حاوره: حسن عين الحياة
عندما يتحدث المبدع عبد الجبار خمران عن المسرح المغربي خاصة والعربي عموما، يبدو كما لو أنه طبيب جراح، وهو يشخص بدقة مكامن قوة وأعطاب الجسم المسرحي الذي يضبط خارطته.. فهو مخرج مميز بتجاربه المسرحية المفعمة بحس التجديد، والمرتكزة أساسا على قوة النص والبعد الجمالي.. كما أنهكاتب وناقد وإعلامي، عمل لفترة بالهيئة العربية للمسرح في الشارقة كمسؤول عن إدارة الإعلام والتواصل.
في هذا الحوار الذي خص به جريدة “المنعطف”، يتحدث خمران الذي يتنقل كثيرا بين المغرب وفرنسا عن تجربته في الهيئة العربية للمسرح، وكيف بدأ هذا المشروع يتآكل ويستنفذ إشعاعه ودوره الذي أسس من أجله. كما يشخص بلغة الخبير نقاط قوة وضعف المسرح المغربي، معتبرا أن تنظيمه وضبط مواعيده الوطنيةيحتاجإلى إرادة سياسية حقيقية للوزارات الوصية على القطاع المسرح.
كما يتحدث المخرج عبد الجبار خمران، عن مشروع “المسرح يتحرك”، وعن الدعم المسرحي وبعض مشاكله خلال هذا الموسم، فضلا عن تطرقه إلى مواضيع أخرى تجدونها في الحوار التالي.
- تجربتك في الهيئة العربية للمسرح بالإمارات، كمسؤول عن إدارة الإعلام والتواصل، تساءل كثيرون عن سبب مغادرتك للهيئة، تزامنا مع تنظيم الدورة 13 في المغرب مطلع العام الجاري.. بداية، ما هي الدوافع الأساسية التي أدت إلى توقفت تجربتك مع الهيئة العربية للمسرح؟
لا بد من أن يكون للوزارات الوصية على قطاع المسرح إرادة سياسية حقيقية لتنظيمه وضبط مواعيده الوطنية، وأن نبلور مواعيد عربية ودولية فنية للمسرح المغربي
عملت مع الهيئة العربية للمسرح بالشارقة بطلب من أمانتها العامة.. استجبت إلى طلبهم في ظرف كنت منشغلا فيه بتجاربي المسرحية وفي ظرف أتنقل فيه من فرنسا إلى المغرب والعكس بشكل دوري، حاولت ما استطعت أن أوظف تجربتي المتواضعة في المسرح وفي الكتابة وفي الإعلام في هذه المؤسسة، خاصة أنه سبقني إلى هناك الأستاذ النفالي الذي يمتلك تجربة إدارية وتنظيمية ومسرحية مهمة جدا، أفادت الهيئة، وظهر تأثير تجربته التنظيمية إيجابيا في أنشطتها في ظرف وجيز بعد التحاقه بها. كذلك كان الشأن بالنسبة لمجال الإعلام من خلال تعبئة موقع الهيئة الإلكتروني، وإشعاع أنشطتها ونشر المقالات والدراسات، وأيضا نشر ملفات حول مواضيع مهمة، خاصة أنه صادف تواجدي في الهيئة ظرف كورونا، فكانت الملفات الإلكترونية ذات المواضيع المسرحية المهمة وبمشاركة مسرحيين وازنين، وكذلك عبر برنامج “اقرأ كتب الهيئة”، الذي تعاون معي فيه كل من شارك في حلقاته وبدون مقابل مادي، فقط لجدية البرنامج ولعلاقتهم بمعده ومقدمه، وغير ذلك من الأنشطة الإعلامية للهيئة… إلا أنه وبعد اليوم العربي للمسرح الذي نظم في الشارقة، بدأ يتضح أن هناك شخص لم يعد يرغب في استمرار هذه الوثيرة، وهذا النشاط بهذا الشكل،وبدأت تصدر تصرفات لا مهنية من طرفه، فقررنا أنا والزميلالنفاليمغادرة الهيئة، والتفرغ لمشاريعنا الثقافية والمسرحية،فكان أن انتهت عقدتي مع الهيئة دون تجديد واستقالة الأستاذ النفالي.. هي تجربة لها ما لها وعليها ما عليها، فقط على العاملين والمسؤولين الحقيقيين في الهيئة، أن ينتبهوا إلى أن مشروع الهيئة العربية للمسرح بدأ يتآكل ويستنفذ إشعاعه ودوره الذي من أجله أسس سمو الشيخ سلطان القاسمي الهيئة العربية للمسرح..أي أن يكون بيتا للمسرحيين العرب جميعا، لابد من وقفة تأملية حقيقية وتطهيرها مما يضر بها…
- بعد تجربتك مع الهيئة، كيف ترى موقع المسرح المغربي ضمن خارطة المسرح العربي؟
المسرح المغربي إبداعيا يعرف تطورا ملحوظا ونضجا مهما، يتمثل في تعدد تجاربه واختلاف رؤى مخرجيه وكتابه وصناعه والحضور القوي للممثلين والممثلات، سواء على الخشبات المغربية أو العربية وحتى خارج العالم العربي، ولو أننا ما نزال نحتاج إلى بلورة إستراتيجية ناجعة للحضور والتواجد في المهرجانات الدولية والخشبات العالمية.
