حوار: احمد العلمي
اماط عبد الحكيم الفلالي الخبير في مجال الماء والبيئة والمناخ اللثام، على مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالإجهاد المائي واستنزاف الفرشة المائية، والامن المائي والغذائي، والاليات التي تتخذها الدولة في الفترة الحالية لتجاوز كل معضلة.
كما أضاف الفلالي ان تحلية المياه، وإعادة النظر في البنية التحتية للسدود، تعد اجراءات بديلة قادرة على حل معضلة العطش والامن المائي والغذائي للمواطنين، مؤكدا في ذات السياق ان الماء هو ملك عمومي وقد كفل الدستور احق المواطن في ذلك، ولا يجب استغلاله الا بموجب قانون.
باقي التفاصيل في الحوار الاتي:
- أعلنت الحكومة مؤخرا عن تدابير ضرورية تخص ترشيد استهلاك المياه نظرا لشح التساقطات، هل هذا سيحل بعض المشاكل في انتظار حل جذري ؟ في الوقت ذاته تتواصل تدابير على مستوى الجهات بقرارات ولائية لترشيد استهلاك المياه خوفا من العطش؟
في سياق توالي سنوات الجفاف الوضعية المائية والحالة الانية للإجهاض المائي التي يعرفها المغرب، وحقينة السدود التي لا تتجاوز 3,7 مليار متر مكعب تم عقد جلسة عمل تراسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس ومجموعة من الوزراء لبعض القطاعات، والهدف من هذه الجلسة اتخاذ مجموعة من التدابير التي تتكيف مع وضعية الاجهاد المائي التي يعيشها المغرب.
وصحيح ان موضوع الجلسة في السياق نفسه، يتعلق بتسريع عملية التزود بمياه الشرب و السقي، وقد أعطيت التوجيهات لاتخاذ الإجراءات الضرورية لتجاوز المعضلة تماشيا مع الظرفية الحالية.
ومن مخرجات هذه الجلسة هو اتخاذ وزارة الداخلية العديد من التدابير ابرزها اصدار قرارات تهم تدبير عملية استهلاك والمياه وترشيدها، كإجراء احترازي ،وهو ما تجسده القرارات العاملية في العديد من الجهات بدا بأكادير وطنجة وبني ملال وصولا الى الدار البيضاء في 23يناير 2024، حيث ان القرار العاملي الذي اتخذ في التاريخ السابق الذكر يروم الى تقليص استهلاك الموارد المائية وإعطاء الأولوية لمياه الشرب، بتوقيف نشاط بعض القطاعات التي تشتغل بالمياه في بعض أيام الأسبوع، “الحمامات- محطات غسل السيارات- المسابح “، ثم تعبئة مختلف الفرقاء بهدف القيام بحملات تحسيسية والعدف من ذلك هو ترسيخ فكرة ترشيد الاستهلاك المائي درءا لكل المخاطر والأزمات ابرزها ازمة العطش.
- اعادة النظر في السدود أصبح امراً ملحا؟
بالنسبة للسدود تعتبر هذه الأخيرة من الحلول الاستراتيجية التي تبناها المغرب في سياسته المائية منذ ستينيات القرن الماضي، بحيث في العديد من السنوات وعلى الرغم من ضعف التساقطات فان المغرب يضمن جزءا كبيرا من امنه المائي وكذلك امنه الغذائي، وهذا ما يفسر ان هذه السياسية لا زالت تعد ورشا مفتوحا باستمرار لتحقيقه امنه الغذائي والمائي، وهو ما يوضح ان جلسة العمل التي كانت تحت التوجيهات الملكية مع الوزارات المعنية، ركزت على استراتيجية الأمد القريب ، تسريع وتيرة انشاء السدود التي هي في طور الإنجاز، وكذلك على المدى المتوسط بناء سدود جديدة، سواء تعلق الامر بالسدود “الصغرى، المتوسطة او الكبرى”.
وطبيعي ان السدود في الفترة الراهنة تعامي من عدة مشاكل ليس نسبة الماء بالتحديد ولكن مشاكل أخرى كالتحول والذي يقلص من حقينتها، وكان حريا ان نستغل فترة الجفاف لإزالة الاوحال ثم كذلك ضرورة التفكير في المناطق الاستراتيجية التي تمكن ان تكون موقعا مناسبا لبناء هذه السدود.
كما يمكن إضافة شيء هام جدا هو تبخر مياه السدود اكثر من مليون متر مكعب في اليوم، وهذا ما يجب التفكير فيه، على أساس هناك بعض الطرق المتخذة في بعض الدول، للتقليص من تبخر المياه في السدود سيما وان نسبة درجات الحرارة تزايدت بشكل كلفت للنظر في السنوات الأخيرة.
