حاوره: حسن عين الحياة
تستعد الفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة خلال هذه الأيام لتجديد دمائها، من خلال مؤتمرها الثاني الذي سينعقد خلال نهاية الشهر الجاري، وهي مناسبة تجتمع خلالها الفرق المسرحية المنضوية تحت لواء الفدرالية لدراسة ومناقشة عديد النقط التي تهم تطور المسرح المغربي.
“المنعطف” تحدثت إلى الفنان المسرحي المقتدر حسن هموش، الرئيس الحالي للفيدرالية، حول عدد من النقط التي تهم المؤتمر القادم وآفاقه والإكراهات التي تواجهه من جهة، والفرق المسرحية المحترفة والمسرح المغربي من جهة ثانية.
ويرى هموش، الذي تحدث عن سياسة الدعم المسرحي والمهرجان الوطني للمسرح بتطوان، أن هاجس الفيدرالية الآن يكمن في تأهيل الفرق المسرحية فنيا وإداريا وماليا، ومع القطع مع أساليب الريع، والاحتكام إلى مبادئ الشفافية والوضوح في الاستفادة من المال العام.
بداية، أين وصلت الإعدادات للمؤتمر الثاني للفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، علما أن التوقيت القانوني للمؤتمر هو نهاية 2023؟
مما لا يخفى عليكم، إن الإعداد لأي مؤتمر يتطلب مجهودات كبيرة، سواء على مستوى التواصل مع الفرق المنضوية تحدت لواء الفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، أو مع الجهات التي ننتظر منها دعم هذه المحطة المفصلية في تاريخ الفيدرالية، خاصة وأننا داخل المكتب الوطني لا نريدها محطة عابرة، تستجيب فقط لتسوية مرحلة قانونية، بل أن تكون محطة مُسائِلة للمنجز المسرحي، خاصة وأن الوضع الحالي لم يعرف الكثير من الإشكالات المرتبطة بهيكلة الفرقة وبالدعم، وبعلاقة الإنتاج المسرحي بأهدافه، والمؤسسات المسرحية وعلاقتها بترويج العرض المسرحي، سواء تعلق الأمر بمؤسسة مسرح محمد الخامس، أو بالمراكز الثقافية المنتشرة عبر العديد من المناطق المغربية، التي غالبيتها تفتقر إلى أبسط شروط تقديم فرجة مسرحية، أو أبوابها مقفلة لأكثر من سبع سنوات كمسرح دار الثقافة الداوديات بمراكش.. هذا في اللحظة التي نحن نتحدث فيها عن صناعة إبداعية. إذن هذه كلها أسئلة مطروحة للنقاش على طاولة المؤتمر الثاني الذي سينعقد خلال الشهر الجاري (يناير 2024). عموما، نحن الآن في المراحل الأخيرة من تهيئ كل الوثائق والمقترحات التي من شأنها أن تساهم في بلورة برنامج عمل قوي يتماشى ومتطلبات المرحلة المقبلة.
ماهي الإكراهات التي تواجهونها لعقد هذا المؤتمر؟
سبقت الإشارة إلى ذلك في مستهل هذا الحوار.. إن الإكراهات، وحتى أكون صريحا ومنتقدا للوضع في الوقت نفسه، أكثرها مرتبط بجدية الفرقة المسرحية، التي ومع كامل الأسف، صرنا نعيش فوضى أنتجها الدعم المسرحي، خاصة ما أطلق عليه حينها بـ”الدعم الاستثنائي”، حيث تحولت الفرق المسرحية، كل الفرق، إلى حاملي مشاريع، لا تتجاوز حدود الاستفادة من الدعم من أجل إنجاز عرض مسرحي عمره لا يتجاوز الستة عروض على الأكثر. هذا الوضع الذي نعتبره داخل الفيدرالية مقلقا، قام بتعويم الممارسة، حتى لا أقول بتمييعها، فأصبح الدعم هدف وغاية وليس آلية من آليات الإنتاج. هناك أيضا عامل أساسي يتمثل في غياب أجندة مسرحية واضحة.. فخلال هذه الفترة، كنا في كل مرة نؤجل المؤتمر، من أجل إيجاد فترة زمنية تكون ملائمة لجل الفرق التي نراهن عليها لإنجاح هذه المحطة، لأنه في آخر المطاف، الفُرق المسرحية هم الفيدرالية، قوتها من قوتهم.. وانطلاقة جديدة ينبغي أن تكون بفرق قادرة على خلق مسافة ما بين الفرقة الحاملة لمشروع فني ثقافي، والتي تحمل عرضا هو الهدف والغاية لديها.
