أجرى الحوار: أحمد العلمي
1/2
بمناسبة احياء الذكرى العاشرة لوفاة الراحل – التهامي الخياري، التقت المنعطف برئيس مؤسسة الدراسات والابحاث “التهامي الخياري| لنقاش حصيلة المؤسسة منذ التأسيس ، وما هي الملفات التي لامستها علما ان هذا الفضاء هو بالفعل يعكس توجه جزب جبهة القوى الديمقراطية، في الدفاع عن القضايا الراهنية ثم صياغة العديد من الاجوبة حول القضايا المطروحة للنقاش ثم تشريح واقع الثقافة والبحث العلمي والتكوين ثم الدفاع عن الديمقراطية وتطوير آلياتها.
1 – بداية، وأنتم تحييون الذكرى العاشرة لوفاة المثقف والاقتصادي والمناضل السياسي الراحل التهامي الخياري، نريد استقراء وجهة نظركم حول واقع الحياة الثقافية والعلمية ببلادنا وما هي ممكنات تحقيق التنمية وتعزيز الديمقراطية ببلادنا عبر تثمين حقول المعرفة العلمية والثقافية والفنية كمداخل أساسية للتنمية المجتمعية ؟
بداية، أتوجه باسمي الخاص وبالنيابة عن المكتب التنفيذي للمؤسسة وكل منتسبيها من باحثين ومثقفين وقادة رأي، بأصدق عبارات التقدير والعرفان لما قدمه الفقيد سي التهامي رحمه الله، من أعمال جليلة على مختلف الأصعدة العلمية والثقافية والبحثية والنضالية، ستظل تشكل إسهاما مميزا في خدمة المجتمع ونصرة قضايا الوطن في سبيل بناء الدولة الديمقراطية الاجتماعية المتقدمة. كما سيظل المرحوم، علامة لمسار مميز وعلما من الأعلام الكبار للمغرب.
علاقة بسؤالكم، واستنادا للمقتضيات الدستورية الناظمة للحقوق الثقافية والحق في الولوج إليها، بات من الضروري العمل على تغيير النظرة والمقاربات الشكلانية للمسألة الثقافية، وللهوية الدامجة لمختلف مكونات الأمة بتعبيراتها المتنوعة، في إطار مشروع خطة وطنية تتجاوز تلك المقاربات الترقيعية والريعية المتجاوزة، ضمن محاور البرنامج الحكومي لهذا الحزب أو ذاك.
وعلى هذا الأساس، أتصور بأن مقاربة جدلية الديمقراطية والتنمية المجتمعية في تكاملها مع القضايا المتصلة بارساء قواعد النهضة الثقافية والعلمية للوطن وضمنها ترقية الإنسان والمجال، لابد لها من توفر ثلاثة مداخل منهجية، تتمثل أولا في وجود إرادة سياسية للدولة والفاعلين الأساسيين في المشهد الثقافي تروم إحداث التغيير في البنى والتفكير ورسم السياسات العمومية في القطاع، وثانيا، وجود شركاء ذاتيين ومؤسساتيين قادرين على بلورة مشروع ثقافي وعلمي للنهضة والتنمية المجتمعية، وثالثا، رصد الموارد والإمكانيات المادية والانشاءات والبنيات الضرورية للتنشئة والتربية والتثقيف والتعليم والتداول العمومي حول القضايا والإشكاليات الحقيقية للتنمية الثقافية وبناء الإنسان، ذاك الكائن المواطن المبدع المتلقي للمعارف والمنتج للقيم، التفاعل بفكره ومهاراته، الواعي بذاته وسياقه السوسيو ثقافي ومع الاخر المختلف.
وبالنسبة لبلدنا اليوم، فإن شروط النهضة والإقلاع الثقافي والعلمي قائمة على هذه المستويات الثلاث، ولو بدرجات متفاوتة، بحيث نجد المرتكزات المرجعية للدستور الجديد تنص على أن “المملكة المغربية دولة ذات سيادة كاملة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوأ المقومات الثقافية والروحية العريقة والمشتركة بين مختلف مكونات الأمة، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.
