دراسة بقلم سناء بيهاص
يكرس الباب الثالث من القانون الكنسي 1917، الملقب أيضا “بمدونة بندكتين”، القاعدة الأساسية للقانون الدولي: “pacta sunt servanta ” التي تعني أن “العقد شريعة المتعاقدين”، وهي القاعدة الراسخة منذ القرن 17 ميلادي والمنسوبة إلي فرنسيسكو سواريز (Francisco Sùarez) ،رجل القانون والفقه المتميز من مدرسة سلمنك (SALAMANQUE ) ، و التي كرستها و أكدت عليها مجددا معاهدة فيينا المتعلقة بالمعاهدات الدولية من خلال بندها 26.
إن قضية الصحراء المغربية، فضلا عن كونها قضية وطنية قبل أي اعتبار آخر، تطرح إشكاليات قانونية جسيمة يجب الانتباه لها والتحسيس بها و كذالك مناقشتها على صعيد المؤسسات الدولية المعنية، و من أبرز هده الإشكاليات:
– عدم امتثال اسبانيا لمعاهدة الاستقلال المبرمة مع المملكة المغربية الشريفة في 7 أبريل 1956 ، ودالك من خلال الامتناع عن الوفاء بالتزاماتها وكدلاك من خلال القيام بتصرفات منافية لالتزاماتها تلك من ضمنها اتخاد تصريحات منافية في إطار هيئات دولية كمنظمة الأمم المتحدة؛
– اتخاذ بعض الهيئات الدولية العالمية أو الجهوية لقرارات منافية لمعاهدة الاستقلال الثنائية بين المملكة المغربية الشريفة و اسبانيا .
و انطلاقا من طرح هذه الإشكاليات، نود طرح و مناقشة موضوع مخالفة معاهدة الاستقلال المغربية/ الإسبانية المنعقدة بتاريخ 7 ابريل 1956 من قبل مجلس الأمن الدولي و محكمة العدل للاتحاد الأوروبي تحديدا .
و بالرجوع الى قرار محكمة العدل للاتحاد الأوروبي الصادر في تاريخ 4 أكتوبر 2024بخصوص الملفين C-778/21 Pو C-798/21 P، تقدم المحكمة على التذكير أولا بأصول النزاع من خلال السياق القانوني الدولي المهيمن عليه، غير أن هذا التذكير تشوبه العديد من المعلومات الخاطئة ويخفي العديد من الحقائق ذات صلة بالنزاع والتي يلزم الوقوف عندها وإيضاحها كخطوة أولية.
تدقيق للسياق القانوني الدولي
بعد فترة وجيزة من تأسيسها بتاريخ 14دجنبر1946، صادقت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة على القرار رقم 67الذي يحث الدول “المسيطرة” على “أراضي غير مستقلة”، على المبادرة بالتواصل والاجتماع مع ممثلي “الشعوب” غير المستقلة من أجل أن تعبر تلك الشعوب عن شعورها و مطامحها.
وعلى إثر هذا المنهج المستجد انعقدت اتفاقية الاستقلال بين المملكة المغربية الشريفة و فرنسا بتاريخ 2 مارس 1956 من أجل إنهاء اتفاقية فاس المبرمة سنة 1912 بخصوص منطقة الحماية الفرنسية، و انعقدت ك بين المملكة المغربية الشريفة و فرنسا الك كذلك اتفاقية تحرير الصحراء المغربية بين المملكة المغربية الشريفة و اسبانيا بتاريخ 7 أبريل 1956 بخصوص إنهاء اتفاقية مدريد المؤرخة بتاريخ 27 نوفمبر 1912 المتعلقة بتحديد منطقة النفوذ الإسبانية على الأراضي المغربية. و في إطار هذا التطور الجوهري للقانون الدولي، تمكنت المملكة المغربية الشريفة من الانضمام لمنظمة الأمم المتحدة بتاريخ 12 نوفمبر 1956، لكونها دولة استقلت حديثا.
