حاوره: حسن عين الحياة
هو فنان متعدد، يجمع بين التمثيل والنقد والبحث المسرحي.. اسم له وزنه في الجغرافية العربية كباحث وناقد مسرحي، بالنظر إلى أبحاثه العلمية التي مثلت المغرب مهرجان الهيئة العربية للمسرح التي يرعاها السلطان القاسمي، حيث فاز بالجائزة الأولى (باسم المغرب) في مسابقة البحث العلمي المسرحي خلال دورتين، محققا بذلك السبق، شأن المسرح المغربي الذي فاز ثلاث مرات بجائزة السلطان القاسمي، كأول بلد عربي يراكم هذه الإنجازات، ولعل آخرها مسرحية “تكنزا قصة تودة” التي فازت بالجائزة ذاتها خلال الدورة 14 لمهرجان الهيئة العربية للمسرح التي أقيمت خلال هذا الشهر (يناير) في بغداد في العراق.
في هذا الحوار، يتحدث الفنان والباحث المسرحي علي علاوي لـ”المنعطف” عن حضوره لهذا المهرجان في بغداد، وعن تسلمه درع الجائزة الأولى للبحث العلمي المسرحي، وعن سياقات أبحاثه وسر تميزها لتقطف الفوز مرتين. كما يكشف علاوي في الحوار ذاته سر تميز المسرح المغربي عن التجارب المسرحية العربية، ويتحدث في عديد النقط التي تهم النقد والبحث المسرحي بالرغم من عدم وجود بيئة حاضنة لهما في المغرب.
وجهت لك الهيئة العربية للمسرح الدعوة لحضور فعاليات الدورة 14 للمهرجان العربي للمسرح المقامة في بغداد خلال الفترة ما بين 10 إلى 18 يناير 2024، بداية ما هو سياق هذه الدعوة؟
قبل التفاعل مع أسئلتكم أتوجه لكم بخالص الشكر وعبركم لهذا المنبر المتميز. لقد كان سياق الدعوة هو التكريم بمناسبة حصولي على الرتبة الأولى في مسابقة البحث العلمي المسرحي في دورتها السادسة، وكما يعلم الجميع، في سنة 2021 وهي سنة فوزي في المسابقة، كان السفر غير متاح بسبب انتشار الوباء، ولذلك قررت الهيئة مشكورة على ذلك، الاحتفاء بمن فاز ولم يُكرم، من خلال تسلم ذرع الجائزة في دورة بغداد في العراق، هذا البلد الشقيق والمضياف.
أظن أنك فزت بجائزة البحث العلمي المسرحي في دورتين متتاليتين؟
نعم لقد فزت بدورتين، ولكن ليس على التوالي.. لقد فزت بالدورة الثالثة التي انعقدت حينذاك في القاهرة بدولة مصر، ثم فزت بالدورة السادسة التي لم تنعقد للظروف السالف ذكرها وهي ظروف انتشار كوفيد 19، وبالتالي تأجل التكريم حتى دورة بغداد في العراق التي نحن بصدد الخوض في تفاصيلها.
