التقرير العالمي السنوي لمنظمة “هيومن رايتش ووتش” صورة سوداء عن الوضع في الجزائر،ورسالة مفتوحة للشبكة الأوروبية-المتوسطية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان،وتفاصيل مثيرة بخصوص محاكمة الأخوين الجزائريين المتهمين بارتكاب أفعال تعذيب خلال عشرية الإرهاب
إعداد : عبد الرحيم باريج
………………………………………
أفرزت النسخة الـ25 من التقرير العالمي لمنظمة “هيومن رايتش ووتش” صورة سوداء عن الوضع في الجزائر ، في تقريرها السنوي المتكوّن من 656 صفحة، في إطار قيام المنظمة بمراجعة الممارسات المتعلقة بحقوق الإنسان في أكثر من 90 بلدا،أن “عام 2014 لم يشهد تحسنا إجماليا في أوضاع حقوق الإنسان،على الرغم من الوعود التي قدمتها الحكومة منذ 2011 لإدخال إصلاحات”. وذكرت بأن “السلطات قلصت حرية التعبير والحق في حرية تكوين الجمعيات والتجمع والاحتجاج السلمي،واعتقلت وحاكمت نشطاء سياسيين ونقابيين”.
وأعلنت اللجنة الوطنية الاستشارية الجزائرية لحماية وترقية حقوق الإنسان تأييد ما جاء في التقرير السنوي لـ”هيومن رايتس ووتش”، بخصوص واقع الحقوق والحريات في الجزائر.وقال رئيس اللجنة، فاروق قسنطيني، إن “السلطة لوّثت ووسّخت صورة الحقوق والحريات في الجزائر،بمبالغتها في توقيف نقابيين بسطاء وناشطين سياسيين”،و أن “مضمون التقرير أصاب كثيرا في ملاحظاته حول حرية التعبير والحق في التجمع والتظاهر السلمي وإنشاء جمعيات ومنظمات وطنية”،وذكر قسنطيني أن “حرية التعبير لم تتطوّر ولم تتدعم خلال السنة الماضية 2014، والملاحظات التي أفرزتها النسخة 25 من التقرير السنوي للمنظمة الدولية صحيحة، وذلك عبر إشارتها إلى أن حرية التعبير تقلصت”، مضيفا بخصوص أسباب التراجع: “إنه الخوف والتخويف، وعدم وجود سياسة واضحة وواسعة، ومن غير المعقول أننا في 2015 ما تزال حرية التعبير تُعالج بالبريكولاج”،وهاجم قسنطيني السلطة من خلال ملاحظات التقرير “ما ورد في التقرير عن التوقيفات والاعتقالات التعسفية في حق النقابيين والنشطاء السياسيين، لطخ صورة الحريات وحقوق الإنسان في الجزائر، واستغرب لماذا يُعتقل ويُقتاد نحو مراكز الشرطة نقابي بسيط مطالبا بحقه، أو ناشط سياسي مثلا في حركة بركات”،وأضاف بأن “السلطة لا تكترث لأخذ احتياطاتها بشأن تحسين والمحافظة على صورتها أمام المجتمع الدولي في مجال الحقوق والحريات، ولا تتحرّج من التقارير السنوية لمختلف الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية”.
ولم يغفل التقرير السنوي لمنظمة “هيومن رايتش ووتش” الشركاء الدوليين للجزائر، ولفت إلى علاقة هذه الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي، مبرزا “في إطار سياسة الجوار، قام الاتحاد الأوروبي بمفاوضات مع الجزائر ضمن خطة عمل، وذلك بالنسبة لسياسة الجوار التي تتيح للدول الشريكة مع الاتحاد إظهار التزامها في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون والحكم الرشيد، لكن الحكومة الجزائرية لم توافق على قبول الانخراط في آليات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان منذ 2011، رفضا لتقارير خاصة بالتعذيب وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والمفقودين قسرا”.
…………………………….