كيف تنظرون إلى وضعية الفرق المسرحية المغربية المحترفة في ظل القوانين المنظمة، خاصة وأن هناك من يعتبرها ماتزال تشتغل بمنطق الهواية.. بمعنى آخر، هل لدينا فرق محترفة حقا؟
أظن أن جزءً مما تقدمت به من جواب في السؤال السالف، يعبر بعمق عن الأزمة الحقيقية التي تعيشها المؤسسات المسرحية/ الفرق. لقد كان من بين أهداف الفيدرالية، الاشتغال على تأهيل الفرق المسرحية، خاصة على مستوى تدبير المشاريع وإعدادها، وأيضا التدبير المالي والبحث عن مصادر التمويل، والاشتغال بالموازاة على هيكلة الفرق، حتى نمكنها من مواجه التحديات. وأول هذه التحديات، الانتقال من الإطار الهاوي الذي يحكمه قانون الحريات العامة، المنظم لتأسيس الجمعيات 1958، إلى مقاولات فنية، مساهمة ليس فقط في تقوية الإبداع، بل أيضا في الاقتصاد الثقافي الذي هو رهان من رهانات تقوية الجودة، ومن ثمة الإجابة على كثير من الأسئلة، وأهمها سؤال الجمهور. ولهذا بالعودة إلى سؤال هل فعلا لدينا فرق مسرحية محترفة؟ أقول، بداية لابد أن نتفق على مفهوم الفرقة المسرحية المحترفة، الماهية والخاصية، بالتأكيد الجواب سيكون بالنفي لا، فنحن نشتغل بنفس احترافي داخل بنيات هاوية، اللهم القلة القليلة من الفرق التي لديها إطارات مهيكلة احترافيا، وهي فرق لحد الساعة لا يتجاوز عددها 7 فرق. وبالتالي، إن الاحتراف المرتبط بالدعم في اعتقادنا وهم، بل زاد هذا الوهم من تأزيم الوضع وتفاقم معتقدات، كانت وماتزال تشكل عرقلة نحو تأسيس ممارسة احترافية قادرة على أن تصبح مؤسسة إنتاجية لذاتها ومن خلال ذاتها.
ماهي أبرز مشاكل الفرق المسرحية المحترفة الموضوعة على طاولة الفيدرالية، باعتبارها إطارا ترافعيا؟
إننا داخل الفيدرالية نواجه الكثير من التحديات، أولها أن ننتصر على ذواتنا، لأننا نعتبر أن الريع المسرحي، بات كسرطان ينخر الجسد المسرحي، والقبول به، يعني القضاء على كل طموحات الحركة المسرحية منذ أن كانت. رهاناتنا فرق مسرحية قوية هيكليا، قادرة على أن تجد فضاءً لها يشكل جزءً من هويتها، حتى نتمكن من دخول غمار منافسة إبداعية، تراهن على إنتاج الأعمال الكبرى وطرح القضايا الراهنة المسكونة في وجدان المواطن المغربي، نحن كنا ولازلنا ندعو إلى:
ـ تأهيل الفرق المسرحية فنيا وإداريا وماليا.
ـ القطع مع أساليب الريع، والاحتكام إلى مبادئ الشفافية والوضوح في الاستفادة من المال العام.
ـ الانتقال من الدعم كآلية، نعتقد أنها استنفذت شروطها، إلى الإنتاج كمقوم من المقومات الأساسية في إحداث صناعة مسرحية.
ـ الرهان على تعبئة الجماهير لدعم المسرح، من خلال محاربة المجانية.
