عبد النبي الشراط
من بين “مفرزات” المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك محمد السادس بتاريخ 19 أكتوبر 2025، صدر بلاغ للديوان الملكي تضمن العديد العديد من النقاط الإيجابية، وتعديل بعض القوانين الخ.. ومن بين ما ورد في البلاغ المذكور، فقرة أثارت اهتمامي وتقول بالحرف:
“.. ولتحفيز الشباب الذين لا تفوق أعمارهم 35 سنة، على ولوج الحقل السياسي يتوخى هذا المشروع (مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب) مراجعة شروط ترشحهم وتبسيطها، سواء في إطار التزكية الحزبية أو بدونها، وإقرار تحفيزات مالية مهمة لمساعدتهم على تحمل مصاريف الحملة الانتخابية، من خلال منحهم دعما ماليا يغطي 75% من مصاريف حملاتهم الانتخابية.
كما يقترح المشروع تخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا لفائدة النساء دعما لحضورهن في المؤسسة النيابية”
الفقرة من شقين: الشق الأول يتعلق بإغراء و”إغواء” الشباب على المشاركة في الحياة الانتخابية، وليس “الحياة السياسية” حيث سيسمح للشباب أقل من 35 سنة من أعمارهم الترشح “مستقلين” لانتخابات 2026، بمعنى أنهم غير مضطرين للانخراط في الأحزاب السياسية، التي ضمن دورها: تأطير هؤلاء الشباب وتلقينهم أبجديات السياسة ليصبحوا قادة غدا.
أما الشق الثاني من الفقرة الواردة في نفس البلاغ فهي تخص النساء وتمنحهن حقا ليس من حقوقهن، فقط لإرضاء الفريق البشري الذي يدعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية، أي امرأة… المهم تكن امرأة، بغض النظر عن تكوينها السياسي وقدرتها على العمل داخل المؤسسات.
وقد حصر الشق المتعلق بها في البلاغ “تخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا لفائدة النساء دعما لحضورهن في المؤسسة النيابية” نعم لمجرد (حضورهن…) وليس لأي شيء آخر.
أولا: بخصوص الشباب المستقلين: هل يعيد التاريخ نفسه؟
في الانتخابات البرلمانية لسنة 1977، لم يكن القانون حينئذ يشترط الانتماء الحزبي للترشح، وتقدم لذات الانتخابات عدد هائل من الأعيان “المستقلين” للانتخابات وفازوا بأغلبية المقاعد في البرلمان (لم تكن أيضا غرفة ثانية/ مجلس المستشارين) ولاحقا اجتمع هؤلاء فيما بينهم بإيعاز من الدولة وانتظموا في تجمع خاص أطلقوا عليه اسم “التجمع الوطني للأحرار” وبعد الاجتماع خرجوا بقرار تأسيس حزب يحمل نفس تسمية الاجتماع “التجمع الوطني للأحرار” ومن ثم بدأت عمليات تأسيس ما يسمى في أدبياتنا ب “الأحزاب الإدارية” وفي تلك الانتخابات ترأس الحكومة الأستاذ أحمد عصمان، مؤسس الأحرار وأبوهم الروحي، وصهر الملك الحسن الثاني.
بعد الأحرار جاء حزب “الاتحاد الدستوري” بزعامة المعطي بوعبيد وبدأت الأحزاب الإدارية تتناسل، ولم تتوقف لحد الآن.
المشروع الجديد القاضي ب”تيسير” عملية ترشح الشباب أقل من 35 سنة، للانتخابات البرلمانية المقبلة (2026) كانت فكرة ذكية وعبقرية من الدولة التي أرادت أن تحقق منها هدفين على الأقل.
الأول: امتصاص غضب الشباب الذين خرجوا في مسيرات ما عرف ب (جيل زد) ومدهم بمصاريف الحملة الانتخابية حيث ستتحمل الدولة نسبة 75 % منها، وبإمكانهم الترشح خارج الدوائر الحزبية التي تتهم بأنها لا تفسح المجال للشباب…
الثاني: من وجهة نظري الشخصية، المشروع يعتبر رسالة للأحزاب السياسية التي يُتهم بعض قادتها بعدم إفساحهم فرصة للشباب داخل أحزابهم، خاصة وأن هناك مقولة نرددها دائما وهي ( عزوف الشباب عن العمل السياسي والحزبي) والحقيقة من وجهة نظري كذلك، أن الكثير من الشباب لا يرغبون في قطع مراحل التدرج داخل الأحزاب السياسية، ولا يرغبون حتى في النضال داخلها، بل نراهم مستعجلين في تحمل المسؤولية فقط، دون أن يبذلوا مجهودا حتى في قراءة القانون الأساسي للأحزاب التي ينتمون إليها، بالتالي فإنهم يشتكون فقط من عدم إفساح المجال لهم، ولا يدركون أن القيادة تتطلب مهارات خاصة وقدرات فكرية وسياسية جديرة بأن توصلهم لمراكز القرار داخل أحزابهم.
