أجرى الحوار: أحمد العلمي
2/2
بمناسبة احياء الذكرى العاشرة لوفاة الراحل – التهامي الخياري، التقت المنعطف برئيس المؤسسة لنقش حصيلة المؤسسة منذ التأسيس ، وما هي الملفات التي لامستها علما ان هذا الفضاء هو بالفعل يعكس توجه جزب جبهة القوى الديمقراطية في الدفاع عن القضايا الراهنية ثم صياغة العديد من الاجوبة حول القضايا المطروحة للنقاش ثم تشريح واقع الثقافة والبحث العلمي والتكوين ثم الدفاع عن الديمقراطية وتطوير آلياتها.
– بناء على ما تفضلتم بطرحه من أفكار تلامس حجم وأهمية التحديات والرهانات التي ينبغي للمغرب كسبها بغية إحداث نقلة نوعية على درب النهضة الثقافية والعلمية والتقدم العلمي والتكنولوجي، وبما يقوي الاقتصاد ويحقق التنمية البشرية والمجالية، فما هي السبل إلى ذلك في تصوركم؟
من هذه الزاوية، أعتقد بأنه لابد من اعتماد مقاربة متدرجة حسب الأولويات، وفي تقديري، ينبغي البدء ببلورة مخطط وطني للنهضة العلمية والثقافية والفنية ثلاثي الأبعاد، ضمن رؤية مندمجة للنهضة الاقتصادية والسياسية والثقافية العلمية، وهو الشيء الذي يستوجب بالضرورة كذلك، مراعاة البعد الجهوي وخصوصيات المجال الترابي للملكة سعيا لتكريس أهم أبعاد العدالة المجالية في المجال الثقافي، مع مواكبة الإبداع والإنتاجات المحلية وتجويدها والعناية بأوضاع المبدعين والمنتجين ومرافقة الإبداع الشبابي وتطوير سياسة دعم الإنتاج الوطني ونشره وتفعيل التعاون الثقافي الدولي، كل ذلك، وفق قواعد الجودة والتنافسية والمهنية والشفافية والشراكة. وتأسيسا على ذلك، فإن إحداث النقلة النوعية يتأتى بالاستثمار في الكفاءات والمواهب والموارد البشرية الناشئة والناضجة، عبر دعم الإبداع الثقافي والفني وتحسين أوضاع العاملين في هذا القطاع، فإن الدولة مطالبة بالحرص على ضمان الحقوق الثقافية وحق الولوج إليها لكل مكونات وتعبيرات القطاع، والأهم من ذلك، أن تسهر السلطات العمومية المختصة على تكريس ثقافة الاعتراف لكل صناع الفكر والقيم والجمال وتثمين ، وضمان وتحصين المكتسبات وترقية الحقوق المادية والأدبية، في إطار من الحرية والانفتاح واحترام التعددية والتنوع في إطار الهوية المغربية الموحدة…وتلكم في اعتقادي المتواضع، المرتكزات والمداخل المنهجية لنهضة ثقافية حقيقية، بما هي شروط لازمة لتطوير المجتمع برمته، وملازمة لأي إبداع حر متنور نهضوي واع ومسؤول.
– لقد تحدثتم عن المداخل المنهجية لمقاربة سؤال النهضة الثقافية والعلمية كمرتكز للتنمية المجتمعية الشاملة ولامستم أهم التحديات والرهانات المطروحة على بلادنا في هذا الخصوص، فما هي يا ترى التحديات المطروحة على بلدنا في جانب الدمقرطة والتحديث عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمدنية والسياسية ؟
أود أن أشير إلى أن التجارب الكونية للمجتمعات التي عرفت تحولات ونقلات حضارية بارزة في تاريخها، مرت في الغالب عبر بوابة العناية بالثقافة والمعرفة والفنون والعلوم وأحدثت لذلك البنيات والمنشئات التربوية والتعليمية ورصدت امكانيات مادية وبنيات استقبال تربوية ومدنية وحقوقية وتنشئة سياسية عبر مؤسسات حزبية ونقابية وترافعية قويمة وديمقراطية قائمة على قيم الوطنية والمواطنة والحكامة والنزاهة وربط المسؤولية بالكفاءة واستتباعها بالمحاسبة. فالأمم التي قامت بثورات ثقافية وعلمية وطورت منظومتها القيمية بما يستجيب لمعايير الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمجالية، استطاعت نقل مجتمعاتها من التخلف إلى مدارج التقدم والرقي ضمن ركب الأمم العظيمة. ومن هذا المنطلق، أتصور بأن أي مخطط للتنمية الثقافية يستوجب بالضرورة توفر جملة من المقتضيات الأساسية والمبادئ والمنطلقات تتمثل في:
بلورة رؤية تنموية مسنودة بإرادة سياسية حقيقية، تروم دمقرطة الفعل الثقافي وتعميم الاستفادة من المنتوج الإبداعي في كل تجلياته، تحصين الهوية الوطنية المتنوعة الروافد والمكونات في انفتاحها على العالم، ولتحفيز الإبداع الثقافي والفني في إطار الحرية والمسؤولية والمواطنة المسؤولة، يتطلب ذلك وضع تصور جديد للتعاطي مع الشأن الثقافي العام ببلادنا، يكون مدخله الأساس، الاعتناء باللغات الوطنية الرسمية؛ العربية والأمازيغية، ثقافة وتعبيرات لسنية، بالإضافة للعمل على ترقية مختلف التعبيرات الثقافية المغربية الأخرى. ولمأسسة هذا المشروع وضمان استدامته ونجاعته، لا بد من اعتماد مقاربة تشاركية مع مجموعة من القطاعات الحكومية والجماعات المحلية، وتفعيل دور المجتمع المدني وإشراكه في وضع البرامج وإنجازها وتتبعها وتقويمها، والاهم من ذلك كله تكريس نهج الحكامة الجيدة في تدبير الشأن الثقافي.