ومن هذا المنطلق، جاءت مضامين دستور 2011، بما هي خلاصات مسار تحديثي للبنيات والدهنيات، واستشرافات دالة ومحملة بقيم العدالة الاجتماعية والمجالية وتحرير الطاقات والمؤهلات الثقافية والعلمية وتثمين المعارف والمهارات كجزء من التراث الحضاري للمغرب، تلكم المقتضيات الدستورية التي أفرزها الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يروم تطوير ودمقرطة الدولة والمجتمع على حد سوا. وهي نفس المقتضيات التي تكرس وترعى وتؤكد على أن “حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة.” وأن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل إشكالها بموجب أسمى قوانين البلاد .”
ومن هذا المنطلق، يتوجب على الدولة “الرؤية” وتحيين المخطط التنموي عبر بوابات المعرفة العلمية والثقافة والفنون كأفق استراتيجي حيوي ومستقبلي للنهضة المجتمعية الشاملة، عبر الاستثمار في الرأسمال اللامادي بكل تجلياته المادية والفكرية والمعرفية والعلمية والتراثية كمدخل أساس لإرساء قواعد الاقتصاد الجديد للمملكة؛ أي الاندراج في أفق اقتصاد المعرفة. وعلى هذا الأساس، ينبغي الخروج من منطق التفسير السطحي للمقتضيات الدستورية المتصلة بالشؤون الثقافية والعلمية والفنية وحرية الابداع والتعبير والتفكير، وتركيز التفسيرات المختلفة في باب «حث الحكومة” على النهوض بالثقافة والإعلام الوطنيين وتقوية انخراطهما في جهود التنمية والتحديث.
2 – بناء على هذه المقدمة التمهيدية، كيف تنظر مؤسستكم لهذه الإشكالية؟ وهل لكم أن تضعوا القارئ في صورة الرهانات الأساسية التي ينبغي للمغرب بلورتها ضمن نموذجه التنموي الجديد في مجال التنمية الثقافية والعلمية؟
كمدخل للتفاعل مع سؤالكم، أود في البداية أن أنهي إلى كريم علمكم وعموم القراء، بأن المؤسسة ومنذ تأسيسها يوم 23 فبراير 2020 الذي صادف إحياء الذكرى السابعة لوفاة فقيد ومؤسس حزب جبهة القوى الديمقراطية، قد نظمت سلسلة اللقاءات العلمية والفكرية مع ثلة من الشخصيات الأكاديمية والثقافية والأدبية، التي استضافتها مؤسسة الدراسات والأبحاث – التهامي الخياري ضمن برنامجها العلمي والثقافي لسنة لموسم 2020 – 2021، حول عديد القضايا المجتمعية والأسئلة المعرفية البارزة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا الراهن، والموسوم أساسا، بالتحولات المجتمعية والقيمية التي أفرزتها جائحة كورونا أطرها الأستاذ الباحث سعيد بنيس، وكذا استشراف تداعياتها الاقتصادية والجيوسياسية من تأطير الأستاذ الباحث والمناضل السياسي والوزير الأسبق ، محمد سعيد السعدي، وقضايا التنمية الثقافية والرأسمال اللامادي في عالم الغذ، باستضافة نخبة من المثقفين العرب المشارقة والمغاربيين.
كما عملت إدارة المؤسسة وتنفيذا لمقررات للمكتب التنفيذي، المخصص لتسطير برنامج العمل الثقافي والعلمي والتواصلي للمؤسسة برسم سنة 2021، على اعتماد رزنامة مقترحات للأنشطة الفكرية والثقافية الكبرى للمؤسسة، والتي تتمحور موضوعاتها المختلفة حول رهانات «السوسيولوجيا والمجتمع”.