غير أن إسبانيا امتنعت عن تطبيق التزاماتها الدولية اتجاه المغرب المضمنة في معاهدة التحرير ل 7 أبريل 1956، و تحديدا:
أـ إبطال فعالية الآثار القانونية للمعاهدة الإسبانية /الفرنسية بتاريخ 27 نوفمبر 1912 في سياق العلاقات المغربيةـ الإسبانية ؛ كما جاء في نص البند الأول من هذه المعاهدة؛
ب ـ الالتزام بالوحدة الترابية للمملكة المغربية الشريفة، بالإشارة لمضمون المعاهدة الإسبانية/الفرنسية بتاريخ 27 نوفمبر 1912، والتي حددت بدقة المنطقة الجغرافية للنفوذ الإسباني كونها تشمل الصحراء المغربية، والعمل على اتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل تفعيل الوحدة الترابية المغربية؛ كما جاء في نص البند الثاني من المعاهدة نفسها ؛
ت ـ نقل السلطات التي تمارسها إسبانيا وفق معاهدة 27 نوفمبر 1912 إلى المغرب.
و بعد 7 سنوات من إبرام اتفاقية تحرير الصحراء المغربية، أصدرت الجمعية العامة الأمم المتحدة في جلستها 18 التقرير المضاف rev 1 5446A المنسوب لسنة 1963، الذي لم يصوت أو يصادق عليه من قبل الدول الأعضاء، و دون تحديد اليوم و الشهر لصدوره (….)، و هو التقرير الذي يحتوي على تصريح انفرادي لإسبانيا جاء فيه أن “إفني” و”الصحراء الغربية” تمثلان “أراضي غير مستقلة تخضع لسيطرتها”، مما يجعله يجسد خرقا من طرف إسبانيا لالتزاماتها وواجباتها القانونية الدولية اتجاه المملكة المغربية الشريفة وفقا لمعاهدة التحرير المبرمة بخصوص إلغاء آثار المعاهدة الإسبانية /الفرنسية بتاريخ 27 نوفمبر 1912 تجاه المغرب و إرجاع سيادة المغرب على تلك الأراضي الصحراوية المحتلة من قبا إسبانيا مما يمثل انتهاكا واضحا للمقتضيات الدولية الآتية :
أولا: مقتضيات الفقرة الثالثة من مقدمة ميثاق الأمم المتحدة، حيث تتعهد الأمم المتحدة بأن تحث على الوفاء بالواجبات المترتبة على المعاهدات الدولية.
غير أنه بالرغم من التحاق إسبانيا بمنظمة الأمم المتحدة بتاريخ 14/12/1955 ، فلقد امتنعت هذه الأخيرة عن تنفيذ واجباتها الدولية اتجاه المغرب وفق معاهدة تحرير الصحراء المبرمة بين الطرفين.
ثانيا: مقتضيات الفقرتين الأولى و الثانية من البند الأول لميثاق الأمم المتحدة.
وتهدف الأمم المتحدة حسب هذه المقتضيات إلى حل النزاعات الدولية احتراما لمبادئ العدالة و القانون الدولي، من جهة اولى، و إلى أن ترتكز العلاقات الدولية على مبدأ المساواة بين الشعوب بصدد حق الاستقلال، من جهة ثانية.
غير أن قرار مجلس الأمن رقم 690 بتاريخ 29 ابريل 1991 قد خرق هذه المبادئ، حيث الفقرة الرابعة تقرر تشكيل بعثة مكونة من أطراف خارجة عن النزاع بهدف إقامة استفتاء على أرض المملكة المغربية الشريفة، و هو بدالك يخالف القانون الدولي الذي يرتكز على الامتثال للمعاهدات الدولية، كما أنه يتجاهل بوقاحة حق الشعب المغربي في الاستقلال.
فبالرجوع لمعاهدة التحرير بين المغرب و اسبانيا، لقد تنازلت إسبانية عن احتلال و السيطرة على الصحراء المغربية لفائدة المملكة المغربية الشريفة، وبالتالي فإن النزاع بين المغرب و إسبانيا الناتج عن امتناع اسبانيا من الوفاء بواجباتها التعاقدية الدولية كان يجب حله وفق مبادئ العدالة و القانون الدولي، و ذلك عبر الزام إسبانيا بالوفاء بواجباتها وفق معاهدة 7 أبريل 1956.
كما أن حق شعب المملكة المغربية الشريفة في الاستقلال من الاحتلال الإسباني يوجب على إسبانيا و على جميع الدول و المنظمات الدولية والجهوية الامتناع عن اتخاذ أي قرار أو حكم أو القيام بأي عمل قد يتضارب مع تمتع و انتفاع المملكة المغربية الشريفة بكامل سيادتها الترابية والقانونية والإدارية والدفاعية والعسكرية في الصحراء المغربية.
وبالتالي فإن القرار رقم 690 المذكور أعلاه، و كل ما ينسب إليه أو يترتب عنه، غير مشروع ويتضارب مع مبادئ العدالة والقانون الدولي و ذالك نظرا لضرورة ارتكاز العلاقات الدولية على مبدأ المساواة بين الشعوب بشأن حق الاستقلال مع احترام السياق التاريخي والسياسي السائد آنذاك، أي تحت ظرفية الاستقلال المغربي سنة 1956 وعلى إثر إبرام معاهدة تحرير الصحراء المغربية حيث أن وقتئذ لم يكن هنالك أدنى وجود أو حتى مجرد فكرة وجود سواء لجبهة البوليساريو أم للدولة الجزائرية ذاتها.
و بما أن جبهة البوليساريو تأسست بعد مرور سنوات عديدة من صدور التقرير المضافrev 1 5446A للجلسة 18 لجمعية الأمم المتحدة، وتحديدا بتاريخ 29 ابريل 1973، فكيف لها أن تستفيد من المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة بالتضارب مع الحق الشرعي الثابت و الشرعي السابق للمغرب؟
فبالرغم من أن الصحراء المغربية كانت لا تزال تحت سيطرة و استغلال القوة الإسبانية المستعمرة في سنة 1963 فهذا لا يعني أن الصحراء المغربية لم تكن أرض مستقلة وفق التعريف القانوني و ذالك لكون سيطرة إسبانية على الصحراء المغربية آنذاك كانت ناتجة عن انتهاك اسبانيا للقانون الدولي و للسيادة القانونية للمغرب علي صحراءه وفق معاهدة التحرير المبرمة بين الطرفين الإسباني و المغربي.
و من جهة أخرى لا يمكن لمجموعة أفراد لم تكن موجودة لا سنة 1945 حين أسست المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة و لا سنة 1963 حين صرحت إسبانيا أن الصحراء المغربية “أرض غير مستقلة” أن تكتسب، بعد تأسيسها سنة 1973، آثارا قانونية رجعية للمادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة و ذالك لأن المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة تقتضي أن يستفيد منها الأطراف التي كانت بالفعل متواجدة قبل سنة 1945، حين اعترفت الأمم المتحدة بحق الشعوب المستعمرة في تحديد مصيرها، و هي الأطراف التي طالبت فعليا بحقها في الاستقلال من مستعمريها فيما بين سنة 1945 و سنة 1963 حيث صرحت اسبانيا، بصفتها دولة مستعمرة للمغرب، بتصريحها طبقا للمادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة.
من المهم جدا الأخذ بعين الاعتبار أن هناك مجال زمني و تاريخي محدود لتطبيق المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة بخصوص أي أراضي تخضع لسيطرة استعمارية من طرف خارجي و أنه إن لم يتم احترام هذا المبدأ الزمني، فهذا قد يؤدي لفوضى انفصالية في جميع أنحاء العالم من قبل مجموعات قد يتم إنشاءها مستقبلا.