وفي نفس الإطار،سبق ووجه كل من ميشال توبيانا (رئيس الشبكة الأوروبية-المتوسطية لحقوق الإنسان) وفيليب لوثر (مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا،أمانة السر الدولية لمنظمة العفو الدولية) وإريك غولدشتاين (نائب المديرقسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا بهيومن رايتس ووتش) وكريم لاهيجي (رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان) رسالة مفتوحة بمناسبة مفاوضات خطة العمل بين الاتحاد الأوروبي والجزائر في إطار سياسة الجوار الأوروبية،جاء فيها “قبيل المفاوضات المقبلة حول خطة العمل بين الاتحاد الأوروبي والجزائر في إطار سياسة الجوار الأوروبية، تودّ الشبكة الأوروبية- المتوسطية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان أن تكرّر ندائها لوضع احترام حقوق الإنسان في صدارة الأولويات، بما فيها المساواة بين الرجل والمرأة ومطالبة السلطات الجزائرية باتخاذ تدابير ملموسة في هذا المجال.
منذ سنة 2011، تم قطع وعود إصلاح كثيرة ومع ذلك، لا يزال رصيد الجزائر فيما يتعلق بحقوق الانسان سلبيًا. فقد شُدِّدت القيود حول حريات تأسيس الجمعيات والتجمّع والتظاهر ولا يزال الناشطون، من المنتمين للجمعيات و النقابات، عرضةً لملاحقات قضائية تعسفية تسعى إلى ترهيبهم ووضع حد لنشاطهم في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
ليس في الجزائر أي قانون يجرّم العنف الممارس ضد المرأة بشكل مناسب ولا يزال التمييز ضد المرأة متجذرًا قانونًا وواقعًا. بالإضافة الى ذلك، فإن تعاون الجزائر مع خبراء الأمم المتحدة وآلياتها وكذلك المنظمات غير الحكومية الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان لا يزال محدودًا، إن لم يكن معدومًا، على الرغم من مطالبات هؤلاء الناشطين المتكررة بالحصول على تأشيرات للقيام بزيارات رسمية الى الجزائر.
و كان الاتحاد الأوروبي قد عبّر عن قلقه حيال هذا الوضع خلال مجلس الشراكة الذي عقد في ماي 2014، معلنًا أن “انتخاب الجزائر عضوا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يجب أن يشجّع البلاد على تعزيز احترام الحقوق الأساسية والحريات المدنية وخصوصا حرية تأسيس الجمعيات وحرية التعبير عن الرأي. ويشجع الاتحاد الأوروبي الجزائر على التقيد بالمواثيق والآليات الرامية الى تعزيز حقوق الإنسان بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية ومع إيلاء أهمية خاصة لحقوق المرأة”.
…………………….
في مارس 2014، قامت المفوضية الأوروبية باعلان مماثل وكشفت “غيابًا دائمًا لاستقلالية السلطة القضائية ويبدو أن الوضع قد تدهور فيما يتعلق بحرية تأسيس الجمعيات والتجمّع (بما يشمل استمرار العوائق في وجه النقابييّن المستقلّين) وحرية التعبير (خصوصًا بالنسبة لأصحاب المدوّنات).”
إزاء هذه الملاحظات القاتمة التي عبّر عنها الاتحاد الأوروبي، تعتبر منظماتُنا أن المفاوضات الجارية تمثل فرصة هامة للاتحاد الأوروبي لكي تَشهد علاقاتُه مع الجزائر تطبيقًا ملموسًا لالتزاماته المتعلقة بحقوق الإنسان والمجتمع المدني كما تم تعريفها في السياسة الأوروبية للجوار بعد مراجعتها، وكذلك في خطة عمل الإطار الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي حول حقوق الإنسان والديمقراطية.
