حاورتها: أمال المنصوري
*هل في نظركم الشروط الضرورية متوفرة لتحقيق المناصفة؟
**أولا قبل الحديث عن الشروط الضرورية لتحقيق المناصفة يجب التطرق إلى مفهوم المناصفة و السياق التاريخي الذي أفرزها , خاصة التعديل الدستوري الاخير الذي أقر المناصفة بالإضافة إلى دسترة جيل جديد من الحقوق للمرأة . فالمناصفة بالنسبة لي هي رافد من روافد العدالة الاجتماعية و آلية من آليات تحقيق التنمية الاقتصادية الحقة ، فلا يمكن تحقيق أي تقدم او تنمية ، و اكثر من نصف المجتمع مهمش و مقصي .
فبلادنا راكمت مجموعة من التجارب و سلكت مسارا طويلا و خصبا في مجال حقوق الانسان خاصة الحقوق المتعلقة بالمرأة و مقاربة النوع الاجتماعي فنحن اليوم أمام نضج شروط تحقيق المناصفة و ليس بالشروط الضرورية , فأي عمل بشري و إنساني هو عمل تراكمي و مسلسل بناء .
فمن المؤكد أن القانون لا يقدم حلا لكل المشاكل، ولا يكفي وحده لكي تجد النساء مكانتهن الطبيعية داخل المجتمع وكذا المساواة في الفرص لتقلد المناصب القيادية، من بينها تلك التي تهم المسؤولية واتخاذ القرار والمشاركة في السلطة.
ما نحتاجه اليوم هو توفر الارادة الحقيقية لدى كل الفاعلين و الابتعاد عن التدافع المجاني الذي تعد فيه قضية المرأة ملفا للمزايدات الفارغة .
*هل تجاوزنا مرحلة الكوطا كبوابة للمساواة لننتقل إلى المناصفة؟
**الكوطا هو تمييز في حق المرأة، على المرأة اليوم أن تتحلى بالشجاعة لفرض نفسها دون حاجة لصدقات، إنها أي الكوطا تكريس لدونية المرأة و اعتراف ضمني بعجزها عن مجاراة الذكورة، لكن هذا لا ينفي ان الكوطا ساهمت بشكل كبير في تواجد المرأة بمراكز القرار . وإن تم القبول بإجراءات خاصة واستثنائية، فلا يجب البحث عن مبررات لجعلها دائمة. فالمرأة المغربية تمتلك من المؤهلات ما يمكنها من الصعود عبر آلية الانتخابات ( التي هي من صميم الديمقراطية ) و ليس عبر بوابة اللائحة. استبشرنا خيرا بصدور مرسوم التعيين في المناصب السامية الذي يلزم المؤسسات العمومية بالإعلان عن فتح باب الترشح لشغل المناصب العليا بهدف تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين , لكننا صدمنا بشح أو انعدام أي اسم نسائي بين المترشحين المعينين , لذلك فمقاربة المناصفة هي حق أكثر منه تمييز إيجابي.
*هل الموارد البشرية النسائية مؤهلة للاستفادة من المناصفة و خصوصا في مراكز اتخاذ القرار؟
**هدا سؤال مردود عليه، أظن أنه اليوم لم يعد التساؤل حول وجود موارد بشرية نسائية من عدمه .لقد أبانت المرأة المغربية عن قدرات و كفاءات عالية في جميع الميادين لهذا فالتساؤل حول وجود موارد بشرية نسائية غير مقبول في مغرب اليوم.
* ما هي العوائق السوسيو اقتصادية التي يمكن ان تعرقل الحق الدستوري في المناصفة؟
**للحديث عن هذه العوائق لنبدأ بوصف مختصر لوضعية النساء المغربيات و هي وضعية لا تختلف كثيرا عن وضعية النساء في مختلف البلدان العربية والإسلامية، فإن كانت المرأة المغربية/ المثقفة أو النخبة تمكنت من تحقيق مكاسب عديدة بفضل نضالاتها المستمرة ،تعاني النساء وخصوصا القرويات من التخلف والتغييب والفقر وانعدام التجهيزات الضرورية لتلبية حاجاتهن. كما ترتفع نسب الامية بينهن ،وتمارس النساء عموما أعمالا غير ظاهرة للعيان، ودون أجر الشيء الذي يكرس تبعيتهن الاقتصادية. كما يظلّ النشاط المهني للنساء متمركزاً في القطاعات ذات التأهيل الضعيف، ويقتصر على عدد محدود من المهن. ونجد في الوسط الحضري، كذلك، أن ما يزيد على ثلاثة أرباع من النساء العاملات يشتغلن كعاملات أو مستخدمات، ومعظمهنّ من المساعِدات المنزليات، بالإضافة الى ان معظم النساء النشيطات لا يتوفرن على عقد عمل مكتوب.