كما إنه من البديهي أن هنالك أسبقية قانونية لمعاهدة 7 أبريل 1956 لفائدة المغرب لا يمكن إلغاؤها، سواء من قبل إسبانيا في إطار تصريحاتها ضمن المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة في الحقبة التاريخية التابعة لمعاهدة 7 أبريل 1956 ، أم سواها؛ كما لا يمكن لأية هيئة من هيئات الأمم المتحدة تجاهل هذه الأسبقية القانونية عند اتخاذ أي قرار بخصوص الصحراء المغربية؛ و كما يحق للمغرب أن يطالب بإلغاء جميع القرارات التي اتخذت بشكل ينتهك حقوقه المضمونة في معاهدة 7 أبريل 1956 .
ثم أنه من منطلق قانوني محض، فإن المبني على الباطل فهو باطل. و بما أن قرار مجلس الأمن رقم 690 مبني بحد ذاته على التقرير المضافrev 1 5446A للجلسة 18 لجمعية الأمم المتحدة ، فهو بالتالي باطل، لان هذا التقرير لا يتسم بأي صفة من صفات الشرعية الدولية، فلا هو معاهدة دولية و لا هو قرار مصوت عليه من قبل المجلس العام و لا حتى مجلس الأمن، و هو مجرد تصريح انفرادي لإسبانيا جاء متنافيا و ناكثا للواجبات القانونية و الفعالة التي اتخذتها اسبانيا تجاه المغرب بمقتضى معاهدة تحرير الصحراء المغربية 7أبريل .1956
ثالثا: مقتضيات الفقرة الأولى من القرار1541 لجمعية الأمم المتحدة A/RES/1514 XV بتاريخ 14 دجنبر 1960، حيث أعلنت الأمم المتحدة، حسب المقتضيات المذكورة، أن “إخضاع الأمم للسيطرة و الاستعمار و الاستغلال الخارجي يمثل نفيا للحقوق الأساسية للإنسان و تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة”.
وبالتالي، فإن امتناع اسبانيا عن تطبيق معاهدة الاستقلال المغربية بإرجاعها الصحراء للمغرب طيلة الفترة الزمنية ما بين 7 ابريل 1956 و 1963، و ما بعدها، يمثل استعمارا و استغلالا خارجيا و نفيا للحقوق الأساسية للإنسان و لميثاق الأمم المتحدة، حيث لا يجوز للأمم المتحدة، ولا لأية هيئة أو محكمة دولية تدعيان احترام القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة الاستناد إلى التقرير المضاف rev 1 5446A من أجل اعتبار الصحراء المغربية “كأراضي غير مستقلة”.
رابعا: مقتضيات المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة.
إن معاهدة تحرير الصحراء المغربية بتاريخ 7 أبريل 1956أبرمت بين المغرب و اسبانيا تحديدا بعد إجراء حوارات بين القوة المستعمرة الإسبانية و ممثلي الشعب المغربي، و هو ما أدى إلى توثيق استقلال المغرب في وحدته الترابية غربا و شمالا و جنوبا، و بالتالي كان يجب على اسبانيا أن تصرح للأمم المتحدة بأنها أتمت تحرير الأراضي التي احتلتها في الصحراء الجنوبية وفق معاهدات استعمارية سابقة مبرمة مع فرنسا ، أي معاهدة باريس بتاريخ 3 أكتوبر 1904و معاهدة مدريد بتاريخ 27 نوفمبر 1912.
