عبدالنبي مصلوحي
الحقد داء عضال، لا يولد مع الطفل، ولكن يتولد من الحسد والغيرة التي تصل إلى درجة الإيذاء والتدمير، وهو مرحلة من مراحل العداوة المتولدة عن الضغينة التي تسيطر على العقل ، وهو أخطر مرحلة من مراحل العداء، حيث يصبح الحاقد لا يبصر من حسنات من يحقد عليه شيئا غير حب الانتقام و الاجتهاد في تزييف الحقائق، وضياع الوقت والجهد في النفاق والخداع والتضليل والأكاذيب، حتى يضيع العمر و تتلف الصحة في ما لا ينفع،
والحاقد حاله لا يسر أحدا، عدوا كان أو صديقا، لأنه يتحول إلى شخص مريض، وتصبح عوراته مكشوفة لجميع الناس، وبالتالي يُنقل من زمرة العقلاء إلى حثالة السفهاء الذين تعمى بصائرهم.
مناسبة هذا القول هو ذهاب إحدى قنوات الجزائر، وهي قناة النهار تحديدا، إلى أن حياة بومدين، المشتبه بها الوحيدة التي بقيت حية بعد مقتل الإرهابيين الثلاثة في أحداث ” شارلي إبدو” و متجر هايبر كوشير” بباريس، بعد تمكنها من الفرار، هي مغربية، وزوجها أو رفيقها كوليبالي ذو الأصول السنغالية قد خطط ونفذ لعمليته الإرهابية انطلاقا من الأراضي المغربية، حيث زار، حسب القناة، المملكة المغربية في يونيو الماضي، وأقام بها أسبوعا، و أن رفيقته التي يعتقد أنها هربت إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، ليست جزائرية كما يقال، وإنما هي من أصول مغربية…يا سلام على القناة التي لا ترى حرجا في القفز على كل الأخلاقيات والمهنية التي تجعل من الخبر مقدسا، لتغذية حقد دفين يوظف في حرب باردة، مازالت تسكن في رؤوس جزائرية، لأسباب ذاتية وسياسية معروفة. أوردت هذا الزيف اعتقادا منها أن فرنسا إذا انطلت عليها هذه الكذبة، فإن الأزمة ستزداد بينها وبين المغرب.
غير أن ما فات القناة التي تتغذى على الريع النفطي و عائدات الخدمات الإعلامية غير النظيفة التي تخدم الدعاية الكاذبة، أن عملية احتجاز كوليبالي للرهائن بالمتجر المذكور، لم تكن عملا مخططا له، حتى يسافر من اجله حتى المغرب ويخطط لذلك، فالعملية كما صرح هو نفسه لإحدى المحطات التلفزيونية التي اتصلت به عبر الهاتف، جاءت في إطار تحرك بتنسيق مع الأخوين كواشي اللذين كانا محاصرين في مطبعة من قبل الشرطة، ومعنى هذا أنه فعل ذلك في محاولة منه لتحويل الاهتمام من مطاردة الأخوين كواشي، وبالتالي تمكينهما من فرصة للإفلات من المطبعة، هذا من جهة، من جهة أخرى لماذا لم تتطرق القناة إلى أصول باقي الإرهابين المذكورين في هذا الملف.. من سعيد وشريف كواشي إلى جمال بغال عضو القاعدة المدان سنة 2005 بأعمال إرهابية ارتكبها جنوب فرنسا والذي ذكرت تقارير الشرطة الفرنسية ان كوليبالي زاره رفقة زوجته حياة بومدين..؟ فهؤلاء كلهم من أصول جزائرية..ولابد أنهم على صلة بالجماعات الإرهابية الموجودة كالفطريات الطفيلية في الجزائر.
إن القناة الجزائر كان عليها عوض محاولة التشويش على المغرب عبر هذا المنفذ الوضيع لتصريف خبر لن يصدقه أحد في العالم، أن تنخرط بجد ومسؤولية في نقاش هادىء وهادف لملف الإرهاب الذي بات يهدد العالم برمته، وكان عليها أن تتحلى بقليل من المهنية و تنقب بالبحث والتحليل في مصادر تمويل هذه الجماعات، وفي كيفية تحركها وفي انتماءاتها، وكان عليها أن تنخرط كذلك في افتكاك التناقضات التي جاءت في هذا الملف المتعلق بأحداث باريس، حيث أورد الشقيقان كواشي أنهما ينتميان إلى تنظيم القاعدة في اليمن، وكوليبالي قال انه على صلة بداعش…لقد كان عليها بذل الانشغال بمحاولة الزج باسم المغرب في الموضوع عبر حياة بومدين التي هي من أصول جزائرية، أن تنشغل بالجواب عن سؤال من أين يجب البدء في محاربة الإرهاب التي تعد الجزائر واحدة من ضحاياه.