استهل بإستضافة د. عبد الله ساعف، الأستاذ الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، رئيس مركز الدراسات الأبحاث في العلوم الاجتماعية، لإلقاء الدرس الافتتاحي لبرنامج الموسم الثاني للمؤسسة، والذي يتضمن مدخلا حول العلوم السياسية، مع استحضار أبرز خلاصات المنجز العلمي للراحلين:
التهامي الخياري؛ و عبد الكبير الخطيبي. وسيتم بث هذا الدرس العلمي من خلال الوسائط عن بعد، وذلك يوم الخميس 25 فبراير 2021، ابتداء من الساعة السادسة مساء، بتطبيق زووم، عبر الصفحة الرسمية للمؤسسة، واختتامه بالندوة الختامية للموسم الثقافي و العلمي2021 في محور “السوسيولوجيا و المجتمع: الأنسنة و النوع الاجتماعي” حول موضوع “الأنوثة والروحانية“ “Féminité et spiritualité” من تأطير الباحثة و الأديبة والمترجمة ثريا إقبال، وذلك يوم الأربعاء 15 دجنبر الجاري بمقر المؤسسة بالرباط. وتعتبر هذه المواضيع على سبيل المثال لا الحصر، قضايا وأسئلة مركزية في نسق الحياة الثقافية الراهنة للنخبة والمجتمع في الراهن، وبما تشكله من استشرافات دالة لفهم رهانات المستقبل.
وهكذا فأن الرهانات الحضارية والمجتمعية الكبرى للمغرب اليوم، تستدعي من كل الجهات المعنية بالشأن الثقافي ،أصحاب القرار، ومختلف الفاعلين في الحقول الثقافية والعلمية والقنية والتراثية، الاجتهاد والعمل سويا بنظرة مستقبلية تستحضر مصالح الدولة والأمة في نطاق التحولات الكونية الاقتصادية والعلمية الجارية من حولنا بقوة جارفة. وهي تحديات مجتمعية كبرى، تتطلب منا جميها التحلي بقسط وافر من الغيرة الوطنية المواطنة مع الشعور بواجب السعي الجماعي للإسهام في تقوية عوامل النهضة والتقدم والتطوير والتنوير للمجتمع الذي نعيش فيه وسنتركه بعد حين للأجيال الصاعدة…ومن هذا المنطلق، ينبغي للشأن الثقافي بكل مضامينه وأبعاده أن يمثل أولوية يتم إدراجها ضمن مقاربة مندمجة تقوم على جعل السياسة الثقافية والفنية دعامة لتعزيز الهوية الوطنية وتعزيز الانفتاح على الثقافات والحضارات.
إن استثمار تنوع مكونات وروافد الثقافة المغربية، وتعددها وغناها، والارتكاز على مبادئ الحرية والمسؤولية والإبداع، والتربية على قيم المواطنة الإيجابية، ستمكن بلدنا من استرجاع وهجه الحضاري وتأثيره الثقافي والعلمي والفني في محيطه الإقليمي والدولي بالشكل الذي يعبر عن عراقة وعبقرية وإشعاع الحضارة المغربية سليلة الامجاد والمعالم والأعلام والمعارف والعلوم، ولعلة ما قدمته الاسهامات الثقافية المختلفة التي انبثقت من تربة المغرب والتي عبرت منه ومرت واستقرت به، مثل ما قدمه تلاقح الامازيغية والعربية في تشكل حضارة الاندلس العظيمة، لخير نموذج للإبداع والتنوع والتطور في إطار وحدة الهوية والمصير.
إن تقدم الدول العريقة لا يتأتى فقط، بتطوير الاقتصاد وتوفير البنيات والمعدات والتمويلات، بل إن إحدى أهم مفاتيح النهضة وتطور وارتقاء الأمم، يمر عبر وضع مخططات استراتيجية كبرى للتطوير والتحديث من الاساسات المشكلة والداعمة لتحقيق النهضة المجتمعية عبر العوامل اللامادية في التنمية المتعددة الأبعاد، وذلك بنهج ثقافة قرب حقيقية من خلال تعميم البنيات والخدمات الثقافية والإعلامية، وصيانة التراث الثقافي والطبيعي وحمايته وتثمينه، وتحسين حكامة القطاعات الثقافية والابداعية، وتحديث التدبير المؤسسي لدائرة الإنتاج والرواج الثقافي والفني ، وإرساء الأسس التشريعية والتنظيمية والخبرات المعرفية لبلورة منظومة إنتاجية محفزة على اندراج بلدنا في أفق العهد الرقمي والصناعات الثقافية المنتجة للقيمة وللقيم.