حاوره: حسن عين الحياة
أثارت دفاتر تحملات وزارة الشباب والثقافة والتواصل، الخاصة بدعم المشاريع الثقافية والفنية برسم 2024، جدلا واسعا بين الفاعلين في المجال المسرحي، خاصة ما يتعلق ببعض النقاط الخلافية المرتبطة بشروط الاستفادة من هذا الدعم، والتي هي الآن محط نقاش واسع في مختبرات الإطارات التمثيلية، وضمنها نقابة المسرحيين المغاربة وشغيلة السينما والتلفزيون.
في هذا الحوار، يتحدث عبد الرحيم ضرمام رئيس النقابة إلى “المنعطف” حول هذه الدفاتر، وعن النقاش المفتوح حاليا حولها بين المهنيين، وعن تأثيرها في العملية الثقافية والفنية في المملكة. كما يتحدث ضرمام أيضا عن طبيعة العمل النقابي في المجال الفني بالمغرب، وعن تقاطعات نقابته مع الإطارات الترافعية الأخرى، مع قيامه بتشخيص دقيقلوضعية الفنان حاليا، ولقانون المهن الفنية، بإضافة إلى حديثه عن مواضيع أخرى بالغة الأهمية تجدونها في الحوار التالي.
ـ باعتبارك الرئيس الوطني لنقابة المسرحيين المغاربة وشغيلة السينما والتلفزيون، كيف تقيم نضالات الإطارات التمثيلية في المغرب، وهل تتسم بالنجاعة في تحصين حقوق الفنانين و”المقاولات” الفنية؟
+ في الواقع، المجال النقابي في المغرب المرتبط بالمهن الفنية يفتقر إلى العديد من الآليات الأساسية والتي تعتبر إحدى المعيقات التي تعوق العمل النقابي.. أولها غياب الدعم عن هذه النقابات المهنية، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه تم حجب دفتر تحملات قسم التعاون الذي ينص على دعم النقابات لسنوات طويلة بدون مبررات تذكر، وبالتالي يجب التذكير أنه بدون الدعم العمومي المادي للهيئات النقابية، لايستقيم حال أي مشروع تريد النقابة تنزيله إلى أرض الواقع. وهنا تجد الفاعلين والمنتسبين والفاعلين النقابيين يشتغلون على حسابهم الخاص وأحيانا يتم تركيز جميع القرارات في المكاتب الوطنية. أما عن دور النقابة، هل يتسم بالنجاعة في الدفاع وتحصين المكتسبات؟ أظن أن القطاع الوصي لا يؤمن بشكل واعي بدور هذه الهيئات والتمثيليات النقابية، حيث لا تلتجأ الوزارة إلى هذه النقابات إلا في بعض المسائل البروتوكولية، اللهم بعض الاستثناءات من قبيل اليوم الدراسي الذي نُظم بمدينة سلا شهر مارس 2023 على هامش النقاش المفتوح مع الأفراد والهيئات العاملة في الميدان الفني والمسرحي، وهنا أساءل مثل كثيرين، لماذا لم يستمر هذا النقاش المؤسساتي؟ ولماذا لم يتم الأخذ بالتوصيات التي رفعها المشاركون في هذا اليوم الدراسي؟
ـأظن أن أنه تم الإشارة إلى الأخذبالتوصيات في الفقرة الأولى من دفتر التحملات السابق لدعم المشاريع الثقافية، مع تغييبه في الدفتر الحالي، وهذا موضوع سنعود إليه لاحقا..لنعد إلى العمل النقابي.. كيف تصف علاقة نقابتكم مع باقي الإطارات التمثيلية، وهل هناك تنسيق بينكم في ما يتعلق بالقضايا الكبرى التي تهم قطاع الفني؟
+ علاقتنا النقابية في إطار التشبيك مع الهيئات المهنية المتعددة تتسم بالاحترام أولا، ثم نتقاسم وجهات النظر مع هذه الهيئات أحيانا، ونعبر عليها بصوت عالٍ،وبشكل مشترك في بيانات واحدة، لما فيه مصلحة الفنانين، كل ذلك لتوحيد الرؤى وتحقيق أهداف مشتركة حتى لا نجد أنفسنا في تجاذبات لا تخدم الحياة الثقافية والفنية في شيء.وهذه العلاقات في الغالب تتسم بالتكامل والتشاور وإغناء الحوار المؤسساتي ليس إلا، بدون أن ندخل في أشياء هامشية أخرى ممكن أن تحيد عن الدور الأساسي الذي تلعبه النقابات، والذي هوتحصين مكتسبات الشغيلة والترافع عن المطالب المهنية وتعزيز المكتسبات والتكوين والتأطير الفعلي للممارسين والمنتسبين وتعريفهم بالحقوق والواجبات التي يخولها لهم قانون المهن الفنية، وفي إطار تعزيز وتكريس دولة الحق والقانون كما جاء في العديد من خطابات جلالة الملك.
ـ فتحت وزارة الشباب والثقافة والتواصل قبل حوالي أسبوع باب الترشيح للاستفادة من دعم المشاريع الثقافية والفنية برسم 2024، كيف ترى كنقيب توقيت الإعلان عن هذا الدعم، في ظل تأخر صرف بعض الأشطر المتعلقة بموسم 2023؟
+ أظن أن الوقت غير مناسب أولا، لتنزيل دفتر تحملات مليء بالعديد من المساطير والبنود المركبة التي زادت من تعقيد حال العاملين في المجال الفني. ثانيا تعرف أن الفنانين المغاربة كباقي المواطنين يعانون من ارتفاع مؤشرات القدرة الشرائية ومحدودية وقلة فرص الشغل في مجال الشغل. ولعل نقابة المسرحيين المغاربة وشغيلة السينما والتلفزيون عبرت بشكل صريح وشفاف عن موقفها من هذا التسرع في إخراج دفاتر تحملات 2024 وهي أراء لا تعبر عن وجهة نظرنا كنقابة، بحكم إقصائنا من المشاورات في هذا الباب.وفي سياق متصل ما الجدوى من إخراج دفتر تحملات 2024 لا يراعي كل هذه الاعتبارات الاجتماعية والوضعية السوسيواقتصادية للفنانين والظرفية الاستثنائية التي تعيشها الشغيلة منذ ما يزيد عن 3 سنوات، بحيث تغيرت في دفتر التحملات بعض الأرقام والتواريخ بالطبع، كما تضخمت وتغيرت فيه بعض البنود والمواد القانونية التي تحتاج إلى نقاش مهني ومجتمعي حقيقي وهادئ قبل إخراجها إلى حيز الوجود، وقد عبرنا عن ذلك سلفا لتطوير الحياة الثقافية عموما وخدمة للشغيلة الفنية خصوصا، وهنا يمكننا أن نقنع القطاع الوصي على الثقافة والإدارة المركزية بالنظر في ماهية الأهداف والمساعي التي يمكن أن تحققها كل هذه المستجدات المتسرعة في دفتر التحملات الجديد لسنة 2024 إذا لم تتوخى تحقيق نهضة ثقافية شاملة والتنشيط الثقافي المستدام وتقديم الخدمات الفنية والثقافية في احترام تام لكل القوانين المؤطرة للمجالات الفنية.وفي هذا الباب، نكرر أننا لم نتوصل كنقابة مهنية بأي نقاش مهني في هذه المستجدات الطارئة، وهذا ما يُعاب على الإدارة التي تشتغل مع السيد وزير الثقافة، بحيث يتم تغيب الفاعلين بدون سبب!؟
ـ كيف وجدتم دفتر التحملات الذي ينظم عملية استفادة الفرق المسرحية من الدعم العمومي، علما أنه محط جدل واسع بين الفاعلين في مجال المسرح؟
+ بصراحة نعود لدفتر التحملات العجيب والغريب، حيث يُخضِع كل المجالات الفنية والإبداعية إلى نظام الشركات والمقاولات الاقتصادية، وهذا ما جعله يشوه مفهوم الدعم في السياسات العمومية، لأن الدعم العمومي في الأصل مبني على المنح والإعانات منذ ظهوره في أول صيغة مع حكومة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي في حكومة التناوب وحتى في صيغه المعدلة. وهنا يجب التذكير بأن دفتر التحملات هذاالمبني على مبدأ الدعم العمومي بالمنح والإعانات، قائم طبعا على قاعدة التنافسية،وجودة الإبداع ومواكبة المبدعين المغاربة وتشجيع المبادرات الصاعدة والتقسيم المجالي في إطار الثوابت والمرتكزات التي أعلن عنها صاحب الجلالة في النموذج التنموي الجديد، المبني على العدالة المجالية في كل المجالات،ومجالنا الفني جزء لا يتجزأ من هذه القضايا.
