حاوره: حسن عين الحياة
تزامنا مع عرض فيلم “نايضة” في القاعات السينمائية، خص الفنان الكوميدي سعيد الناصري “المنعطف” بتفاصيل حصرية عن هذا الفيلم، الذي يعد الأول من نوعه في تاريخ السينما المغربية الذي يجسد فيه ممثلون أدوارا لرئيس الحكومة والوزراء.
في هذا الحواريكشف الناصري مراحل صناعة هذا الفيلمالذي تم فيه تذويب قضايا سياسية واجتماعية في قالب درامي وكوميدي،مع إبراز الإكراهات التي واجهته كمشروع في المركز السينمائي المغربي، وكيف تحدى كل العقبات من أجل البحث عن مُخرجات لتصويره، معتبرا عرض الفيلم في القاعات، هو بمثابة صارخة فنان ناضل من أجل إثبات وجوده بعد 10 سنوات من التوقف.
كما يتحدث الناصري عن طبيعة السيناريو وخلفياته والأسباب الكامنة وراء كتابته منذ 13 سنة، معرجا في الوقت نفسه على مشاكل الإنتاج، وعن علاقته بالتلفزيون ومواضيع أخرى تجدونها في الحوار التالي…
+ بعد سلسلة من أفلامك الشهيرة، كـ”اللعب مع الذئاب”و”البانضية” و “الحمالة” و”الخطاف” و”مروكي في باريس” و”عبدو عند الموحدين” و”أخناتون في مراكش”… أخرجت أخيرا فيلم “نايضة” الذي سينطلق عرضه ابتداء من الأربعاء 25 أكتوبر الجاري في القاعات السينمائية، والملاحظ أنه أول فيلم مغربي يشخص فيه ممثلون أدوار رئيس الحكومة والوزراء.. أولا حدثنا عن قصة الفيلم؟
++ يحكي الفيلم قصة ثلاثة أشخاص في متوسط العمر، رجلان وامرأة يقطنون في حي صفيحي. الأول شاب ينتمي لحزب سياسي، خدوم ووفي له، بل كان يقود الحملة الانتخابية لرئيس الحزب الذي أصبح رئيسا للحكومة. والثاني أب لأسرة تتكون من الزوجة والأبناء والأخواة، تعيش معه والدته المريضة، ويشتغل في النقل من خلال دراجة “الطريبورطور”. والثالثة أم لابنتين، كانت تقطن في فرنسا، وعادت إلى الوطن للعيش مع والدتها، بعد مشاكل مع زوجها الذي كان ينتمي لإحدى العصابات.
وتبدأ أحداث الفيلم عندما تتعرض والدة سائق “الطريبورطور” لأزمة صحية، وضرورة توفير 12 مليون سنتيم لإجراء عملية جراحية لها. وأمام ضيق ذات اليد، يتضامن سكان “الكاريان” مع السيدة، من خلال اقتراح مساعدات بسيطة، قبل أنيقترح المنتمي للحزب، أن يتوسط للسيدة عند رئيس الحكومة، باعتباره صديقا له وقائدا لحملته الانتخابية، والأكثر من ذلك يثق فيه ويؤمن به كسياسي بإمكانه حل هذا المشكل الصحي. بل ويخبرهم بأن رئيس الحكومة معية عدد من الوزراء يجتمعون في فندق فاخر في الدارالبيضاء مع لجنة من البنك الدولي وبعض الدبلوماسيين الأجانب، وأن باب الوصول إليه يسيرا. وبالتالي عندما يهم الثلاثة بالتوجه إلى الفندق، يطوقهم سكان الحومة، من أجل حمل مطالبهم إلى رئيس الحكومة.. مثلا أحدهم يطلب تعزيز المنطقة بقنوات الصرف الصحي، وآخر يطلب السكن اللائق، وبعضهم يريد تشغيل أبنائه، وآخرون يريدون تشييد كلية وهلم جرا من الطلبات.