- أين تكمن عناصر قوته وضعفه؟
تكمن قوة المسرح المغربي في تاريخه ورصيده الجمالي والمعرفي الكبير والمهم، وأيضا في إبداعه وبحثه الفني والجمالي، أما ضعفه،فأعتقد أنه يكمن في الإدارة والتنظيم،وبالتالي لا بد من أن يكون للوزارات الوصية على قطاع المسرح إرادة سياسية حقيقية لتنظيمه وضبط مواعيده الوطنية، وأن نبلور مواعيد عربية ودولية فنية للمسرح المغربي، إذ لم يعد مقبولا أن لا يكون هناك ولا مهرجان واحد عربي أو دولي في المغرب تنظمه وزارة الثقافة، هذا تساؤل كبير علينا الإجابة عنه.
- بعد عودتك إلى المغرب، استفادت فرقتكم (دوز تمسرح) من دعم التوطين المسرحي في مراكش لموسم 2023.. وكما نعلم، إن التوطين يعتمد على برنامج مكثف للأنشطة المسرحية في المنطقة.. ماهي الإكراهات التي واجهتموها كمسؤولين إداريين وفنيين لتنزيل البرنامج؟
التوطين المسرحي في المغرب مشروع واعد.. وتصور المسرحيين ومن بلوره ووضع عناصره وأهدافه إدارة ومبدعين، يأملون في أن تشتغل الفرق المسرحية المغربية في بنيات استقبال ثقافية حاضنة للتجربة المسرحية، وأن تكون لهم مواعيد ثقافية وفنية معلن عنها ومعروفة حتى يكون هناك جمهور حقيقي يتابع التجارب المسرحية ويتفاعل معها.. وأعتقد أن مشروع التوطين المسرحي مشروع واعد ونجح في تحقيق بعض من أهدافه،وما نزال نطمح إلى تجاوز الهنات، وأن يلتزم المسرحيون بالتزاماتهم اتجاه الإدارة وأن تلتزم الإدارة بمواعيد تسليم الدفعات وبمتابعة ومراقبة أنشطة التوطين المسرحي وكافة أشكال الدعم المسرحي.. المبالغ المالية المقدمة تفي نسبيا بالمطلوب، لكن المشكل أنها لا تمنح في الوقت المحدد لها.. فمثلا لم تتسلم بعد، هذا الموسم، الفرق المسرحية الدفعة الأولى حتى لحظة جوابي هذه على سؤالك. لا الفرق المستفيدة من التوطين ولا المستفيدة من دعم الإنتاج، في حين من المفروض أن تتوصل اليوم الفرق التي قدمت عرضها الأول الدفعة الثانية.
- بلغ مبلغ دعم التوطين المسرحي الذي استفادت منه فرقتكم 50 مليون سنتيم، في نظرك، هل هذا المبلغ كافي لتنزيل برنامجكم الفني والثقافي بالمركز الثقافي الداوديات في مراكش؟
أولا ندبر ذلك من خلال نسبة 30 في المائة المطلوب توفيرها من الفرق،ولكن عندما نتجاوز هذا المطلوب منا في التزامنا مع وزارة الثقافة، نوفر الباقي من جهدنا ومالنا الخاص،وتعول الفرق على التواطؤ الجميل والكريم من المثقفين والمسرحيين الذين يشاركون مع هذه الفرق في أنشطة التوطين ضمن الندوات أو الورشات أو توقيع الكتب وحتى الفنانين المشاركين في العروض المسرحية.. هذا واقع يعرفه المسرحيون والمهتمون بالشأن المسرحي جيدا.