كما أرى (من وجهة نظري دائما) أن الدولة التي شجعت دائما على الممارسة السياسية والحزبية بالتحديد خالفت قاعدتها وأرادت أن تصفع الأحزاب السياسية (من وراء ستار) حين رغبت بالدفع بفئة محددة من الشباب ليتقدموا للانتخابات ك”مستقلين” أو “أحرار” أو “لامنتمون” لكن في حالة فوز هؤلاء الشباب بالأغلبية كيف سيشكلون حكومة فيما ينص الدستور على أن رئاسة الحكومة يتولاها الحزب الفائز على الأغلبية؟ ماذا لو تكررت “واقعة” 1977، وفاز الشباب المستقلون/ اللامنتمون بأغلبية مقاعد البرلمان؟
هل سيتطلب منا أن تتوقف الحركة حتى يتم تغيير الدستور لنضع فيه نصا يجيز إدارة الشباب المستقلين لهذه الحكومة؟ أم ننتظر حتى يؤسس هؤلاء حزبا سياسيا خاصا بهم ثم يقودون الحكومة؟
سؤال آخر: ألم يفكر أصحاب هذه الفكرة في كل الأسئلة السابقة التي طرحناها؟ بالتأكيد فكروا وقدروا ثم قرروا.
السؤال الآخر: هل سيتقدم هؤلاء الشباب للانتخابات في لوائح كما هو معمول به الآن أم سيتقدمون فرادى؟ وإذا تقدموا فرادى فإننا نحتاج إلى قانون انتخابي جديد أيضا، كي يتماشى مع الوضع، وإذا تقدموا في لائحة مشتركة فستكون فرصة للشباب لجني المال من الدولة حتى لو لم تفز لوائحهم أو بعضها، ثم أن هذا الدعم متى سيمنح لهؤلاء قبل الانتخابات وهذا ضد القانون، أم بعدها؟
يعني القصة تحتاج قراءة جديدة وفهم جديد لهذه المعضلة.
كان على الدولة وقد قررت دعم الشباب و”الزج” بهم في متاهات السياسة ودهاليزها وهم لا يملكون خبرة ولا تجربة، أن تدعمهم داخل الأحزاب السياسية نفسها، وكانت الدولة ستربح مرتين: – تشجيع الشباب على الممارسة السياسية من داخل الأحزاب، – ثم تشجيع بقية الشباب على الانخراط في الأحزاب، هذا إذا كانت الدولة تشجع العمل من داخل المؤسسات.
ثانيا: المرأة والانتخابات
لقد جربنا (الكوطة) حيث نعتقد أن المرأة يجب أن تكون موجودة فقط، في مراكز التشريع والقرار، وقبلنا أن تترشح المرأة شكلا في المجالس الترابية بحيث يُشترط في الكثير من الدوائر أن يُضاف اسم امرأة إلى جانب رجل مرشح في دائرة ما، وإذا فاز المرشح الرجل فازت المرأة معه تلقائيا، وهو من (وجهة نظري كذلك أمر غير ديموقراطي) يعني أن المرأة يجب أن تكون حاضة في المشهد الانتخابي بالقوة، – قوة القانون طبعا – وقد تكررت الفكرة في المشروع الجديد، الذي خصص جميع الدوائر الجهوية للمرأة، وقد شهدنا من قبل هذا الريع الانتخابي الذي تتبرع به الدولة للنساء، عبر مشروع “لائحة المرأة” وقبله “لائحة الشباب” وبينما اختفت لائحة الشباب من المشهد وخرجت من الباب عادت من النافذة هذه المرة، لكن بشكل أقوى، أي بدعم سخي من الدولة، أما المرأة فهي حاضرة في كل شيء، عبر اللائحة وغيرها.
وسوف نرى في القادم من الزمن القصير مغزى وحكمة الدولة من هذا الكرم الحاتمي لأجل الشباب، وهل تحضر الدولة لتأسيس حزب سياسي جديد، خاص بالشباب، عكس ما رمت إليه خلال تأسيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” سنة 1977، والفرق بين الماضي والحاضر، أنه في الماضي اعتمدت الدولة في تأسيسها لحزب الأحرار على الأعيان ورجال الأعمال أما في الحاضر فهي ستعتمد على الشباب الفقراء وسوف تمولهم وتسهر على رعايتهم وتأهيلهم.