وتتصاعد أحداث الفيلم عندما تكبر الثقة عند الثلاثة بأن رئيس الحكومة سيستقبلهم ويحل مشاكلهم، لكن عندما يتمكنون من الدخول إلى الفندق بوسائلهم الخاصة، يرفض الرئيس استقبالهم ويأمر أحد حراسه بطردهم، فيقول المنتمي للحزب بأن المشكل ليس في الرئيس وإنما في “لي دايرين به”. عموما عند محاولة طردهم، ينشب عراك بين الثلاثة والحارس، فيسقط للأخير مسدسه.. وبعفوية، يلتقط صاحب “الطريبورطور” المسدس، ليعم الفزع جميع المسؤولين في القاعة.. وقتها يشعر فجأة بالقوة، وبأنهم ضعفاء أمامه، فيدخل في نوبة من الهيستريا، قبل أن يقوم باحتجازهم، من أجل إسماعهم طلبات السكان. لكن في المقابل، عندما تسرب الخبر إلى الصحافة، بدأت العناوين في توصيف الثلاثة كإرهابيين يحتجزون أعضاء الحكومة كرهائن.. وهكذا تتصاعد أحداث الفيلم في قالب من التشويق والإثارة، طبعا في قالب كوميدي يعالج مشاكل اجتماعية، سيكتشفها الجمهور عند مشاهدته للفيلم.
+ بعد اطلاعي على السيناريو الكامل للفيلم، لاحظت أنه رغم تيمته الكوميدية، يتناول قضايا سياسية عميقة، لماذا هذا التناول الجديد في الفيلم؟
++ المسألة لا تتعلق بالسياسة بمفهومها المتعارف عليه، وإنما بطريقة تناول الموضوع.إذ رغم كون الحوار يبدو سياسيا في مضمونه، إلا أن مشاركة المواطن في الانتخابات، كما يوضح الفيلم، تعد حركة سياسية أيضا. ثم حين يطلب المواطن من المسؤول بناء مدرسة، فهو دون أن يدري لامس سياسة التعليم، بالرغم من كون المطلب اجتماعي صرف. وبالتالي إن الحالة الاجتماعية لأي مجتمع، هي في عمقها وليدة لإستراتيجية سياسة معينة. ولهذا لو كان السياسيون عندنا يشتغلون بحرقة، لما طفت مشاكل في التعليم أو الصحة أو السكن.. لذلك إن هؤلاء الشبان في فيلم “نايضة” لما احتجزوا أعضاء الحكومة، كانت مطالبهم اجتماعية صرفة، لكن في الوقت نفسه تخفي بُعدا سياسيا خطيرا، والمحلل السياسي أو المحلل الاجتماعي سيفهم أبعاده أكثر. مثلا في الفيلم هناك من لم يجد عمل، وآخر استعصى عليه علاج والدته، أضف إلى ذلك حجم مطالب سكان الحي الصفيحي التي حملها الشبان الثلاثة لرئيس الحكومة.. وهي في عمومها طلبات اجتماعية مشروعة، لكن في عمقها تلامس سياسات التعليم والصحة والسكن وغيرها من القطاعات.