و بما أن معاهدات الاستقلال المغربية لسنة 1956 قامت بإلغاء معاهدات الاستعمار السابقة، فما عاد يحق لإسبانيا أن تمثل أمام الأمم المتحدة سنة 1963 كدولة تتمتع بالنفوذ على الصحراء المغربية، و ما كان للأمم المتحدة أن تتجاهل معاهدات الاستقلال المغربية لسنة 1956، التي أرجعت سيادة المغرب على صحرائه، و بالتالي لا يصح اعتبار الصحراء المغربية كأراضي غير مستقلة، بل هي أراضي مستقلة مند 1956!
وبخلاصة فأن الموقف الذي اتخذته إسبانيا من خلال تصريحها سنة 1963، يطرح المسائلات القانونية الآتية :
1 ـ ألا تحترم الأمم المتحدة و اسبانيا حكم pacta sunt servanta في إطار معاهدة الاستقلال المغربية الإسبانية لسنة 1956، و هو الحكم الذي أكدته الفقرة الأولى من البند الأول لميثاق الأمم المتحدة من جهة و كذلك معاهدة فيينا المتعلقة بالمعاهدات الدولية في بندها 26 كقاعدة جوهرية تؤسس عليها العلاقات الدولية أجمع؟
- ـ هل كان من الشرعي لإسبانيا أن تستمر في احتلال أراضي الصحراء المغربية التي تنازلت عن استعمارها لفائدة المغرب وفق معاهدة التحرير لسنة 1956 طيلة 7 سنوات رغم كون اسبانيا انضمت للأمم المتحدة في 14 دجنبر1955 و المغرب انضم لها في 12 نوفمبر 1956؟
- ـ وبالتالي، هل كان من الشرعي لإسبانيا التي خرقت جميع التزاماتها و بنود معاهدة الاستقلال أن تدلي بتصريح انفرادي أمام هيئة الأمم المتحدة أساسا و بأي صفة شرعية ما دامت قد تنازلت عن احتلال الصحراء المغربية لفائدة المغرب؟
- ـ ما شرعية التصريح الانفرادي لإسبانية حينما هذه الأخيرة استمرت في خرق معاهدة الاستقلال المبرمة مع المغرب و ذالك من منظور القانون الدولي و المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة بالأخص؟
- ـ هل يجوز شرعا إلغاء معاهدة استقلال ثنائية بموجب تصريح انفرادي للطرف المستعمر؟
الجواب لا يسعه أن يكون الا لا ثم لا ثم لا ….بدون شك!
كان يجب على الأمم المتحدة سنة 1963 أن تمتثل أولا لبند تأسيسها الأول الذي يحث على أخد التدابير الجماعية من أجل اجتناب أي عمل عنف و نكث للأمن الدولي وفقا للعدالة و القانون الدولي، وذلك من خلال طرح عدم صلاحية و شرعية التصريح الإسباني، لكونه جاء مخالفا لهده المبادئ و للشرعية الدولية. فكما تم ذكره و تبريره أعلاه، يتسم هذا التقرير المنسوب لسنة 1963 بسوء النية في التعاقد و التدليس، ولا يترتب عليه أدنى مفعول قانوني وفقا لمقتضيات معاهدة فيينا لتقنين أحكام المعاهدات الدولية. فالتدليس هو أن يقوم شخص ما بالتصرف كصاحب حق ما و دالك بالتعارض مع الحقوق و الواجبات القانونية التي يعلمها جيدا و هو التصرف نفسه الذي قامت به اسبانيا منذ 1956 و في 1963 و فيما بعد.
وبالتالي، وحرصا من المغرب على تفعيل آثار معاهدة الاستقلال المغربية الإسبانية المؤرخة في 7 ابريل 1956على أرض الواقع، كانت المسيرة الخضراء في 6 نوفمبر 1975 لاستكمال الوحدة الترابية المغربية بعد إنهاء الاستعمار.
غير أنه في 29 ابريل 1991، اتخذ مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة القرار 290 بإنشاء هيئة مينورسو و تكليفها بتنظيم استفتاء من أجل تقرير مصير الصحراء!!!.