- اتعتقدون التدبير المتعلق بتحلية مياه البحر سيحل المعضلة بشكل نهائي؟
مما لاشك فيه ان تحلية مياه البحر من بين التقنيات الجديدة، والتي انفتح المغرب على الياتها قصد تنويع ميكانيزمات تحقيق الامن المائي، خاصة خلال يعني السنوات الأخيرة، فالمغرب وضع برنامجا خاصا بتحلية مياه البحر يروم هذا البرنامج الى الوصول الى 1,4 متر مكعب من المياه المحلاة في افق 2030، وكذلك الهدف منه تحقيق الامن المائي خاصة في المدن الساحلية، وضمان جزء كبير من مياه السقي، علما ان المياه المحلاة الى حدود اليوم لا تتجاوز 200 مليون متر مكعب في السنة، صحيح تن هذه النسبة تبقى ضعيفة ولكن توفر المغرب على واجهتين بحريتين ، وكذلك تراجع تكلفة انتاج المياه المحلاة بتعبير اخر على مستوى بالطاقة ، يعد من بين المحفزات التي تجعل هذا الاختيار اختيارا استراتيجيا، لسد العجز المائي الذي يعرفه المغرب في بعض المدن، حيث من خلال عملية التتبع بشان المدن المستفيدة من تزويد قنواتها بالمياه المحلاة، فقد وصلت الى 50 في المائة، كما هو الشأن بالنسبة للجديدة واسفي ، اذ خلال نهاية هذ السنة يمكن الوصول الى تزويد الساكنة بالمنطقتين الى 100في المائة من المياه المحلاة.
وهو الامر ذاته الذي سنتتبعه على مستوى مدينة الدار البيضاء التي ستشهد بناء محطة لتحلية المياه، والتي ستكون جاهزة في سنة 2027 وهذا بطبيعة الحل إذا لم يتم تسريع وتيرتها يمكن ان تكون جاهزة قبل التاريخ المذكور. ولهذا تعد عملية تحلية مياه البحر من بين اهم الاختيارات التي يمكن اعتباراتها من بين اهم الاستراتيجيات التي اتخذها المغرب في افق تجاوز معضلة الاجهاد المائي، وهو ما يمكن تسميه تنويع العرض المائي.
كما يجب التركيز على إضافات أخرى ان تحلية مياه البحر لن تؤمن فقط حاجيات المناطق الساحلية، فقد يمتد نحو المناطق الداخلية اذا تم الاستثمار في بناء طرق سيار مائي بشكل متوازن، أي ان هذه الاستثمارات من شانها، ان تؤمن الماء من المناطق الساحلية الى المناطق الداخلية، لا سيما في حال وجود جفاف، وتحويل الماء من المناطق الداخلية الى الساحلية في حال وجود وفرة. وهو ما سيعطي للمغرب فرصة اتخاذ تدابير إضافية بترسيخ إمكانيات الحد من الاجهاد المائي.
- هناك نقاش حول استنزاف الفرشة المائية بسبب فوضى استعمال مياه الشرب، هل ان الأوان ان تكون هناك قطيعة مع هذه العشوائية وحتى تلك المياه العذبة التي تباع في الأسواق وتستنزف الفرشة المائية؟
فيما يخص استنزاف الفرشة المائية وعلاقتها بمياه الشرب، في النقطة الأولى اعتقد ان الفرشة المائية أكثر من 90 في المائة من هذه الفرشة فهي لا تتوجه لمياه الشرب، بقدر ما تتوجه الى مياه السقي، هذه الإشكالية بطبيعة الحال ترتبط بإشكالية أخرى، وهي عدم تحكم الوزارة الوصية في المياه باعتبارها ملكا عموميا، ودليلنا على ذلك هو انه 91 في المائة من الابار غير مرخصة، وهو ما يجعل استنزاف الفرشة لازال مستمرا في ظل ازمة المياه التي يعرفها المغرب.
اما استغلال المياه الجوفية وبيعها في الأسواق هذا يرتبط بإشكال اخر، كون الماء ملكا عموميا، وبالتالي لا يحق لاي كان ان يستغل هذا المورد الا بموجب قانون، وهذا ما يجب التوقف عنده أي سيطرة العديد من الشركات على بعض الفرشات الباطنية وهي شركات تجارية، ومن منظور حقوقي وسياسي يمكن ان نقول ان الدستور يقر بان الدولة والجماعات المحلية يجب ان تيسر لجميع المواطنات والمواطنين على قدم المساواة للحصول على الماء، باعتبار هذا الأخير ملكا عموميا وبقوة القانون، ولا يحق لاي كان استغلال ذلك الا بموجب قانون.