ـ لأول مرة ترد في دفاتر التحملات عبارة “تجنب خطاب الكراهية والعنف والتطرف” كشرط أساسي لقبول المشروع الفني.. ما رأيك؟
+ أظن أن ورود هذا الشرط في بنود دفتر التحملات يجب عدم إثارته لأنه غير وارد بالمرة وبالكل،وطرح مثل هذه القضايا تثير الكثير من اللغوالزائد، لأن الثوابت الوطنية والمقدسات الدينية ونبد خطاب الكراهية ثابت في جميع المناحيوالقوانين التي صادق عليها المغرب، ولا أحد يتحفظ على هذه المبادئ وبالتالي لا داعي لخلق هامش من التأويل الزائد بين المهنيين، هناك هامش من الحرية مقيد بضوابط وقوانين دولية،وطنية وقيم كونية لا يعلى عليها، وبالتالي يجب تجاوز هذا النقاش العقيم، بل النقاش الحقيقي هوملائمة هذه القوانين وتجويدها لصالح المجالات الفنية والشغيلة دائما، في إطار التنمية الثقافية والتنشيط الثقافي وهيكلة القطاع الفني والإبداعي عامة .
ـ كيف ترى وضع الفنان المغربي حاليا في ظل وجود قانون الفنان، وهل آن الأوان للاتفاق حول عقد نموذجي يحفظ حقوق الفنان المادية والاعتبارية؟
+ وضع الفنان المغربي يتسم بالغموض والارتباك في كثير من الأوجه، لأنه لا يعقل أن نطالب من الفنانين أداء واجبات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،ومسك الحسابات من طرف خبير محاسباتي في حين أن تكلفة ومبالغ الدعم هزيلة ولا ترقى لتغطية هذه المصاريف، ناهيك عن بعض القرارات التي تعتبر لغوفي لغو، وهي مسألة عدم الاعتراف بالتغطية الصحية للتعاضدية الوطنية للفنانين ابتداءً من الموسم المقبل، خاصة إذا كان هذا النظام التعاضدي مؤطر بمراسيم وقوانين واضحة. وبالتالي أتساءل، ماهي الأثار والفلسفة التي يمكن أن تأتي بها هاته القوانين التي تريد أن تستغني على هذا النظام وتبقي نظاما دون الآخر.. هنا يجب التذكير أن القطاع الوصي يفوت الفرصة على الفنانين المغاربة عموما للاستفادة من التحولات ومن أوراش الدولة الاجتماعية الكبرى، بل وتوريطهم في تغطية صحية غير مجدية،والوضعية هنا لا تستقيم إذا حصرنا الأمر في نظام التغطية التابع لصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فقط، والذي سيجر على هذه الفئات من الشغيلة العديد من المشاكل بحكم واقع الحال والشكاوي التي تتوصل بها النقابات من المنتسبين، دون أن ننسى أن مهنة الفن صنفتها منظمة العمل الدولية مهنة المخاطر، أي هامش المخاطرة فيها وارد بشكل كبير وهذا تحصيل حاصل، لأنه شعوب ودول العالم الثالث،أي الدول السائرة في طريق النمولم تراهن بعد وبشكل حقيقي على التنمية الثقافية والفنية،ولم تجعلها في صلب اهتمامات السياسات الثقافية عموما.
ـ وماذا عن العقد النموذجي؟
+ مسألة إصلاح آليات الدعم العمومي في السياسات الثقافية العمومية والعقد النموذجي نعتبرهما مدخلان أساسيان لإصلاح منظومتنا الفنية والإبداعية إلى جانب الإصلاح الذي عبرت عنه نقابة المسرحيين المغاربة وشغيلة السينما والتلفزيون غير ما من مرة،والذي هوخلق دليل المساطير باستشارة الفاعلين ووزارة المالية وخبراء الشغل،وإليه تؤول طرق الصرف والمنح والدعم العمومي،وبه تتم المحاسبة، كل هذه المداخل الرئيسية مهمة إلى جانب تنزيل قانون المهن الفنية إلى أرض الواقع، بالإضافة إلى مسألة يجب أن تناقش، وهي بالغة الأهمية،بل هي المدخل الحقيقي للإصلاح المجالات الفنية، وآن الأوان للحسم فيها وهي الوضعية المهنية للفنانين، على اعتبار أن الفنانين والمهن المرتبطة بالمجالات الإبداعية،(وحتى تتضح الصورة لخبراء وزارة الشغل والقطاع الوصي على الثقافة) هؤلاء كلهم يعتبرون أجراء يعملون بعقد شغل لحساب الغير، باستثناء الكتاب والرسامين ومهن اخرى محددة …. والأهم في هذا وذاك هوفتح قنوات الحوار والنقاش التنظيمي والمؤسساتي مع النقابات، وهنا افتح القوس، لما لا تصطحب وزارة الثقافة النقابات المهنية الفاعلة وتشركها في صناعة القرار؟وحتى لا تضيع المكتسبات، يجب ان تعي مديرية الفنون والأطر المركزية لوزارة الثقافة أن النقابات المهنية لها دور فاعل في القضايا التي تهم الثقافة والفن وعدم إشراكها تتحمل فيه الوزارة العواقب بمفردها .