وكمداخل مستعجلة لتحقيق الأهداف المسطرة للمشروع، لا بد من العمل على تطوير ملائمة مضامين النصوص القانونية المؤطرة للقطاع الثقافي وفقا لمقتضيات الدستور الجديد من جهة، ورفع ميزانية الدولة المخصصة للشؤون الثقافية مع ضرورة العناية والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية والمهنية للمثقفين والمبدعين من نساء ورجال الثقافة والفنون. كل ذلك، يتطلب أيضا بلورة استراتيجية تواصلية تجعل الشأن الثقافي في صلب التنمية المجتمعية، توسيع فضاءات القراءة والأنشطة الثقافية وتقريبها من القرى والمناطق النائية، إشراك الكفاءات بالوزارة في التدبير وربط المسؤولية بالمحاسبة، توسيع إشراك ودعم القطاع الخصوصي للشأن الثقافي، وتعبئة الإمكانيات المادية المطلوبة لتدبير وتوفير وتأهيل الموارد البشرية.
– عطفا على ما سلف، ولكي تقوم مؤسسة الدراسات والأبحاث – التهامي الخياري، في ارتباطها الانساني والقيمي بجبهة القوى الديمقراطية، بأدوارها المجتمعية وتؤدي مهامها العلمية والفكرية والتثقيفية كرسالة نبيلة في خدمة الانسان والمجتمع، ما هي الوصفة المطلوبة في نظركم من لتحفيز ودعم وتشجيع المؤسسة ومثيلاتها لكي يساهموا في تنشيط الحياة الثقافية والعلمية وفي انتاج القيم والأفكار والنخب؟
اعتبارا للمقتضيات المعيارية المتصلة بمنظومة العمل الحزبي، بفعل التشريعات والتعديلات، المجسدة للحرص الملكي على توطيد البناء المؤسساتي الديمقراطي، والدفع بهذه التشريعات لجعل الأحزاب السياسية الوطنية تواكب التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، وقادرة على الفعل الإيجابي فيها، ندعو إلى:
– تعزيز نجاعة أداء تدبير الأموال العمومية، من خلال الانخراط في المقاربة الشمولية والمندمجة لتدبير المالية العمومية المرتكزة على النتائج. وذلك قصد تعزيز الفعالية وتحسين جودة الأنشطة الممولة من خزينة الدولة، وكذلك تعزيز مسؤولية المدبرين، عبر ترسيخ ثقافة تدبيرية في خدمة التنمية والقيمة المضافة.
– تخصيص الدعم الإضافي الموجه للأحزاب السياسية، من أجل مواكبة عملها لإنتاج الأفكار والتحاليل والابتكار، بقصد تحقيق الأهداف التالية:
– تنشيط الحياة الحزبية في مجال التأطير وإبراز الطاقات المنتجة للأفكار والمفاهيم، وللخطاب السياسي المعبر عن تصورات الهيئات الحزبية في شتى المجالات المجتمعية؛
– استقطاب وتأهيل الموارد البشرية المنتسبة تنظيميا للهيئات الحزبية وطنيا وجهويا بغية إفراز النخب الجديدة وطنيا وجهويا ومحليا؛
– إنتاج دعامات وحوامل ومنشورات وإصدارات حول مختلف القضايا والأسئلة المعرفية والسوسيوثقافية ذات التأثير في الحياة الحزبية والسياسية؛
– تمكين الهيئات الحزبية من أدوات التواصل والتفاعل مع المجتمع والمساهمة في تأطير المواطنين فكريا وسياسيا والتعبير عن قضاياهم بشكل علمي يؤسس لثقافة سياسية مبنية على المشاريع والبرامج الحزبية؛
– عصرنة عمل الهيئات الحزبية كمؤسسات لإنتاج الفكر والمشاريع وتغذية مرافق الدولة بالكفاءات وإرساء دينامية جديدة لدوران النخب؛
– توفير الظروف المناسبة للكفاءات والأطر الحزبية للإسهام معرفيا وإبداعيا والحضور بكثافة في مختلف التظاهرات والأنشطة والمهام الحزبية بالداخل والخارج، بغية إحياء وتجديد وإشعاع العمل السياسي المؤطر والمؤثر في ديناميات المجتمع.