وعلى مستوى التكوين المهني، يقتصر تواجد البنات على مسالك تكوينية محدودة، مما تنتج عنه آثار وخيمة ( الحطّ من قيمة بعض المهن في سوق الشغل، التشغيل الناقص، البطالة الخ.).
و أيضا التنشئة الاجتماعية ماتزال تكرس مجتمعا ذكوريا ، الفتاة توجه للاهتمام بالمجال الخاص في حين الفتى للمجال العام . هذا دون اغفال بعض الظواهر السلبية المنتشرة بمجتمعنا و التي تحد من انخراط المرأة بشكل فعال ، التحرش الجنسي مثلا، والذي يعتبر من أبرز ظواهر التمييز المبني على الجنس ،و الذي يظل بمثابة طابو كبير، على الرغم منْ تجريمه.( من طرف القانون الجنائي سنة 2003 ومدوّنة الشغل سنة 2004).
*أي دور للمجتمع المدني في تنزيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالمناصفة ؟
**لقد كان للمجتمع المدني بمختلف تنظيماته دورا أساسيا في توسيع قاعدة المشاركة المواطنة و في التأطير السياسي و الحقوقي للمرأة وكذلك في المشاركة في النقاش العمومي حول مواضيع تخص وضعية المرأة . فمسؤولية الرقي بقضايا المرأة هي مشتركة ولا تتعلق بجهة أو فئة لوحدها وإنما هي قضية كل فئات ومؤسسات الوطن .
..
اليوم نحن مدعوون إلى تكثيف الجهود بغية رسم الاحتياجات الحقيقية للمرأة في ضوء الواقع الذي تعيش فيه، ووضع الإجراءات الفورية التي يتطلب القيام بها لإنصافها، فالقراءة السليمة لوضع المرأة تؤكد بأن الدور الأكبر ينبغي أن ينصرف إلى رفع المعاناة عن المطلقات و الأرامل و النساء في وضعية صعبة و الوقوف على مدى أهمية هذه الفئة من المجتمع و التي تعاني في صمت. لا يجادل أحد في أن المرأة/النخبة استفادت و تمكنت إلى حدود ما أن تحظى بقدر من التمثيل في المؤسسات و المناصب لكن هده الاستفادة تبقى محدودة إذا نظرنا إلى معاناة الغالبية العظمى من النساء . وعلى كافة مكونات الصف الديمقراطي الحداثي تكثيف الجهود و جعل المعركة النسائية من المعارك ذات الأولوية و من أهم الواجهات التي تتطلب توحيد القوى و لمواجهة كل مخططات الارتداد بنا إلى الوراء.
*هل في نظركم الهيئة الوطنية للمناصفة تمثل جميع الحساسيات النسائية الكفيلة بالسهر على تطبيق مبدأ المناصفة؟.
**الهيئة الوطنية للمناصفة هي مربط الفرس، كامرأة جبهوية نطمح إلى عقد ندوة أو مناظرة وطنية تشمل كل الأطياف السياسية بالإضافة إلى مكونات الحركة النسائية و الجمعيات ذات الصلة دون إقصاء أو تمييز و دون نسخ نفس تجربة المشاورات الوطنية حول المجتمع المدني . بهدف الخروج بقرارات جريئة و توصيات تهم الحاضر و المستقبل, للارتقاء بحقوق المرأة في ظل دستور 2011 , و ذلك من خلال التنصيص على حظر كل أشكال التمييز بسبب الجنس و ضرورة تمتع الرجل و المرأة على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية .