غابت المصافحة فحضرت الأزمة..
لم تكن الواقعة التي شهدتها كلميم خلال احتفالات الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء مجرد تفصيل بروتوكولي عابر، حين امتنع والي الجهة عن مصافحة مستشار جماعي كان ضمن الوفد الرسمي في مراسيم تدشين عدد من المشاريع التنموية.
السلوك الذي بدا في لحظته عفوياً، تحول إلى مشهد رمزي فاضح، يختزل فيه ما يعتمل في العلاقة بين الإدارة والمنتخبين، بما يعمق الجرح الغائر في كرامة المؤسسات المنتخبة.
والواقع أن هذا الامتناع عن المصافحة يجسد رسالة سياسية غير لائقة، تتجاوز الشخص إلى المؤسسة التي يمثلها، وتبعث بإحساس بالتحقير تجاه العمل التمثيلي الذي يقوم عليه البناء الديمقراطي المحلي.
والأخطر من ذلك أنه حين تصدر الإهانة عن أعلى سلطة ترابية في الجهة، يصبح السؤال أكبر من الواقعة:
أي صورة تراد للمسؤول العمومي؟ وأي قدوة تقدم للفاعلين المحليين في مناسبة وطنية تستحضر روح الوحدة والتلاحم؟
لقد كان الأجدر أن ترتقي اللحظة إلى مستوى رمزية المناسبة، حيث يجتمع الجميع، إدارة ومنتخبين، تحت راية واحدة وشعار واحد. أما أن تتحول منصة التدشين إلى ساحة رسائل انتقام أو تأديب، فذلك ينذر بانزلاق خطير في السلوك الإداري، وعودة إلى منطق الوصاية بدل الشراكة، والتسلط بدل التعاون.
إن مثل هذه التصرفات الصغيرة في ظاهرها، تعمق الشرخ الكبير في الثقة السياسية، وتزرع البرود في جسد المشاركة، وتغذي الشعور باللامبالاة لدى المواطنين الذين يرون في المنتخبين امتداداً لصوتهم. فكيف نطالب المواطن بالانخراط في الشأن العام إذا كانت الإدارة تفرغ العمل السياسي من كرامته؟
لقد غابت المصافحة، نعم، لكن حضرت الأزمة بكاملها، أزمة أخلاق إدارية، وأزمة ثقة، وأزمة وعي بأهمية الرموز في ممارسة السلطة. والمفارقة أن كل ذلك حدث في مناسبة وُجدت لتوحيد الصفوف، فإذا بها تفضح المسافات التي ما زالت تفصل بين من يفترض أنهم في خندق واحد، من أجل خدمة الوطن والمواطن.