ـ بعيدا عن البلاغات التي تصدرها نقابتكم من حين لآخر، ماهي المكتسبات التي حققتها نقابتكم دفاعا عن الفنان المشتغل في المسرح والسينما والتلفزيون؟
+ المكتسبات التي حققتها نقابة المسرحيين المغاربة وشغيلة السينما والتلفزيون، هي أنها نقابة مستقلة ساهمت وتساهم بشكل جريء وفاعل في التنبيه إلى كل الاختلالات التي تطفوعلينا بين الفينة والأخرى، وهي نقابة تقوم بالدور المنوط بها والمحدد في نظامها الأساسي وفي أهدافها،وهوالدفاع عن الشغيلة وتحصين المكتسبات وتعزيزها، عن طريق مكتبها الوطني الذي ساهم في العديد من اللقاءات الوطنية بمقترحات وبملفات مطلبية عادية وأحيانا اخرى مستعجلة، سواء ما تعلق منها باللقاءات الدراسية في البرلمان أوتعزيز المكتسبات، كما ساهمت النقابة بدورها في النقاش الدائر حول حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وأعطت مقترحات عملية وواقعية في هذا الباب، كما تساهم النقابة من خلال تمثيلتها النقابية في التعاضدية الوطنية للفنانين بأكثر من فاعل ثقافي، كما أن النقابة تساهم عن طريق فروعها الإقليمية والجهوية في الشرق والشمال والجنوب المغربيوفي محور الدار البيضاء والرباط، في التأطير ومواكبة المبدعين وتنظيم لقاءات تواصلية تروم تأهيل وتطوير المجالات الفنية والإبداعية والمساهمة في التنشيط الثقافي العام والخاص وتأهيل الفاعلين
ـ ماهي المطالب التي ترفعونها حاليا لتجويد عملية استفادة الفرق المسرحية من الدعم العمومي؟
+ هي مطالب كثيرة، وأولها أن نقابة المسرحيين المغاربة وشغيلة السينما والتلفزيون تطالب وزير الشباب والثقافة والتواصل بتأجيل العمل بهذه الصيغة الجديدة لدفتر التحملات، والعمل بالصيغة القديمة رغم عدم تجاوبها بشكل كلي مع مطالب الشغيلة ورغم علتها، مع ضرورة التعجيل بتنظيم لقاءات مع الهيئات المهنية والفاعلين وممثلي الفرق المسرحية لفتح نقاش مهني جاد لإيجاد حلول منصفة للجميع.
وفي الأخير وباختصار شديد ولكل غاية مفيدة نطرح أسئلة عبارة عن مفاتيح أولية وأسئلة جوهرية للنقاش :
ـ متى ستنتقل الوزارة الوصية عن القطاع من تدبير الدعم العمومي من دفتر التحملات إلى إنتاج دليل مساطير يخضع لقانون المالية في كل سنة ومصادق عليه من طرف مصالح وزارة المالية لدعم الفرق والجمعيات العاملة في المجال الثقافي والفني،وفي مقابل ذلك إنشاء مركز وطني لدعم الاحتراف تدريجيا قدوة ببعض التجارب الناجحة في دول أخرى؟
ـ متى ستؤمن الوزارة بأن فلسفة الدعم العمومي هي التنمية والتنشيط الثقافي وتقريب الخدمات الاجتماعية والثقافية والفنية للمواطنين عامة في كل الجهات والأقاليم والمدن والقرى البعيدة عن المركز؟
ـمتى ستقتنع الوزارة بأن النقابات شريك حقيقي لها وطرف حقيقي للرفع من مؤشرات التنمية الثقافية؟