عبد النبي الشراط
من بين “مفرزات” المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك محمد السادس بتاريخ 19 أكتوبر 2025، صدر بلاغ للديوان الملكي تضمن العديد العديد من النقاط الإيجابية، وتعديل بعض القوانين الخ.. ومن بين ما ورد في البلاغ المذكور، فقرة أثارت اهتمامي وتقول بالحرف:
“.. ولتحفيز الشباب الذين لا تفوق أعمارهم 35 سنة، على ولوج الحقل السياسي يتوخى هذا المشروع (مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب) مراجعة شروط ترشحهم وتبسيطها، سواء في إطار التزكية الحزبية أو بدونها، وإقرار تحفيزات مالية مهمة لمساعدتهم على تحمل مصاريف الحملة الانتخابية، من خلال منحهم دعما ماليا يغطي 75% من مصاريف حملاتهم الانتخابية.
كما يقترح المشروع تخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا لفائدة النساء دعما لحضورهن في المؤسسة النيابية”
الفقرة من شقين: الشق الأول يتعلق بإغراء و”إغواء” الشباب على المشاركة في الحياة الانتخابية، وليس “الحياة السياسية” حيث سيسمح للشباب أقل من 35 سنة من أعمارهم الترشح “مستقلين” لانتخابات 2026، بمعنى أنهم غير مضطرين للانخراط في الأحزاب السياسية، التي ضمن دورها: تأطير هؤلاء الشباب وتلقينهم أبجديات السياسة ليصبحوا قادة غدا.
أما الشق الثاني من الفقرة الواردة في نفس البلاغ فهي تخص النساء وتمنحهن حقا ليس من حقوقهن، فقط لإرضاء الفريق البشري الذي يدعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية، أي امرأة… المهم تكن امرأة، بغض النظر عن تكوينها السياسي وقدرتها على العمل داخل المؤسسات.
وقد حصر الشق المتعلق بها في البلاغ “تخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا لفائدة النساء دعما لحضورهن في المؤسسة النيابية” نعم لمجرد (حضورهن…) وليس لأي شيء آخر.
أولا: بخصوص الشباب المستقلين: هل يعيد التاريخ نفسه؟
في الانتخابات البرلمانية لسنة 1977، لم يكن القانون حينئذ يشترط الانتماء الحزبي للترشح، وتقدم لذات الانتخابات عدد هائل من الأعيان “المستقلين” للانتخابات وفازوا بأغلبية المقاعد في البرلمان (لم تكن أيضا غرفة ثانية/ مجلس المستشارين) ولاحقا اجتمع هؤلاء فيما بينهم بإيعاز من الدولة وانتظموا في تجمع خاص أطلقوا عليه اسم “التجمع الوطني للأحرار” وبعد الاجتماع خرجوا بقرار تأسيس حزب يحمل نفس تسمية الاجتماع “التجمع الوطني للأحرار” ومن ثم بدأت عمليات تأسيس ما يسمى في أدبياتنا ب “الأحزاب الإدارية” وفي تلك الانتخابات ترأس الحكومة الأستاذ أحمد عصمان، مؤسس الأحرار وأبوهم الروحي، وصهر الملك الحسن الثاني.
بعد الأحرار جاء حزب “الاتحاد الدستوري” بزعامة المعطي بوعبيد وبدأت الأحزاب الإدارية تتناسل، ولم تتوقف لحد الآن.
المشروع الجديد القاضي ب”تيسير” عملية ترشح الشباب أقل من 35 سنة، للانتخابات البرلمانية المقبلة (2026) كانت فكرة ذكية وعبقرية من الدولة التي أرادت أن تحقق منها هدفين على الأقل.
الأول: امتصاص غضب الشباب الذين خرجوا في مسيرات ما عرف ب (جيل زد) ومدهم بمصاريف الحملة الانتخابية حيث ستتحمل الدولة نسبة 75 % منها، وبإمكانهم الترشح خارج الدوائر الحزبية التي تتهم بأنها لا تفسح المجال للشباب…
الثاني: من وجهة نظري الشخصية، المشروع يعتبر رسالة للأحزاب السياسية التي يُتهم بعض قادتها بعدم إفساحهم فرصة للشباب داخل أحزابهم، خاصة وأن هناك مقولة نرددها دائما وهي ( عزوف الشباب عن العمل السياسي والحزبي) والحقيقة من وجهة نظري كذلك، أن الكثير من الشباب لا يرغبون في قطع مراحل التدرج داخل الأحزاب السياسية، ولا يرغبون حتى في النضال داخلها، بل نراهم مستعجلين في تحمل المسؤولية فقط، دون أن يبذلوا مجهودا حتى في قراءة القانون الأساسي للأحزاب التي ينتمون إليها، بالتالي فإنهم يشتكون فقط من عدم إفساح المجال لهم، ولا يدركون أن القيادة تتطلب مهارات خاصة وقدرات فكرية وسياسية جديرة بأن توصلهم لمراكز القرار داخل أحزابهم.
