ليلى خزيمة
بعد إنهاء دراستها الثانوية والظفر بشهادة الباكلوريا، سافرت مريم الطاهري إلى كندا لاستكمال مسارها الدراسي. فحصلت على شهادات عليا في التجارة الدولية من جامعة ماػيلبموريال. عملت لفترة في مجال تخصصها، لكن سرعان ما اكتشفت أن ما درسته لا يستهويها بالشكل الذي تتمناه. فتذكرت أنها منذ الصغر وهي تعشق دخول المطبخ وتطبيق وصفات الكتب. فقررت أن تغير مسارها المهني وتوجهت لدراسة فن الطبخ بأكاديمية “لوكوردون بلو” بكندا.
جابت العديد من الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية. وفي مسيرة بحثها عن التميز، وصلت إلى استراليا لصقل مهاراتها والنهل من مختلف الثقافات، قبل أن تعقد العزم على العودة إلى المغرب لتبدع وتفيد بعلمها وتجربتها أهل بلدها. في هذه الدردشة القصيرة، فتحت الشاف مريم الطاهري قلبها لقراء جريدة المنعطف، للتعرف عليها أكثر وعن يومياتها الرمضانية.
تحدثوا لنا عن أول مرة فكرتم في امتهان فن الطبخ؟
منذ صغري وأنا أعشق الطبخ والتجول داخل مطبخ بيتنا رغم تحذيرات والدَيْ من أخطار المطبخ. وقد تعرضت في صغري لحادث في المطبخ وحُرقت رجلي لكن تعافيت ولله الحمد ولم يبق أي أثر للحادث. كانت والدتي تقرأ دائما مجلات الطبخ وتقوم بتقطيع الوصفات. وأنا بالرغم من صغر سني وعدم تمكني من القراءة، كنت أطلب من إخوتي أن يشرحوا لي كي أتمكن من أخذ بعض المال وأذهب إلى السوق المركزي وأشتري ما يلزم. فعشق فن الطبخ بدأ عندي في سن الخامسة ولازمني إلى يومنا هذا.
ما الذي يوحي لكم به رمضان سواء على المستوى الشخصي أو العملي؟
أول ما يمكن أن أقول هو أنهما عالمان مختلفان تماما. بالنسبة للعمل، فهو شهر راحة واستجمام لأنني لا أعمل كثيرا في رمضان مثل العديد من المختصين، ما عدا المطاعم التي لها إطلالة مميزة وتستثمر هذه الإطلالة في الشهر الكريم. في المقابل، على المستوى الشخصي، تتكاثر الأعباء والمسؤوليات.
كيف كان شكل رمضان عند الشاف مريم طاهري في الصغر؟
أتذكر أنني عندما كنت صغيرة، لم يمر يوم وأن اجتمع على وجبة الإفطار أفراد الأسرة الصغيرة فقط، بل كان النظام الجاري به العمل هو إما مدعوون للإفطار عند أحدهم أو نستقبل الضيوف في البيت ونقيم وجبة إفطار على مستوى موسع مع أقربائنا وأصدقائنا. كان جوا عائليا جميلا، يجتمع فيه كل أفراد العائلة الكبيرة. كنا نصل الرحم ونتقاسم الحكايات والانشغالات والأفراح. أعشق شهر رمضان منذ الصغر لأنه في الأيام العادية، كان هنالك نظام معين لساعات الدراسة واللعب والنوم. فمثلا، لم يكن ممكننالأي منا أنا وإخوتي أن نبقى مستيقظين إلى ما بعد الساعة الثامنة ليلا. لكن في شهر رمضان، تكسر القاعدة وضمنيا ودون أي بلاغ رسمي من أبي، يسمح لنا بالسهر مع الكبار إلى ساعة شيئا ما متأخرة واللعب وتجاذب أطراف الحديث. كانت أجواء رائعة للغاية.
هل تعيشون أجواء رمضان بنفس الطريقة كما في السابق؟
صراحة، اليوم لا نرى نفس الأجواء كما في السابق. صحيح أن الأسبوع الأول من رمضان تكون فيه بعض الزيارات للعائلة وبين الأصدقاء للتهنئة بالشهر الفضيل وصلة الرحم، لكن بعدها ينشغل كل في مسؤولياته وعمله. كما أصبحت لدينا ثقافة جديدة هي ثقافة الإفطار خارج المنزل. عندما كنا صغارا لم تكن الفكرة واردة. هي عادات جديدة أصبحت مألوفة في مجتمعنا.