ـ خلق محطات للنقاش والحوار حول قضايا الإبداع المسرحي بالمغرب، رهاناته وتحدياته
كيف تقيمون الوضع المسرحي في المغرب.. هل هو بخير، أم يحتاج إلى ترتيب أوراقه الفرجوية والتنظيمية من خلال أطره التمثيلية؟
هذا السؤال لا أجد الجواب عنه منفصلا عما سبق. دعنا نتحدث عن الوضع المسرحي على مستويين، المستوى الإبداعي، الذي برهن من خلاله المسرحيون (مبدعات ومبدعون)، على أن لهم القدرة على الإبداع وعلى أعلى مستوى، حتى إنه بثنا نشكل قلقا كبيرا للعديد من البلدان العربية، التي أصبحت ترى أن المغرب، تشكل لديه وعي متقدم بالممارسة المسرحية، عبر التنوع والاختلاف والتعدد الذي تعرفه هذه الممارسة، لكن هذا يظل حبيس مجهودات أشخاص، حين يغيبون تغيب هذه الطفرات. المستوى الثاني، مرتبط بالسياسة العمومية، التي لحد الآن لم تتمكن من بلورة سياسة مسرحية، قادرة على مواكبة المنجز المسرحي رغم قلته، فظلت هذه السياسة حبيسة لغة الأرقام، وغير قادرة على رسم ملامح موسم مسرحي، الشيء الذي يجعل كل المسرحيين رهيني موسم يمتد ويتقلص وفق ما تمليه سياسة الإدارة. وللوقوف عند نقط الموسم المسرحي، الفيدرالية قدمت منذ 2017 مقترح أجندة لموسم مسرحي، وعند تولي كل وزير، نقوم بتحيين المذكرة وتقديمها، لكن لا جواب ولا تفاعل، وكل مرة نعود لنفس المشاكل والمعاناة والصراع مع الطواحين الهوائية.. موسم مسرحي، قد يمتد على 7 أشهر، كما أنه قد يتقلص إلى 4 أشهر.. إنه شبيه بقصة “سروال علي “.
عرف المهرجان الوطني للمسرح بتطوان في دورته الأخيرة (2023) نهجا جديدا في تسييره.. هل تفاعلت وزارة الثقافة مع مطلب الفيدرالية بخصوص آليات تنظيم المهرجان؟
المهرجان الوطني للمسرح، كان موضوعا من بين المواضيع التي ترافعنا عليها منذ تأسيس الفيدرالية 2012 إلى هذه الدورة 2023، وترافعاتنا لم تكن على المستوى الشفوي والبيانات والبلاغات، بل تقدمنا بمذكرات متضمنة مقترحات، والأكثر من ذلك بها رسوم بيانية لما نرى عليه إدارة المهرجان، ونعتقد أن هذه السنة تم الاستجابة لبعض ما جاء في مذكرة الفيدرالية، طبعا لنا العديد من الملاحظات ومعها الاقتراحات، التي سنعرضها على المؤتمر للتقويم والنقاش.
ماهو تقييمكم للقيم الفنية والجمالية للمشاركات في المهرجان الوطني للمسرح بتطوان؟
السؤال ماكر، أنا الآن رئيس الفيدرالية، ولست ناقد.
لكنك في الوقت نفسه فاعل مسرحي؟
عموما وجب القول، إن العروض المسرحية التي شاهدتها بالمهرجان، لم تعبر بشكل واضح وصريح، عن جميع التلوينات والحساسيات والتوجهات المسرحية المغربية، التي قلنا عنها إنها تتميز بالتعدد والتنوع والاختلاف الجميل، كما يجب الانتباه أن قوة المسرح المغربي تكمن في هذا التنوع، الذي يجب أن لا ينساق مع إنجاز مسرح النموذج الواحد. لهذا، ربما وجب التفكير في الكيفية التي يمكن من خلالها أن نجعل من المهرجان بوابة على كل التجارب المسرحية، وليس فقط مجال للمسابقة والتباري على الجوائز.
ماهي رؤيتكم المستقبلية لتنظيم المهرجان؟
الدعوة إلى التفكير في الكيفية التي يمكن من خلالها أن نجعل من المهرجان فضاءً لعرض كل التجارب المسرحية، حتى نجعل المتلقي / الجمهور، يكتشف التنوع والاختلاف في الرؤى والأسلوب، أي كيف يمكن أن نحول “تطوان” إلى “كان” المسرح المغربي.
هل تفاعلت الوزارة الوصية مع مطالب الفيدرالية بخصوص الدعم المسرحي؟
لحد الساعة كنا قد تقدمنا بمذكرة تهم قراءة في دفتر التحملات السابق، لكن أظن أن الوزارة أكتفت بالاعتماد على اجتهادات بعض الإداريين والاستشارة مع البعض الإخوة، للخروج بوثيقة فيها الكثير من الأعطاب التي تثقل كاهل الفرق المسرحية كما الإدارة، وعليه فإن وثيقة الدعم هي من بين أهم الوثائق المعروضة على أنظار المؤتمر، بل هناك توصية لتوسيع دائرة النقاش حتى بعد نهاية أشغال المؤتمر، ويبقى هذا الملف في يد المكتب الجديد الذي نتمنى له كل التوفيق، والذي سيجدنا دائما رهن إشارته في أي قضية من قضايا المسرح المغربي