+ الملاحظ أن هناك جرأة زائدة في فيلم “نايضة”، غير مسبوقة في تاريخ السينما المغربية، والمتمثلة في احتجاز رئيس الحكومة وبعض الوزراء، مع إظهارهم في موقف ضعف، من أين لك بهذه الجرأة؟
++ المشكل هو أننا لا ننظر إلى المسؤول كإنسان. مثلا عندما نلج وزارة معينة لا ننظر إلى الموظف كإنسان، وأننا نحن من نؤدي أجرته مقابل العمل الذي يقوم به، عكس ذلك ننظر إليه وكأنه يعطف علينا، وأن تلك الخدمة التي يقوم بها “غير خير منو”، بينما في الدول المتقدمة فكريا، وإن صح القول حتى ديمقراطيا، إن المواطن حين يريد قضاء أغراضه يبدو كما لو أنه يعطي للموظف أوامر، طبعا في جو من الاحترام المتبادل. في حين، عندما نرى نحن وزيرا معينا، نتصوره كشخص لا يمكن الاقتراب منه، في حين، إنه شخص عادي يقوم بمهام حكومية، ولهذا هناك حوار في الفيلم يقول فيه البطل للوزير “شكون غتكون انت”. وبالتالي إذا كان ملك البلاد نصره الله، وهو أمير المؤمنين ومن آل البيت، والذي نكن له كل الحب والود، “كنتجرأواوكنتلقاو ليه ونسلمو عليه ونبوسو هو نقولو ليه عطينا كريمة أو عطينا هاذي..” فإننا بالمقابل لا نستطيع أن نلتقي بوزير أو أن نطلب منه شيئا.. أنظر إلى الفرق، أنظر كيف يرى الشعب ملك البلاد وكيف ينظر إلى وزير أو مسؤول معين. وهنا الفرق واضح، وهو أن المواطن يرى في الملك الأب والأخ والإنسان والملاذ الآمن، بينما لا يشعر بالاطمئنان مع الوزير. وبالتالي إن الفيلم يبرز كيف أن هؤلاء الثلاثة لا يشتكون من ظروف العيش، بقدر ما دفعتهم الضرورة الملحة إلى طلب المساعدة من رئيس الحكومة، بعدما ألجأتهم الظروف إلى ذلك، “بحال شي واحد عايش مزيان، ولكن لظرف قاهر قال ليك سلفني”.
+ بعد التأشير لفيلمك للخروج إلى قاعات العرض، وبما أن السينما تحتاج دائما إلى مساحة من الحرية للإبداع، هل لمست كفنان أن الجهات المسؤولة عن القطاع السينمائي في المغرب تضع ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء حتى لا نرى أفلاما تتناول تيمات سياسية، أم أن هذه الخطوط الحمراء مجرد وهم في مخيلة البعض.
++ يمكن القول إن المسؤولين يوهمون الناس بأن هناك خطوط حمراء، بينما في القانون ليست هناك أية خطوط.. وبما أنهم يوهمون الناس، “الناس كتولي عندها خطوط حمراء في دماغها”. وقد يتساءل أحدهم قائلا: “أواه.. أنا غنتكلم على الوزير”. لذلك يمكن أن نتساءل لماذا ارتسمت هذه الخطوط الحمراء في مخيال الناس.. الجواب هو أن هناك تهديد بطريقة غير مباشرة. والدليل على ذلك، عندما قمت بوقفة احتجاجية أمام البرلمان، اتصل بي حوالي 120 فنانا من أجل المشاركة، لكن لم يأت في النهاية سوى 6 أو 7 فنانين.. بعدها قال لي بعض الفنانين “خويا سعيد.. كان عندنا واحد البرنامج، وعيطو ليا وقالو ليا إلى مشيتي تما هذاك البرنامج مغتبقاش دوز فيه”. ثم هناك فنانة صارحتني بأنها كانت ستشارك في أربع حلقات في سلسلة بالقناة الأولى، لكن تم حرمانها من ثلاثة.. إذن هناك تهديد. ولهذا يسألني كثير من الناس “واش مكتخافش مللي كدير هاذ الشي؟ راه كيزيدو يحبسو عليك”. لذلك أقول إن مثل هذه الأفعال هي التي تصنع الخطوط الحمراء في أدمغة الناس.
+ سأطرح السؤال بصيغة أخرى.. هل شعر سعيد الناصري يوما بأن هناك خطوط حمراء؟
++ الجميل بالنسبة لي، هو أنه منذ بداياتي الأولى وإلى الآن، لم أشعر بأن هناك خطوط حمراء، أشتغل بحرية، وأعمالي كلها مليئة بالنقد، البناء طبعا. لكن دعني أتساءل: “كم سنة مرت دون اشتغالي في التلفزيون؟”.. عموما، عندما أخذت في انتقاد مديره، “ولا كلشي كيقول ليا أصاحبي غير دخل سوق راسك”.