ما هي ملاحظاتكم حول العادات الرمضانية عند المغاربة؟
أصبحنا نلاحظ فرقا كبيرا في العادات الرمضانية عند المغاربة خصوصا في المدن الكبرى. فكما قلت سابقا، هناك العديد من المغاربة من يفضلون الاستمتاع بوقت الإفطار مع العائلة لكن خارج البيت في المطاعم أو الفنادق التي تجهز فضاءات خاصة لمثل هذه المناسبات والتجمعات. فالموائد والوجبات التي تقترحها هذه المطاعم والفنادق جد رائعة إن لم تكن خيالية. حتى في المنزل، أدخلت العديد من العادات الغذائية العالمية على مائدة الإفطار المغربية. ففي بعض المرات التي كنت مدعوة فيها على مائدة إفطار، من بين الأطعمة التي كانت على المائدة، هناك وجبة السوشي. عندما كنا صغارا لم يكن هذا ضمن لائحة المأكولات في رمضان. كما أصبحنا نجد المطبخ اللبناني ضمن القائمة. كذلك عندما كنا صغارا، كان هنالك نوع من التفيئة، فكنا نتناول وجبة الإفطار، نصلي، نشرب الشاي والقهوة ونسهر جزءا كبيرا من الليل إلى أن يصل وقت السحور. اليوم، اختصر الوقت في الإفطار والقهوة ومباشرة نتناول وجبة العشاء. بعد الصلاة، الجميع يذهب لمشاغله والأطفال ينامون. ووجبة السحور تتلخص في بعض الجبن أو شيء خفيف من مشتقات الحليب. وهذا راجع إلى المتغيرات السوسيو اقتصادية التي أصبحنا نعيش فيها.
في ظل هذه المتغيرات، ما هي أنواع الاطباق التي تستهلك بشكل كبير في شهر رمضان؟
عموما هنالك العديد من الأطباق والمأكولات، لكن بطبيعة الحال، أول الأطباق التي تستهلك بشكل كبير هي التي تحتوي على نسبة عالية من السكريات. كما تلاحظون، فمحلات الحلويات تعرف انتعاشا كبيرا في هذا الشهر. شيء طبيعي فالكل يشتهي وجبة غنية بالسكر ليعوض الطاقة التي فقدها خلال يوم كامل من الصيام ولو لم يكن من عشاق السكريات. ثانيا هناك استهلاك أكثر للفواكه لأن الجميع يعشق شرب العصائر الطازجة. وبالتالي فالميزانية التي تصرف في رمضان تكون أعلى بكثير من الأيام العادية، كل حسب قدرته الشرائية. نحب نحن المغاربة تدليل أنفسنا وعائلاتنا والانفاق على من نحب من الأهل والأصحاب في جلسة نستعيد بها الذكريات ونصل بها الرحم.
من خلال تجربتكم، ما الذي تنصحون به المغاربة ليقدوا يومهم بشكل جيد خلال الشهر الفضيل؟
بالنسبة لشهر رمضان، يجب أن ننتبه لكمية الأطعمة التي نستهلك. ندلل أنفسنا دون الإسراف في أي شيء. نأكل ما لذ وطاب لنا من سكريات وعجائن وغيرها، لكن دون إسراف حتى لا نؤذي صحتنا. فالعديد من المغاربة يتناولون الحلويات والعجائن من الدقيق الأبيض بشكل مفرط مما يؤدي إلى الغثيان والدوار وقلة النشاط وهبوط في مستوى الكليكوز خلال يوم الصيام. نفكر في أكل العجائن من القمح الصلب. يجب كذلك ألا ننسى أكل الخضراوات التي تحتوي على الألياف المساعدة في عملية الهضم، خصوصا عند وجبة السحور. وأن نشرب الماء بشكل كبير ولا نكتفي بشرب القهوة والشاي.
ما هي خصائص التي يجب ان يتحلى بها الطالب لينجح في هذه المهنة؟
أول ميزة هي الصبر. فللأسف، كثيرون من يعتقدون أن المسألة سهلة وأنه بمجرد أن تفوز في برنامج للطبخ ستصبح طباخا ماهرا. بالعكس، هذه المهنة تتطلب سنوات عديدة من الدراسة، بعدها العمل كمساعد في المطبخ وتسند إليك مهمة تقشير كميات وكميات من البصل والبطاطس وتستكمل تكوينك لتصقل معارفك. فلا نصبح طباخا في ثلاثة أشهر في مسابقة تلفزية.فهذه تبقى برامج تلفزية تحسيسية لا غير. الأمر الثاني هو حب المعرفة وتقبل الملاحظات وتطبيق التعليمات وجاهزية الاشتغال ضمن فريق. لأن عمل الشاف لن يَرْقى للمستوى المنشود إلا بالاشتغال ضمن الفريق. وثالث شيء هو حب تقاسم المعرفة والخبرة. فكبير الطهاة الذي يبخل في إيصال وتقاسم المعلومة وتكوين أجيال من الطهاة لا يمكن أن ننعته صفة الشاف.
ما هي النصيحة التي يمكن أن تعطي للشباب الراغبين في احتراف هذه المهنة؟
هو ميدان وعمل شاق يحتاج إلى لياقة بدنية وجهد وصبر. كل يوم ننهي العمل ونعود إلى المنزل ورائحة الأطعمة عالقة بالملابس، نتعرض لحوادث في المطبخ، نتعب ونعاني جسديا ونفسيا. بالمقابل نسعد ونفرح عندما نرى أن الزبناء سعداء بما قدمناه وباعترافهم بمجهوداتنا. هو عمل نقوم به عن حب وقناعة وليس من أجل المال. هو عملي أخذ كما يعطي خصوصا على مستوى الصحة النفسية.