قبيل وضع خطة عمل بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، واستمرارًا للمواقف المتّخذة في مجلس الشراكة الأخير، تدعو جمعياتُنا الاتحادَ الأوروبي ودولَه الأعضاء الثماني والعشرين إلى ممارسة ضغطٍ قوي ومشترك لحثّ السلطات الجزائرية على:الحرص في جميع الأوقات على أن يكون المدافعون عن حقوق الإنسان وكل الناشطين المنخرطين في الجزائر قادرين على ممارسة حقوقهم في حرية التعبير وتأسيس الجمعيات والاجتماع السلمي بشكل كامل ومن دون أي خوف من المضايقات أو من تدخل السلطات،وإبطال مواد القانون رقم 12-06 المتعلق بالجمعيات التي تنتهك حرية تأسيس الجمعيات وحق الجمعيات في التعاون فيما بينها والانضمام إلى جمعيات متمركزة في بلادٍ أخرى،وإبطال المرسوم الذي يمنع التجمعات والتظاهرات في الجزائر العاصمة منذ عام 2001،وتوفير الحماية للنساء والفتيات ضد العنف الجندري (العنف المبني على النوع الاجتماعي) بما فيه اعتماد قانون يجرّم العنف ضد المرأة بكافة أشكاله،وإبطال مواد قانون العقوبات وقانون الأسرة التي تشكل تمييزا ضدّ النساء والفتيات وسحب كل التحفظات المتعلقة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمصادقة على بروتوكولها الاختياري،والحرص على أن تكون التغييرات المقترحة في الدستور مطابقة للموجبات الدولية للجزائر في مجال حقوق الإنسان وعدم اعتماد تعديلات قد تكرﹼس الإفلات من العقاب في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مثل الاختفاء القسري والإعدامات غير القانونية وأعمال التعذيب،والتعاون بشكل كامل مع مجلس حقوق الإنسان، بما فيه التعاون مع خبرائه في مجال حقوق الإنسان- أو الإجراءات الخاصة- وخصوصا عبر الاستجابة فورًا وإيجابًا لطلبات الزيارة الخاصة بهم وذلك عبر إرسال دعوات دائمة إلى الخبراء ومجموعات العمل الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان والإيفاء بهذه الدعوات، وكذلك عبر تنفيذ توصياتها ومراسلاتها بشكل سريع،وتوفير تأشيرات الدخول لممثلي المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان التي تطلب الذهاب إلى الجزائر ومن دون تأخير.
بالإضافة إلى كل ما سبق، تدعو منظماتنا إلى أن يُتَرجِم الفصل المتعلق بحقوق الإنسان في خطة العمل المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والجزائر إرادةً صلبةً للتقدم في تعزيز وحماية حقوق الإنسان على المستويين القانوني والفعلي، بما يتناسب مع المعايير الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان. وإننا نلفت عنايتكم إلى ضرورة اعتماد أهداف ملموسة في مجال حقوق الإنسان بالإضافة إلى جدول زمني للإصلاحات التي يجب أن تفي بها الجزائر على المدى القصير، بالاشتراك البنّاء مع المجتمع المدني الجزائري المستقل.
كما أنه من الأهميّة تحديد المؤشرات الدقيقة التي يمكن أن تسمح بإجراء تقييم موضوعي ودوريّ للوضع على أن يكون هذا التقييم مبنياً على معايير الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان”
………………………………
من جهة أخرى،وفي نفس السياق الحقوقي كذلك،كشفت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان عن تفاصيل مثيرة بخصوص محاكمة الأخوين الجزائريين، حسين وعبد القادر محمد، المتهمين بارتكاب أفعال تعذيب خلال عشرية الإرهاب. وذكرت أن التحقيق في وقائع التهم الموجهة إلى الجزائريين استغرق 10 سنوات كاملة، فيما رفضت الجزائر التجاوب مع طلب الإنابة القضائية الدولية التي تقدم بها القضاء الفرنسي سنة 2005، وتحججت بأن القضية من شأنها المساس بسيادتها وبالأمن العام فيها.
ذكرت الفيدرالية، على موقعها الإلكتروني، أن “العدالة الفرنسية استغرقت 10 سنوات للانتهاء من التحقيق، وتقرر توجيه الاتهام للأخوين عضوي الدفاع الذاتي سابقا، ويمكن تفسير هذا التأخير بنسبة كبيرة لعدم وجود قسم مختص بمتابعة الجرائم الدولية في وقت تقديم البلاغ عام 2003، وقد أنشئ هذا القسم في يناير 2012، وذلك في إطار المحكمة الابتدائية لمدينة باريس”.