آثار عدم شرعية التقرير 5446 REV 1 Aعلى القرارات و الأحكام الدولية المبنية عليه
نظرا لسياق الشرعية الدولية المفصل أعلاه، نستخلص الملاحظات العامة الآتية:
أولا، طبقا لأحكام معاهدة فيينا الخاصة بالمعاهدات الدولية، فإن التقرير المضاف الذي أدرج الصحراء المغربية ضمن لائحة “الأراضي غير المستقلة” لا يتسم بصفة المعاهدة الدولية ، و بالتالي فهو سند غير قانوني؛
ثانيا، إن اتفاقية 7 ابريل 1956 المنعقدة بين المملكة المغربية الشريفة و إسبانيا والتي قامت بإلغاء اتفاقية مدريد المؤرخة ب 27 نوفمبر 1912 الخاصة بمنطقة النفوذ الإسبانية لا زالت قائمة و فعالة قانونيا، و ذلك لكون التصريح الانفرادي لإسبانيا المنسوب لسنة 1963 لا يصح له أن يلغي اتفاقية ثنائية بينما الطرف الآخر لا يزال متشبثا بها و ما دام لا يوجد أي اتفاق بين المملكة المغربية الشريفة و إسبانيا بصدد إلغاء اتفاقية الاستقلال المؤرخة في 7 ابريل 1956 ؛
ثالثا و أخيرا، لا يجوز و لا يصح الاستناد إلى مجرد تصريح انفرادي لتوظيفه كحجة أو أساس لأي قرار أو حكم دولي متعلق بقضية الصحراء المغربية، وذلك، أولا، لكونه غير معترف به كمنبع للقانون الدولي و الالتزامات الدولية، وثانيا، لكونه يمثل خرقا لمعاهدة دولية ثنائية.
مناقشة المرجعية القانونية لقرار المحكمة الأوروبية
و بالرجوع إلى قرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في القضايا C 778/21P و C 798/21 P،تشير الفقرة 20 من هذا القرار إلى أن سنة 1963، “قامت منظمة الأمم المتحدة بإدراج الصحراء المغربية ضمن لائحة الأراضي الغير مستقلة” ثم تشير هده الفقرة الى القرار1541 لجمعية الأمم المتحدة A/RES/1514 XV ضمن محاولتها اليائسة من أجل ربط تقرير منعدم المفعول القانوني بقرار الجمعية العامة غير أن القرار 1541 لا يحتوي هو الآخر على أدنى إشارة للصحراء المغربية و لا على جدول أو لائحة “للأراضي الغير مستقلة”.
بل إن البحث و التحري في مكتبة الأمم المتحدة الإلكترونية يبين أن الوثيقة الوحيدة التي أدرجت الصحراء المغربية ضمن الأراضي الغير مستقلة هي التقرير المذكور أعلاه ليس إلا.
كما أنه وبالرجوع إلى البحث في محضر الجلسة السادسة و الأربعين لجمعية الأمم المتحدة بتاريخ 14/12/1946 على الساعة الثانية و النصف، المتواجد في المكتبة الإلكترونية للأمم المتحدة على العنوان الآتي 1(ere session 1946-1947) – Assemblée générale – Raccourcis – Research Guides at United Nations Dag Hammarskjöld Library)، يتبين أن القراراتA RES/66(I) و A RES/67 (I) الناتجة عن هذه الجلسة لم تصدر أية لائحة “لأراضي غير المستقلة”.
و بالتالي و خلافا للفقرة 20 من الحكم الأوروبي، فإنه لا يوجد أي قرار للأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة و لا حتى من قبل مجلس الأمن يفيد بأن الصحراء المغربية هي أرض غير مستقلة.