قلتم أنكم لا تعملون في الشهر الفضيل. فكيف تقدون يومكم؟ هل تستثمرون الوقت كله في الانشغالات العائلية فقط أم هنالك ممارسات أخرى؟
أنا كما باقي المغاربة، لدي نفس الوتيرة خصوصا عندما يكون هنالك أطفال. فالسهر ممنوع لأن المدارس تنادي صباحا. يعني نفس المسؤوليات ونفس المتطلبات. الحمد لله ليست لدي أي تحديات في العمل لأنه شهر شبه عطلة بالنسبة لي. هنالك بعض الزملاء يعملون في هذا الشهرمثل المختصين في إعداد وجبات الإفطار مثل الذين يتعاملون مع الفنادق والمطاعم الكبرى، أما أنا فلا. في المقابل، لدي حصص تصوير أقوم بها، وهي لا ترهقني بتاتا. بالعكس فهي مريحة بالنسبة لنا جميعا لأننا نعمل معا ونتناول وجبة الإفطار معا، مما يخلق جوا مرحا وأخويا يوطد العلاقات فيما بيننا. كما أقوم بزيارات تفقدية لبعض المطاعم التي ستفتح أبوابها بعد شهر رمضان. فصراحة، الحمد لله لا أعاني من ضغط العمل. ويومي يمر بسلاسة وفي هدوء.
بما أنكم تحدثتم عن تجربة البرامج التلفزية، فكيف دخلتم هذا العالم؟
مهنتي ليست التلفاز، فأنا دخلته بمحض الصدفة. لكن تعلمت الكثير وأعطيت الكثير.هي تجربة غنية وممتعة. حاليا يمكن لي أن أنتج برنامجا لوحدي. نتعلم الكثير. صراحة، هو ليس ميدانا سهلا وبه الكثير من المنافسة والضربات الموجعة. ومع ذلك، سُعِدْتُ بالتجربة وأظن أنني سأعيدها قريبا، لكن بشكل مغاير يشبهني أكثر.
أكيد أن هناك العديد من المواقف التي تَحْدُث سواء في العمل أو في المحيط الاجتماعي، فما هو أكثر حدث لازلتم تتذكرونه؟
في رمضان الماضي، وقعت معي واحدة من المواقف الطريفة. فعادة في بداية رمضان، كلنا نكون قد جهزنا ما يكفي واقتنينا كل المشتريات وكل ما نحتاجه. بالنسبة للتمر و”السفوف” وخلافه، نكون قد جهزناهم مسبقا. أما بالنسبة للطبق الرئيسي، فنشتري الأشياء مع توالي الأيام. وكما قلت سابقا، نظامنا للوجبات في شهر رمضان أنا وزوجي هو شرب فنجان القهوة وبعض التمر وبعد نصف ساعة نتناول وجبة العشاء حتى نحافظ على توازننا ونسهل عملية الهضم وكذلك لأن من له أطفال صغار يجب أن ينام باكرا ليباشر أعماله في اليوم التالي. في واحد من الأيام، وضعت قائمة المكونات التي سأحتاجها لكل الوجبات. عندما وصلت لواحد من الأسواق الكبرى لأشتري أغراضي، تنبهت إلى أن الوقت لن يسعفني لاقتناء ما أريد. فكما تعلمون حركة السير في الدار البيضاء ليست بالشيء الهين وأنا أقطن في دار بوعزة. كي أصل إلى منزلي وأشتري ما يلزمني، هي من المهمات المستحيلة. وفعلا عندما بلغت السوق الممتازة أخبروني أنهم أقفلوا لأنه لم يبق على موعد الإفطار إلا القليل من الوقت. كيف هذا؟ منزلي لا يتوفر على ما يلزم لإعداد الطعام. فقلت لهم: هل يرضيكم أن تبقى عائلة بأكملها دون إفطار؟ لم أكمل جملتي بعد، ومن دون طول تفكير، أدخلوني وساعدوني على أخذت ما يمكن أخذه بسرعة وتكلفوا بي رغم أن وقت الإفطار قد حان. شعرت بفرحة كبيرة لأن روح التضامن والتآزر والمحبة بين المغاربة هي التي دفعتهم لهذا التصرف النبيل. وهي واحدة من المواقف العديدة التي نستشف من خلالها المعدن الأصيل للمغربي الحر.
هل يمكن أن تقدموا للقارئ وصفتين كنموذج لما يمكن أن يحضره الصائم عند الافطار وعند ووقت السحور؟
لوجبة السحور، سأعطي وصفة أساسها حليب الشوفان لأنني شخصيا لا أستسيغ حليب البقر الذي يحتوي على مادة اللاكتوز. وثمن حليب الشوفان في المتناول ويمكن أن نصنع منه الفطائر والحلوى أو أن نضيف إليه الشية. بالنسبة للإفطار، أقترح وجبة مشاوي الدجاج التايلاندية بصلصة البندق. مذاقها رائع وهو نوع من التغيير خلال 30 يوما من الصيام. وتصلح للكبار والصغار أيضا.