ويتعين أن يصرف الدعم الموجه لإنتاج الأفكار والنخب، بناء على برامج، لمواكبة أنشطة:
1-الهيئات المنتجة للمعارف:
- المؤسسات العلمية والثقافية الحزبية؛
- مراكز البحث والدراسات الحزبية أو المتعاقدة؛
- دور نشر متخصصة في إصدار المعارف ذات الصلة.
2- الفعاليات والكفاءات العلمية والثقافية والفنية المنتسبة للأحزاب السياسية.
ونقترح أن يمنح الدعم على أساس برنامج سنوي يقدمه الحزب يبين فيه مجمل الأنشطة المزمع تنظيمها أو القيام بها خلال السنة في مجالات:
– التأطير الفكري والعلمي والتواصلي من ندوات وملتقيات ومنتديات وإصدارات ومنشورات، إنجاز المهام المزمع المبرمجة من لدن المؤسسات البحثية الحاضنة للأطر والكفاءات الحزبية سواء في نطاق برامج التأطير السياسي والتواصلي داخل التراب الوطني أو خارجه. ويرجى العمل كذلك على تقديم دعم تحفيزي للباحثين والمختصين الراغبين في تقديم مشاريع لإنجاز دراسات وأبحاث نظرية وميدانية حول مختلف القضايا والإشكاليات المجتمعية المتصلة بتعزيز خبرات الهيئات السياسية وتقوية عرضها السياسي للمجتمع وإثناء الحملات الانتخابية. ويستحب دعم ملتقيات علمية وثقافية وفنية في إطار التعاون وتبادل التجارب بين الهيئات الحزبية داخليا حول القضايا الراهنة وطنيا أو جهويا، ومع هيئات حزبية من الخارج حول قضية أو مواضيع تهم تطوير العلاقات أو تعزيز التعاون والتقارب بين البلدان المعنية.
– يمنح الدعم وفقا لدفتر تحملات تلتزم به الهيئات الحزبية وحسب البرنامج المقدم من طرف الهيئات الحزبية مطلع كل سنة بناء على أهمية الأنشطة والمجالات والمحاور التي يشملها الدعم وفقا للأهداف المسطرة، بحيث يتضمن البرنامج المقدم للدعم بالإضافة إلى المجالات والمحاور والأنشطة المطلوب دعمها، أجندة زمنية مدققة للإنجاز والتأثير والآثار المتوقعة للنشاط على المواطنين أو بالنسبة للصدى داخل فئات المجتمع او لدى الفئة المستهدفة بالنشاط بناء على تقييم معياري خاص حول:
– نسبة التتبع أو الاستهداف المحقق فيما يخص الحضور الجماهيري والمواكبة الإعلامية للنشاط وصداها المجالي؛
– أهمية ووجاهة المنتج، الإصدار، المنشور، الدراسة والبحث المنجز في علاقته بالقضايا المطروحة للمعالجة والاجوبة والحلول المقترحة سواء في مجال تعزيز وإبراز العرض السياسي للحزب أو المساهمة في نشر الوعي المجتمعي والتعريف بالقضايا وتفكيك الإشكاليات وتقديم المقاربات الممكنة حولها بالنسبة للدولة والمجتمع.
كما نطالب بإحداث جوائز سنوية للمؤسسات الثقافية والعلمية ومراكز البحث ذات الصلة بالأحزاب السياسية تخصص لأنجع وأهم إنجاز في مختلف مجالات المعرفة السياسية، عبر دعم مشاريع مبتكرة للشباب المنتسب للهيئات السياسية (على غرار صندوق الدعم لتقوية قدرات النساء)، والمتعلقة بالأنشطة الثقافية والرياضية والتواصلية، التي تشجع هذه الفئة على العمل والانخراط السياسي.
– ونقترح أن يمنح الدعم على شطرين: 70 في المائة عند قبول البرنامج، وتكملة 30 في المائة عند بلوغ نسبة الإنجاز 70 في المائة الممنوحة مسبقا، ويتم تجدد منح الدعم بناء على تقارير الانجاز ونسب تحقيق الأهداف المعلنة في دفتر التحملات.