+ (أقاطعه) هناك لبس.. قد يقول البعض كيف يمكن أن يكون سعيد الناصري ممنوع من التلفزيون، بينما نشاهد أفلامه في التلفزيون نفسه؟
++ الأمر يتعلق بسياسة مدروسة.. فهم يقولون إننا نعرض أفلام سعيد الناصري، لكن المشاهدين لا ينتبهون إلى أن الأمر يتعلق فقط بإعادة أفلام قديمة. وهذه الإعادة “ماكنعيش بيها”. لكن أعمالي الجديدة لا تعرض في التلفزيون.. إذن يتم عرض أفلام قديمة فقط، ومع مرور الوقت يصبح القديم تافها، أي أنهم يريدون أن يوصلوك إلى تلك التفاهة. لكن ولله الحمد، لم تصل أعمالي إلى التفاهة، بدليل أنها ماتزال محبوبة عند المغاربة. إذن فالأمر هنا مدروس ومُحكم، إلى درجة أن الناس في الشارع يسألونني دائما “واغبرتي.. كنشوفو غير ذاك الشي لقديم ديالك”.
+ لنعد إلى الفيلم، ماذا يمثل لك فيلم “نايضة” بعد سلسلة من أفلامك السابقة، وكيف انبثقت فكرة كتابته؟
++ بداية، كتبت سيناريو فيلم “نايضة” بين سنتي 2010 و2011، وكانت المناسبة التي حفزتني على هذه الكتابة، هي أنني لمست من خلال احتكاكي الدائم بالناس، أنهم بدؤوا ينتبهون إلى أن بعض المسؤولين يطلقون وعودا لتغيير واقع الحال، لكن دون الوفاء بتنفيذها. وبالتالي، لاحظت، من خلال هذا الانتباه، أن الناس أصبح لديهم وعيا سياسيا معينا. ثم ما حفزني أكثر على كتابة هذا الفيلم، هو ما عشته كتجربة شخصية، أي عندما بدأ باب الحوار ينغلق في وجهي تدريجيا مع التلفزيون، ثم مع وزير الثقافة آنذاك… ولهذا كان الأمل دائما في حل المشكل معقود على الوزير باعتباره وصي على القطاع، لكن عندما تطرق باب موظف الوزارة، تكتشف أنه لا يستطيع فعل أي شيء، وكذلك الأمر بالنسبة للمدير ثم الوزير. علما أن الفن هو مصدر قوتي، ومنه يقتات عدد كبير من الفنانين. ومنذ تلك الفترة بدأ الوعي يتشكل عندي بأن هناك باب مغلق. وموازاة مع ذلك، بدأت فكرة الفيلم تختمر في ذهني.
+ هل كنت تشعر من قبل بأن الباب مغلق؟
++ أبدا.. لم أشعر بذلك، لسبب بسيط، وهو أنه لم يكن لدي طلب، بحيث كنت أشتغل بشكل عادي في التلفزيون،وكانت سبل الحوار مفتوحة آنذاك.والسبب هو وجود مسؤولين آخرين غير الموجودين حاليا،وخصوصا عندما تقلد العرايشي المسؤولية في التلفزيون، ففي سنواته الأولى كان الباب مفتوحا، وكان بإمكاننا مناقشة المشاريع مع التلفزة، لكن حدث نوع من التراجع في ما بعد. وهنا تحديداتولَّد لديشعور بأن الأبواب تنغلق تدريجيا في وجهي. علما أنني كفنان في حاجة ماسة للتحدث مع المسؤول، على الأقل لمعرفة سبب التضييق، وليس بغرض مادي صرف. أي أن الأمر بالنسبة لي، يتعلق بمسألة الإحساس بأنك موجود كفنان، وأن لك قيمة اعتبارية. وكما قُلتَ في سؤالك الأول، لدي أفلام سينمائية كثيرة، ولدي اسم أخذ حقه من الشهرة، لكن بالرغم من هذه النجومية، أشعر كما لو أنني “يالله بادي”، وأن لا أحد من المسؤولين في التلفزيون يعرفني.. وهنا أتسأل، “كيفاشغيدير مواطن بسيط للي ماكيعرفو تا واحد؟”. وقد أشرت إلى هذه المقاربة في فيلم “نايضة”، من خلال حوار يقول لي فيه وزير الصحة: “مالك.. أشنو المشكل؟”.. فأجيبه كشخصية محورية في الفيلم “بغيت نداوي أمي”.. فيرد “هاذ الشي علاشمنوض هاذ الصداع.. كنتي تجي عندي”. فتتدخل أسماء التي لعبت دورها الفنانة إلهام وعزيز لتقول للوزير “بالصح.. آشمن قهوة كتجلس؟” فيتلعثم الوزير، ليقاطعه شاب يشخص دوره الفنان رفيق بوبكر قائلا: “راه صعيب السيد الوزير، مواطن عادي يشوف وزير بحالك”.