وأوضحت الهيئة الحقوقية أن “القسم حاليا يحتوي على كل الملفات القضائية المتعلقة بجرائم تعذيب أو إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وهذا القسم المتخصص مكون من وكلاء نيابة وقضاة تحقيق، يعملون فقط على هذا النوع من القضايا، ما سمح بالإسراع في الإجراءات بداية من عام 2012، والجدير بالذكر أن بطء هذه القضية يشير بشكل كبير إلى إحجام السلطات القضائية والسياسية الفرنسية عن النظر في هذا الملف، الذي له تبعات سياسية ودبلوماسية كبيرة، وذلك حال تحوله إلى قضية”.
وأوردت الفيدرالية الدولية تفاصيل القضية بدقة كبيرة مرفقة بتواريخها، فكانت البداية من 10 أكتوبر 2003، حيث قدمت شكوى بدعوى التعذيب والممارسات الوحشية وجرائم ضد الإنسانية أمام المدعي العام للجمهورية في المحكمة الابتدائية بمدينة “نيم” الفرنسية، من قبل الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان، ثم في نوفمبر من السنة ذاتها، تم فتح ملف تحقيق مبدئي، للتأكد من أن محل سكن الأخوين محمد تابع لمدينة “نيم”، وقد حصل حسين محمد على الجنسية الفرنسية عن طريق الزواج.
وبتاريخ 11 دجنبر 2003، أبرزت الفيدرالية أنه تم فتح تحقيق قضائي ثان من طرف المحكمة الابتدائية في مدينة “نيم” بتهمة التعذيب والممارسات الوحشية، وتوقفت إجراءات القضية 3 أشهر كاملة إلى غاية 18 مارس 2004، حيث تم تنظيم عدة جلسات استماع لأقارب الضحايا الجزائريين وهم “هواري سعيدان” و”الحبيب عون” و”فتحي عزي”.
وفي 29 مارس من نفس السنة، ألقي القبض على الأخوين الجزائريين حسين وعبد القادر محمد في مسكنهما، ثم أودعا الحبس المؤقت، واستمعت إليهما الشرطة القضائية وتمت مواجهتهما باثنين من الضحايا، وفي اليوم الموالي (30 مارس)، قرر قاضي التحقيق وضعهما تحت الرقابة القضائية. وقد استأنف وكيل النيابة هذا القرار، وفي شهر أبريل تأسس المحاميان “باتريك بودان” و”فليب إكسبرت” في القضية، وتأسست الفيدرالية الدولية والرابطة الجزائرية وعدد من الضحايا الجزائريين، أطرافا مدنية.
وأفادت الفيدرالية بأن “مرصد حماية حقوق الإنسان نشر دعوى عاجلة بتاريخ 17 أبريل 2004، بخصوص وضع محمد سماعين وفتحي عزي، وقد حضرا للشهادة في فرنسا، وتلقيا تهديدات بالانتقام لدى عودتهما إلى الجزائر، وتم فصل عزي ثم تجريده من منصبه ونقله إلى قسم آخر تابع للبلدية الفرعية، وتم القبض على محمد سماعين بينما كان بصحبة صحفيين يحققون بخصوص الاختفاءات القسرية، وتم التحفظ عليه لمدة 20 ساعة”.
وأصدر قاضي التحقيق، حسب المصدر، طلب إنابة قضائية دولية في 18 يونيو 2004، من أجل استكمال إجراءات التحقيق في الجزائر، لكن رد السلطات جاء بعد سنة كاملة، أي بتاريخ 19 يوليوز 2005، برفض تنفيذ طلب الإنابة القضائية الدولية، وبررت الجزائر موقفها بأنها “اتخذت كل الإجراءات اللازمة لتجريم ممارسات التعذيب في إطار قانونها الجنائي الوطني، وقد جُرمت حالات عديدة بالفعل، وأن طلب الإنابة القضائية من شأنه المساس بسيادتها وبالأمن العام فيها”.