أما الفقرة 21 من هذا الحكم فهي ترتكز على القرار( résolution 2229 (XXI) ) لجمعية الأمم المتحدة، الذي جاء في بنده الأول أن قوم افني و الصحراء لهم الحق في تقرير المصير و فق القرار 1514 للجمعية العامة و في بنده الرابع أن إسبانيا يجب أن تقوم و تبادر، بعد مشاورة المغرب و موريتانيا و القاطنين بالصحراء، بتحديد كيفية إجراء استفتاء من أجل أن يتسنى للقاطنين في الصحراء تقرير مصيرهم.
بخصوص البند الأول من هذا القرار2229، فهو يقتصر على الاعتراف بعدم شرعية اسبانيا في التحكم و استغلال الصحراء المغربية و بالإشارة إلى حق قوم افني و الصحراء في تقرير مصيرهم مما يجعله مجرد دلالة على استمرار الاستعمار الإسباني في المنطقة رغم استقلال المغرب في 1956.
غير أن هذا القرار امتنع عن ذكر معاهدة الاستقلال المبرمة بين المغرب و اسبانيا في 1956 و التي تدل على أن قوم افني و الصحراء ما هو إلا القوم المغربي الحر و المستقل و أن الوجود الإسباني في المنطقة لم يكن إلا خرقا لحق المغرب في تقرير مصيره من خلال إرجاع اسبانيا للمغرب لحقه في إدارة أراضيه دون تدخل أي طرف خارجي.
و أخيرا و كما ذكرنا سابقا، فإن المبني على خطأ فهو خطأ أكبر؛ أي أن القول بكون افني و الصحراء المغربية ليستا بأراضي غير مستقلة و ذلك بالرجوع إلى التقرير 5446 المضاف REV 1A، هو الخطأ بعينه و ذالك لكون هذا التقرير باطل في حد ذاته، وبالتالي لا يجوز اعتبار أن سكان افني و الصحراء شعبا غير مستقل و لا ينتمي إلى المغرب، الذي حاز على استقلاله الشامل غربا و جنوبا في سنة 1956، و من الافتراء و التدليس المعيبين اعتبار أن ساكنة دولة مستقلة تمثل شعبا يقطن أراضي غير مستقلة !!
أما بخصوص البند الرابع لذلك القرار فمن البديهي أنه لا مفعول قانوني له دون أن يبرهن أن المغرب و اسبانيا و موريتانيا قد اتفقوا على إلغاء معاهدة الاستقلال لسنة 1956 ثم اتفقوا على إجراء استفتاء، و هو ما ينفيه التاريخ نفيا تاما اعتبارا لأن إسبانيا نفسها، وهي الطرف المعني الأول في هذا البند، قد أبرمت اتفاقية مدريد بتاريخ 14 نوفمبر 1975 مع المغرب و موريتانيا، وأنهت احتلالها للصحراء بشكل فعلي و كون موريتانيا انسحبت بدورها سنة 1979.
و بما أن المحكمة الأوروبية تعترف في الفقرة 23 أن البوليساريو تم تأسيسه في 10 ماي 1973، فبالتالي كيف لهذا الطرف المدعي في النزاع أمام محكمة العدل الأوروبية أن يستند على التقرير 5446 المضاف REV 1A بتاريخ 1963 أو على القرار 2229 (XXI) بتاريخ 20 دجنبر 1966، أو خلافا لمعاهدة الاستقلال ليوم 7 أبريل 1956، ولمعاهدة إنهاء الوجود الإداري لإسبانيا بتاريخ 14 نوفمبر 1975، بينما هو نفسها لم يؤسس إلا سنة 1973، مما يعني أنه لم يكن معنيا بتاتا بتلك القرارات و لا موجودا عند اتخاذها!!
إنه فعلا عبث وهراء، لأنه من خلال الأحكام الأساسية للقانون الدولي، و على غرار القانون الوطني، لا يجوز أن تنشئ القرارات و الأحكام حقا أو واجبا اتجاه شخص أو مجموعة إلا إذا كان الشخص أو المجموعة موجودين بالفعل و يلبيان جميع الشروط الواجبة من أجل الانتفاع من هذه الحقوق و الامتثال لهذه الواجبات و أن القوانين الداخلية هي وحدها التي يمكنها التشريع عامة من أجل أشخاص مستقبلية، و بالتالي لا يجوز للبوليساريو أن ينتفع بشكل رجعي بحق ما تم إنشاؤه على حد ذكر المحكمة الأوروبية 15 سنة قبل تواجده!