- سجلتم قبل حوالي 10 أشهر مسرحية “صباح ومسا” للتلفزيون في إطار برنامج “المسرح يتحرك”، لكن إلى غاية الآن، لم تتوصلوا بعائداته المالية.. لماذا هذا التأخير؟ وهل المشكل يمكن في الفرقة أم في الوزارة؟
سجلنا عرضنا المسرحي للتلفزيون وبتعاقد مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة في شهر فبراير.. ونحن الآن في شهر نونبر، أي ما يناهز 10 أشهر والفنانون ينتظرون تعويضهم عن العرض الذي سُجل وتم إعداده وتقديمه من طرف الفرق تقنيا وفنيا وماديا.. حتى الآن ننتظر،ولم تخبرنا الوزارة بأي شيء.. لا نعرف ما المشكل،كما لم نتوصل لا برسالة ولا بتوضيح ولا بأي شيء، بل راسلنا الوزارة واستفسرتهاالفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، كما أنه تم تنظيم تنسيقية الفرق التي قدمت العروض ولم تُعَوَّض حتى الآن، وراسلت الوزارة الوصية في ذك ولا جواب حتى هذه اللحظة..
- باعتبارك فاعلا مسرحيا، كيف تقيم أداء الإطارات التمثيلية في علاقتها بالفنانين والفرق المسرحية المحترفة؟
لإطارات التمثيلية ليست إلا نحن المسرحيون أنفسهم، ووضعنا تعكسه تمثيلياتنا.. تمثيلياتنا مرآتنا التي نرى فيها أنفسنا وحالنا.. إذا ما كانت لدينا تصورات واضحة للوضع المسرحي والثقافي عامة في المغرب فكذلك ستكون تمثيلياتنا، وإذا كنا لا نبالي ونترك الأمور تسير على عواهنها فمرآتنا لن تكذب علينا.. تمثيلياتنا هي نحن وكل من لديه منا نقد أو تصور أو رؤيا فليتقدم لتعكس تمثيلياتنا رؤيته وتصوره مع الآخرين الذين يضحون بوقتهم وجهدهم…
- لنعد إلى الفرقة وجديدها، مسرحية “فطائر التفاح” التي قمت بإخراجها.. ما الذي يميز هذا العمل عن مسرحياتك السابقة، خاصة التابوت وصباح ومسا؟ وماهي الآفاق الممكنة لحضوره في التمثيليات على مستوى المهرجانات الدولية والعربية والقطرية..؟
مسرحية فطائر التفاح نص الكاتب السوداني أمجد أبو العلا،دراماتورجيا وإخراج عبد الجبار خمران تشخيص رجاء خرماز، زينب الناجم، نور الدين سعدان، زكرياءحدوشي وسينوغرافيا يوسف العرقوبيأما الكوريغرافيافهي لتوفيق ازديو…وتتأسس رؤيتنا لعرض مسرحية “فطائر التفاح” على بناء معادلات بصرية لمقولات النصالإنسانية، التي صاغها الكاتب بأسلوب الثنائيات: الحياة والموت، الحب والنفور، الكتابة والنسيان، الشاعرية والرتابة… مع معالجة لتيمة مرض السرطان بطريقة رمزية.. فآدم في المسرحية مصاب بالسرطان، ومخيلته أيضا توقفت عن إنتاج المعنى (ككاتب)… علاقة آدم بزوجته رمز لأي علاقة انتابها الخلل واقتربت من الانتهاء، وابتعدت عن إنتاج العواطف والأفكار…المرجعية الميتافزيقية للخطيئة (أكل التفاحة والنزول من مكان كان أجمل وأفضل في حياة الزوجين) حاضرة كخلفية للأحداث، ليُطرح سؤال من المخطئ، من الذي أنزل العلاقة -بين أي شخصين- من جنة التفاهم إلى جحيم النزاع؟ كل ذلك يتخذ حالته الدرامية هنا / الآن في المعاش اليومي داخل علاقة زوجية متوترة: الجسد ينزل من حالة الصحة إلى المرض، والزوجة لا تبحث إلا عن الاهتمام بها ضدا عما يضيعه آدم من زمن عند نزوله إلى جحيم كتبه وكتابته – في نظرها– أما جنة الكتابة في نظره هو، فقد طُرد منها بسبب المرض وشح الكتابة، وطبيعة العلاقة الزوجية المتوترة. عموما، يمكن القول، إن المسرحية مقترح جمالي لمقطوعة فنية تتداخل فيها عناصر التمثيل والرقص والموسيقى والشعر والسرد… أما عن آفاق مشاركاتها في المواعيد المسرحية وطنيا وعربيا فذلك متروك للعرض المسرحي، كسابقيه، فالعرض هو الذي يصنع حياته الفنية والثقافية.