+ يبدو أن هذا الفيلم هو نتاج لتجاربك الخاصة مع بعض المسؤولين.. أي أن ما عشتًه مع قضية “الأبواب المغلقة”، عالجته فنيا في الفيلم.. أليس كذلك؟
++ صحيح، لأنه عندما تنغلق أبواب الحوار، يتولد إحساس معين، وقد يشعر بيه كثيرون، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمسألة حياة أو موت، فنحن هنا نتحدث عن مصدر العيش، فما بالك بالذييحتاج إلى سرير في المستشفى، أو”غتمشي ليه دارو”، أو عاش ظلما قضائيا أو همشته سياسة حكومية.. هؤلاء تجدهم يرددون دائما عبارات “الله ياخذ فيهم الحق”، أو “حسبي الله ونعم الوكيل”، لكن في الواقع الأمر، فهذه حقوق، ولابد من المطالبة بها.. وبالتالي، إن هذا الإحساس الخطير، يدفع صاحبه في لحظات الضعف إلى التفكير أحيانا في اللجوء إلى العنف. وهذا ما حاولت معالجته في الفيلم، بمقاربة فنية ودرامية أيضا.
+ هل ترى بأن إنجازك لفيلم “نايضة” تتويج لمسار نضالي؟
++ طبعا، فهو انتصار لمسار نضالي، لأنني عندما كتبت سيناريو الفيلم تقدمت به إلى لجنة الدعم بالمركز السينمائي المغربي، فتم رفضه بمبررات غير موضوعية، ثم تقدمت به مرة ثانية وثالثة ورابعة.. وكان في كل مرة يتعرض للرفض، وكنت أظن أن اللجان تتمتع بالحرية في التفكير، لكن أدركت بعدها أن صارم الفاسي الفهري، المدير آنذاك، هو الذي يتحكم وليس اللجان. بمعنى أن الفيلم ظل يتعرض للرفض لمدة 10 سنوات، لأسباب ومبرراتهم تافهة.. مثلا إحدى أعضاء اللجنة قالت لي “من أين ستأتي بالطائرات؟”، فقلت لها إنها السينما، وبإمكاني توظيف صاروخ وليس طائرة. وبالتالي، رغم هذا الرفض، رفعت التحدي، تماما كالتحدي الأول عندما أنشأت قناة في “يوتوب” ودعمني فيها المغاربة، بحيث دفعني هذا الدعم لأكون أكثر صدقا في التعبير عن المعاناة في فيلمي الجديد. ولهذا، يمكن القول إن فيلم “نايضة” أشبه بمولود، ناضلت من أجله، وعشت مخاضه رغم ضعف الجانب المادي. إذ لا أحد أبدى تعاونه معني في جانب التمويل، وبالتالي إن هذا الفيلم، بعد خروجه للقاعات، هو بمثابة صارخة فنان ناضل من أجل إثبات وجوده بعد 10 سنوات من التوقف.
+ على ذكر الطائرات والتمويل، يبدو الفيلم ضخما من حيث الإنتاج.. هناك هليكوبتر وأزياء الشرطة والمسدسات والبنادق والسيارات الفاخرة والفندق وعديد الممثلين.. هل واجهت مشكلا في الإنتاج؟
++ دائما هناك مشكل في الإنتاج.. ففيلم “نايضة” إذا أردتَ إنتاجه بحق، يلزمك على الأقل 10 ملايين درهم، لكن بدعم الشعب ودعم أصدقائي الممثلين والتقنيين، تمكنا من إنجاز الفيلم.. لأن التقني الذي أبدع المؤثرات والخدع السينمائية هو الذي مكننا من توظيف الهليكوبتر وتجهيزات أخرى. ثم بفضل تجربتي المتواضعة في الإخراج تمكنت من صناعة أشياء من لا شيء، يمكن القول إنها بفضل الذكاء كانت مبهرة. ثم في ما يتعلق بمشاكل الإنتاج، تلقيت وعودا بخصوص ملابس ومعدات الشرطة، وكان هدفي إظهار البوليس في أبهى حلة، لكن لم تتحقق هذه الوعود، بحيث انتظرت تنفيذها إلى أن تبقت 48 ساعة على بدء التصوير. لكن لجأنا في آخر المطاف إلى تصميم هذه الملابس وخياطتها في ظرف يومين فقط. أما البنادق فهي من الخشب وبدت حقيقية، وقد اشتغلنا عليها من قبل، وهي من إبداع صانع مغمور في مدينة دمنات، اكتشفت موهبته، ووضعت ثقتي فيه، فكان جذير بهذه الثقة. أضف إلى ذلك، هناك من ساعدنا بتوظيف السيارات الفاخرة.. أما بخصوص وجبات الأكل، فيمكن القول إن “الشعب كيعاون ولد الشعب”، فما قام به سكان “كاريان الرحامنة” في سيدي مومن لا يتصور، “الناس كيصيبو كسكسو من أجلنا”، كما اشتغل معنا أبناء هذا الحي الصفيحي في الفيلم، وهم من قاموا بالتنظيم، خصوصا لما شعروا بأن الفيلم ينتمي إليهم، كما أن “الناس ديال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خدمو معانا”. وهذا هو الدعم الحقيقي. أضف إلى ذلك أن فندق كنزي الذي صورت فيه أغلب المشاهد، قمنا باستغلاله بالمجان لمدة 10 أيام.
+ هل وقعت حوادث ما في الفيلم أو نزاعات مع بعض الممثلين؟
++ لم تقع حوادث معينة أو خصام أو نزاع.. عكس ذلك، كل المشاركين في الفيلم كانوا فرحين بهذا المنجز الفني.. ولأول مرة ممثل “كيجييسينيو ماعارفش حتى شحال غياخذ”.. عموما وهذا بفضل الله، كل الممثلين أخذوا مستحقاتهم، وقد تكلف بالإنتاج بوشتى الإبراهيمي، وكنا على وفاق في العمل، كما وجب الإشارة إلى أن الممثلين اشتغلوا في الفيلم بأقل من أجورهم الحقيقية، وكانوا راضين بذلك وفرحين.
+ بعد فيلم “نايضة” هل هناك فيلم آخر في طريقه للإنتاج؟
++ طبعا هناك أعمال، لكنها تحتاج إلى الدعم المالي.. وبالمناسبة، وضعت في شتنبر الماضي ملفا للدعم لدى المركز السينمائي المغربي، بخصوص فيلم يحمل عنوان “عبدو عند المرينيين”، لكن إلى غاية الآن لم أتلق جوابا.
+ لماذا اخترت المرينيين في هذا الوقت بالذات؟
++ لعدة اعتبارات، ضمنها إبراز عظمة المغرب وتاريخه العريق في علاقته ببلدان الجوار.. وكيف أن المغرب في عهد الدولة المرينية حكم بلادا واسعة في شمال إفريقيا والأندلس.. وبالتالي أتمنى أن يتم دعم هذا الفيلم الذي يبرز قوة المغرب منذ عصور قديمة، كقوة ضاربة في أعماق التاريخ.