤدي الفيضانات إلى ارتفاع الأسعار وعرقلة المواصلات.
وشهد خريف 1824 موجة قاسية من البرودة وأمطار طوفانية “فوق ما تعتاده العقول”. وكانت سنة 1802 كثيرة المطر في الجنوب، حيث عرفت تزنيت سيلا جارف، وصاحب الرعد والثلج في 15 شتنبر 1867 السيل الجارف بنفس المنطقة، وأمطرت السماء بغزارة شتاء سنة 1878 بعد سنة طويلة من الجفاف.
ويعتبر فيضان مارس 1890 خطيرا حيث استمرت الأمطار لمدة 20 يوما متتالية ففاضت الأودية وخرجت عن مجراها الطبيعي في فاس، وتساقطت الأمطار بشكل كبير سنة 1934 تسببت في فيضانات جارفة، لتليها ثلاث فيضانات أخرى مدمرة خلال العقد الماضي وبداية العشرية الجديدة بدورها خلفت خسائر بشرية ومادية فادحة.
وكان الإنسان المغربي يعيش دائما في رهان مع الطبيعة معتمدا ثلاث آليات أساسية: التضامن والمحلية والأخذ بعين الاعتبار أثر الفيضانات في نظامه الاجتماعي والاقتصادي مما سمح له بمواجهتها في كثير من الأحيان.
وتشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الخصائص الجيولوجية والهيدرولوجية للمغرب تجعله عرضة بشكل خاص للفيضانات، وتشرح “أن التضاريس القاسية والوديان ذات الجوانب الحادة في جبال الريف والأطلس المتوسط والأطلس الكبير تخلق ظروفًا لهيدرولوجيا تفاعلية بشكل خاص خلال فترات هطول الأمطار الغزيرة”.
وشهد المغرب فيضانات شديدة في الماضي، مثل تلك التي حدثت في صفرو عام 1950 وفي وديان ملوية وزيز في عامي 1963 و1965، إلا أن العقدين الأخيرين شهدا فيضانات أكثر تواتراً وانتشاراً.
وتعزو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الاتجاه إلى زيادة الاحتلال البشري للمناطق المعرضة للخطر، والتحضر، وفقدان الغطاء النباتي الطبيعي. وقدرت أن متوسط الخسائر السنوية المرتبطة بالفيضانات في المغرب يبلغ حوالي 4.2 مليار درهم.
وقد يرتفع هذا الرقم ليصل إلى 27.5 مليار درهم في حالة حدوث فيضان يحدث مرة واحدة كل قرن، و34 مليار درهم في حالة فيضان يحدث مرة واحدة كل ألف عام.
ويعود سبب توالي الفيضانات إلى عدم الإستقرار في المناخ خاصة بالمناطق الجبلية الناجم عن حدوث عدة ظواهر مناخية في وقت متقارب. ويعود عدم الإستقرار في المناطق الجبلية سواء في الأطلس الكبير والمتوسط وبعض مناطق الأطلس الصغير نهاية غشت وبداية شتنبر، يعود إلى الانتقال السريع من طقس حار ميز الأسابيع الأخيرة من شهر غشت المنصرم، خاصة في المناطق الداخلية، مع وجود كتل هواية في الأجواء العليا.
وتزامنت تلك الكتل الهوائية مع سحب مدارية صعدت من الجنوب، وتحديدا من موريتانيا، لتصل إلى مرتفعات الأطلس والجنوب الشرقي، وهو ما أدى إلى تساقط زخات رعدية قوية بالشكل الذي رأينا خلال المدة المنصرمة، وتوزعت بين مرتفعات الاطلس والجنوب الشرقي وبعض مناطق الريف “تمثل ما يناهز نصف مقدار التساقطات التي تعرفها المنطقة على مدار السنة، بل وتتجاوز أحيانا، ببعض المناطق، المقدار السنوي المعتاد، حيث سجلت 250 ملم بطاطا و203 ملم بتنغير و114 ملم بفكيك و82 ملم بورزازات”.
وهطلت هذه الأمطار في مناطق لا تشهد تساقطات إلا نادرا طيلة السنة، خاصة الجنوب الشرقي، حيث إن نسبتها في يومين مثلت نصف مقدار الهطل في سنة… ولقي ما مجموعه 36 شخصا حتفهم جراء سيول متفرقة ضربت مناطق الجنوب والجنوب الشرقي. وتسببت الأمطار الرعدية التي تهاطلت مع بداية شهر شتنبر، في فيضانات وسيول جارفة، وأدت إلى انجرافات في التربة، كما تسببت في خسائر مادية جسيمة في مناطق عديدة، خاصة في المرتفعات الجبلية لسلسلة الأطلس.
ورغم الخسائر البشرية والاقتصادية، إلا أن فوائد الأمطار الأخيرة كبيرة، حيث ارتفع مخزون عدة سدود، وانتعشت الموارد المائية الجوفية، ما سينعكس إيجابا على الأمن المائي والغذائي بهذه المناطق.
وحذر محمد صديقي وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في 16 أبريل الماضي، من أن المملكة ستفقد 20 بالمائة من المساحات المزروعة هذا العام بسبب الجفاف. وتعزو ندرة المياه إلى تراجع الأمطار خلال السنوات الماضية، إذ بلغ العجز السنوي مليار متر مكعب.