كما أرى (من وجهة نظري دائما) أن الدولة التي شجعت دائما على الممارسة السياسية والحزبية بالتحديد خالفت قاعدتها وأرادت أن تصفع الأحزاب السياسية (من وراء ستار) حين رغبت بالدفع بفئة محددة من الشباب ليتقدموا للانتخابات ك”مستقلين” أو “أحرار” أو “لامنتمون” لكن في حالة فوز هؤلاء الشباب بالأغلبية كيف سيشكلون حكومة فيما ينص الدستور على أن رئاسة الحكومة يتولاها الحزب الفائز على الأغلبية؟ ماذا لو تكررت “واقعة” 1977، وفاز الشباب المستقلون/ اللامنتمون بأغلبية مقاعد البرلمان؟
هل سيتطلب منا أن تتوقف الحركة حتى يتم تغيير الدستور لنضع فيه نصا يجيز إدارة الشباب المستقلين لهذه الحكومة؟ أم ننتظر حتى يؤسس هؤلاء حزبا سياسيا خاصا بهم ثم يقودون الحكومة؟
سؤال آخر: ألم يفكر أصحاب هذه الفكرة في كل الأسئلة السابقة التي طرحناها؟ بالتأكيد فكروا وقدروا ثم قرروا.
السؤال الآخر: هل سيتقدم هؤلاء الشباب للانتخابات في لوائح كما هو معمول به الآن أم سيتقدمون فرادى؟ وإذا تقدموا فرادى فإننا نحتاج إلى قانون انتخابي جديد أيضا، كي يتماشى مع الوضع، وإذا تقدموا في لائحة مشتركة فستكون فرصة للشباب لجني المال من الدولة حتى لو لم تفز لوائحهم أو بعضها، ثم أن هذا الدعم متى سيمنح لهؤلاء قبل الانتخابات وهذا ضد القانون، أم بعدها؟
يعني القصة تحتاج قراءة جديدة وفهم جديد لهذه المعضلة.
كان على الدولة وقد قررت دعم الشباب و”الزج” بهم في متاهات السياسة ودهاليزها وهم لا يملكون خبرة ولا تجربة، أن تدعمهم داخل الأحزاب السياسية نفسها، وكانت الدولة ستربح مرتين: – تشجيع الشباب على الممارسة السياسية من داخل الأحزاب، – ثم تشجيع بقية الشباب على الانخراط في الأحزاب، هذا إذا كانت الدولة تشجع العمل من داخل المؤسسات.
ثانيا: المرأة والانتخابات
لقد جربنا (الكوطة) حيث نعتقد أن المرأة يجب أن تكون موجودة فقط، في مراكز التشريع والقرار، وقبلنا أن تترشح المرأة شكلا في المجالس الترابية بحيث يُشترط في الكثير من الدوائر أن يُضاف اسم امرأة إلى جانب رجل مرشح في دائرة ما، وإذا فاز المرشح الرجل فازت المرأة معه تلقائيا، وهو من (وجهة نظري كذلك أمر غير ديموقراطي) يعني أن المرأة يجب أن تكون حاضة في المشهد الانتخابي بالقوة، – قوة القانون طبعا – وقد تكررت الفكرة في المشروع الجديد، الذي خصص جميع الدوائر الجهوية للمرأة، وقد شهدنا من قبل هذا الريع الانتخابي الذي تتبرع به الدولة للنساء، عبر مشروع “لائحة المرأة” وقبله “لائحة الشباب” وبينما اختفت لائحة الشباب من المشهد وخرجت من الباب عادت من النافذة هذه المرة، لكن بشكل أقوى، أي بدعم سخي من الدولة، أما المرأة فهي حاضرة في كل شيء، عبر اللائحة وغيرها.
وسوف نرى في القادم من الزمن القصير مغزى وحكمة الدولة من هذا الكرم الحاتمي لأجل الشباب، وهل تحضر الدولة لتأسيس حزب سياسي جديد، خاص بالشباب، عكس ما رمت إليه خلال تأسيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” سنة 1977، والفرق بين الماضي والحاضر، أنه في الماضي اعتمدت الدولة في تأسيسها لحزب الأحرار على الأعيان ورجال الأعمال أما في الحاضر فهي ستعتمد على الشباب الفقراء وسوف تمولهم وتسهر على رعايتهم وتأهيلهم.