ما هو موضوع هاذين البحثين؟
البحثان مختلفان من حيث الموضوع، وذلك راجع لشروط المسابقة التي تتغير من سنة إلى أخرى. مثلا كان الناظم الفكري في الدورة الثالثة يعرض موضوعا بعينه، وهو الاشتباك مع الموروث من أجل إنتاج معارف مسرحية إبداعية، وبالتالي كان بحثي المعنون بـ”في الحاجة إلى مجاوزة الاحتفالية لإنتاج معارف مسرحية إبداعية”، اعتبارا بأن الاحتفالية هي الوجه الجمالي للمسرح العربي بعدما اشتبك مع الموروث العربي. وهنا لابد أن أوضح نقطة تبدو غاية في الأهمية، وهي أن المجاوزة لا تعني الإلغاء، فقط هو تغير في الأنموذج الفكري، وبمعنى أصح، كان موضوع البحث الدعوة إلى “براديغم” جديد، يتماشى مع الشعار الدائم للهيئة العربية للمسرح وهو “نحو مسرح جديد ومتجدد”. أما ناظم الدورة السادسة فأتى متطرقا للجغرافية المسرحية العربية من خلال النص والعرض والسينوغرافيا… وتماشيا معه جاء البحث الذي تقدمت به وفاز بالرتبة الأولى كسابقه معنونا بـ”تأملات نقدية في الجغرافية العربية المسرحية.. نحو تفكيك الزوج الإبستيمي”.. وذلك كما سبقت الإشارة إليه، يجب أن يكون البحث مستجيبا لناظم الدورة، حيث تناولتُ بالدرس والتحليل والنقد والتفكيك، بنية الجغرافية العربية من حيث الإبداع، والنقد، حيث بدت هذه البنية في شقيها كما ذكرت مرتهنة بزوج إبيستيمي بعينه، هو الإيديولوجيا في كل ما تعلق بالكتابة، سواء كانت نقدية أم تنظيرية أم إبداعية، وبالميتافيزيقا في جانب الفرجة، لأن الأخيرة لايمكن أن تستقيم إلا بحضور الجسد . ويُفهم من هذا الكلام أن سقفنا المعرفي الذي عنيت به “الإبيستيمي” تجثم عليه الإيديولوجيا في مجال اللغة والميتافيزيقا، كتمركز حول جزء من الجسد يُنعث بالمقدس، وتنفي في مقابل هذا الجزء المشار إليه بالمدنس. وبالتالي علينا نحن العرب تجاوز هذا الزوج (إيديولوجيا/ ميتافيزيقا) والانتباه إلى أمر هام وهو التفكير في المسرح العربي من الداخل، أي التفكير الماهوي الذي يهتم بالداخل.
ما القيمة التي أضافهما هذان البحثان إلى البحث العلمي المسرحي المغربي؟
الجميل في هذا السؤال، أنه سؤال القيمة، وهو عموما يأتي بعد الأزمة.. بمعنى الانحصار لتبيان الفارق بين الإيجابي والسلبي أو نقط القوة والضعف، لكني أظن أن البحث المغربي ليس معنيا بهذا، لأنه غير حاضر بالمعنى القوي، ويجب أن يُفهم من هذا الكلام أن البحث ليس هو النقد ولا هو التنظير، وإنما البحث بالمعنى الذي أهدف إليه أجده عند الدكتور خالد أمين بشكل مؤسساتي في المركز الدولي لدراسات الفرجة، وبالمحصلة تظل تجربتي في البحث وإن نالت جائزتين في مسابقة عربية بمثابة المحاولة ضمن المحاولات الموجودة، وأخرى ستأتي، ولايمكن الحديث عن قيمة كل محاولة إلا عندما نراكم عددا محترما من المحاولات ونخضعها للبحث كلها ونتغيا التأزيم، وعندها نرى القيمة التاريخية والمعرفية لكل محاولة.
كيف ترى دورة بغداد مقارنة بالدورة السابقة في المغرب على مستوى التنظيم وقيمة الأعمال المسرحية؟
بكل صدق المهرجان واحد والدورات متعددة، والسياقات والمناخات كذلك، لكني وجدت دورة العراق أكثر حماسا، وذلك لعدة اعتبارات أهمها أن المهرجان نظم بشراكة مع نقابة الفنانين العراقيين، لذلك كنت أظن نفسي ضيفا عند كل فنان عراقي، ومن الطرائف التي وقعت لي في بغداد خلال حفل الافتتاح، أنني وجدت الكل ينادي عليّ بنسبي الذي هو علاوي، فتساءل “أ أنا مشهور عند العراقيين؟”.. لأدرك
أن أغلب العراقيين، إن لم نقل الكل، ينادون على أي شخص اسمه علي بـ”علاوي” كاسم الدلع وأنا جمعت بين الحسنيين علي، ودلع الاسم علاوي. لذلك فشهادتي في العراق وأهل العراق مجروحة وبصدق كانت هذه الدورة من أروع الدورات التي حضرتها على الإطلاق. أما الأعمال المشاركة فهي متباينة كالعادة، وذلك راجع لقيمة البعد الجمالي والفني والفكري في كل مسرح من مسارح الأقطار العربية.
باعتبارك شاهدت كل العروض المتبارية على جوائز المهرجان، كيف ترى المسرح المغربي ضمن خارطة المسرحة العربي؟
المسرح المغربي هو الذي فاز بدورة العراق، وبالتالي فاز بجائزة السلطان القاسمي في دورتها 14، وهي جائزة مرموقة في المسرح العربي ومحترمة عند المسرحيين العرب، ولها وزنها تاريخيا بحيث يصير المخرج الذي نالها من أعلام المسرح العربي المعاصرين. لهذا كله اعتبر تجربة المسرح المغربي تجربة فريدة وذات جدوى من الناحية الفنية والجمالية والفكرية، لأنها تجربة غنية ومتنوعة.
كيف استقبل المشاركون العرب فوز المغرب بالجائزة الأولى في مهرجان بغداد من خلال مسرحية “تكنزا قصة تودة” للمخرج أمين نسور؟
أمين نسور مخرج له وزنه وطنيا وعربيا في شكله الذي يتقنه حق الإتقان، لأن هذا المخرج كما يعلم الجميع، سبق واشتغل مع الطيب الصديقي رحمه الله.. استوعب الشكل وتجاوزه بطريقة فيها نوع من الجدة والتجدد. لذلك صفق له الجميع، ولأن عرض “تكنزا قصة تودة” في نظري عرض اكتمل بريقه الجمالي ضمن سجل أمين ناسور، يرجى أن يفهم من هذا القول إن ناسور استمتع وهو يخرج هذا العمل. لأنه (العمل) بدا مكتملا جماليا وقصديا، في سياق تجربته المزدهرة والتي ربت ضمن وفائه لرؤيته التي يحترم عليها. لهذا ينال المسرح المغربي عندما يفوز الاحترام والتقدير، ولشيء آخر، هو أن المسرح المغربي هو المسرح العربي الوحيد الذي نال هذه الجائزة ثلاث مرات. ولا أذكر أن أي بلد راكم هذا القدر من الفوز في جائزة السلطان القاسمي الممتدة لأكثر من 14 سنة ماعدا المغرب.
أنت ممثل مسرحي أولا، ثم باحث وناقد مسرحي.. أين تجد نفسك أكثر؟
صراحة هذا سؤال من كثرة ما طرح عليّ بدأت أستلطفه، أنا أجد نفسي فيهما معا، لأنه لا فرق عندي بينهما، وأخذ كمثال على هذا الفيلسوف الفرنسي “ألان باديو” فهو فيلسوف ومسرحي وممثل أيضا.
كيف يمكن في نظرك الرقي بالبحث العلمي المسرحي المغربي، وكذلك النقد المسرحي، علما أن لنا شباب حاليا، وضمنهم أنت، بصموا على التميز في المحافل المسرحية العربية؟
صحيح أنا أعتبر هذه النجاحات التي بدأنا نراكمها في المغرب هي مجرد فلتات سيأتي اليوم الذي لن نجد فيه باحثا يشارك فما بالك أنه يفوز.. وذلك راجع إلى أننا في المغرب لانتوفر على شعبة النقد المسرحي أسوة بمصر مثلا. ولنضف المثال التالي، في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي هناك شعب بعينها هي السينوغرافيا والتشخيص والتنشيط الثقافي، ولا توجد شعبة النقد المسرحي، وهذا سؤال نطرحه على المهتمين بأمر الثقافة والمسرح، وبعدها، أي بعدما نتلقى الإجابة يصير في الإمكان الجواب على ما تفضلت به.
لندع النقد والبحث العلمي جانبا، ماهو جديدك كممثل محترف؟
الجديد كممثل أن هناك بعض العروض المسرحية مع فرقة فضاء القرية للإبداع، وقد انتهينا قبل أسابيع من الجولة المسرحية بعملنا الجديد “كلام الليل”، والذي تم عرضه في مدن: سلا والدارالبيضاء وبنسليمان وأسفي والجديدة، وهذه الجولة كانت بدعم وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة. ومسرحية “كلام الليل” عمل من إخراج بوشعيب الطالعي، وتأليف إسماعيل بوقاسم، وتشخيص نخبة من الممثلين المسرحيين أبرزهم هذا الذي يحاورني، بصدق أجدك ممثلا له مكانه في سياقات المسرح المغربي، والفنانة بشرى مسطري والفنانة وفاء العصادي.