خرق الفقرة الرابعة من المادة 263 من معاهدة الإتحاد الأوروبي
تنص الفقرة الرابعة من المادة 263 من معاهدة الإتحاد الأوروبي على أنه يحق لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يطعن في قرارات المجلس الأوروبي، إذا كان هدا القرار موجها إليه أو يعنيه شخصيا و فرديا. و دلالة هذا الشرط هي الإشارة إلى القرارات التي تتعلق بحق أو واجب قانوني و شرعي لشخص مسمى في ذلك القرار أو القرارات التي تنشئ حقا أو واجبا بشكل مباشر يعني ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي بالتحديد، و هو الشرط الذي يتنافى تماما مع قرار المجلس الأوروبي الذي تنحصر قوته القانونية على الأشخاص القانونيين الأوروبيين المعنيين أي: المجلس الأوروبي و المفوضية الأوروبية.
كما أن المادة 263 لا تخول للمحكمة الأوروبية أن تحكم بشأن معاهدة دولية مبرمة بين أشخاص معنويين خاضعين للقانون الدولي، و إلا فإنها تنتهك الشرعية الدولية و السيادة الدولية!!
و بالفعل إن القرار رقم 764/2006 للمجلس الأوروبي، و هو موضوع النزاع أمام المحكمة الأوروبية، ليس موجها لأي طرف طبيعي أو معنوي بشكل مباشر، بل يقتصر، في بنده الأول وفي فقرته الأولى، على أن يوافق على معاهدة دولية مبرمة في ما بين طرفين آخرين يتمتعان بالشخصية و السيادة الدولية، وبالتالي لا يسري مفعول البند 263 من معاهدة الإتحاد الأوروبي على أي شخص معنوي كان أم طبيعي ، و عليه فان الفصل 263 غير قابل للتطبيق.
و افتراضا، إن اعتبرنا أن هذا القرار ، بشكل غير مباشر و من خلال المعاهدة الثنائية للصيد البحري نفسها، يخص طرفا آخر معنويا كان أم طبيعيا، فمن أين للمحكمة الدولية أن تعتبر البوليساريو الممثل المنتخب لما أسماه القرار 229 (XXI) قوم افني و الصحراء ؟ و هل من وثيقة تستند إليها المحكمة الأوروبية لكي تعتبر المدعي في هدا النزاع يعتبر شرعا و قانونا و ووفق قرارات الأمم المتحدة الممثل المنتخب عن الشعب المشار إليه في هذه القرارات؟
كلا و ألف كلا!! لا يحق للمحكمة الدولية أن تقرر بصدد التمثيلية القانونية للشعوب، فهذه صلاحية محتكرة للسيادة الدولية وفق القانون الدولي و ليس القانون الأوروبي.
لا يوجد أي سند، أيا كان نوعه، يدل على أن المدعي يمثل الشعب المشار إليه في القرار 229 (XXI) ، و على ما يبدو أن المحكمة الأوروبية تجاوزت صلاحياتها المنحصرة في القانون الأوروبي من أجل اتخاذ قرارات دولية باسم الأمم المتحدة. و هو ما يدعو إلى القلق و الاعتراض بحزم و قوة.
ختاما، لا يسعني القول إلا أن أحكام المحكمة الأوروبية إن استطاعت إلغاء قرار المجلس الأوروبي، فهي لا تتمتع بالصلاحية من أجل إلغاء معاهدة دولية ما لم يتفق أطرافها على إلغائها، و ذلك احتراما لمبدأ pacta sunt servanta !