هل التعليم العالي مجرد مظلة للبطالة؟ تساؤلات حول فعالية الجامعات ودور وزارة التعليم
عبد العزيز الخطابي

في زمن كانت فيه الجامعات رمزًا للإبداع والابتكار، أصبح من الصعب علينا اليوم أن نتجاهل التساؤلات الحائرة: هل فعلاً تواجه مؤسسات التعليم العالي مهمة تخريج علماء مبدعين، أم أن دورها التربوي اقتصر على إعطاء طلابها شهادات تُصنّف كـ “أوراق تحية” فقط؟
نحن في عصر تتسابق فيه الدول على تحصيل أعلى الشهادات وتحقيق إنجازات ضخمة، بينما تُخرج جامعاتنا المئات من الطلاب الذين يضعون شهاداتهم في إطار زخرفي أكثر من كونها أدوات فاعلة في مجالات العمل. قد تتساءل: أليست هذه المؤسسات معنية بتخريج مبدعين؟ الجواب يبدو محيراً، فمثلاً، بعد سنوات من الجهد والكد، نجد خريجين لا يملكون سوى مهارات نظرية تُعزز من فرصتهم في البطالة أكثر من قبولهم في سوق العمل. تمر الساعات في المحاضرات وكأنها عقوبة، وظهور الجيل الجديد من المبدعين يظل كلامًا يُقال في المناسبات.
وماذا عن وزارة التعليم، وهي الجهة المسؤولة عن كل ما يحدث في المدارس والجامعات؟ يبدو أن الوزارة تقوم بدورها، لكن غالبًا ما يكون ذلك على الورق. تبرز ميزانيات التعليم كجرح مفتوح، وتُضحكنا خطط التطوير التي لا تُرى إلا في سلاسل الكتيبات الموزعة في المؤتمرات. بمعنى آخر، لم تعد الوزارة محركًا للتغيير بل أصبحت أكثر شبهًا بمراقب مهتم بتقييم درجات النجاح، بينما تجلس الكفاءات اللامعة في منازلهم ينتظرون لطيفة من الحضارات الأخرى للحصول على فرصة عمل.
بالطبع، يحاول وزير التعليم أن يكون البطل في هذه القصة، لكن هل سمعته يتحدث عن الإبداع بشكل جدي؟ أم أن خطاباته تتكرر كفيديوهات يوتيوب المملة التي تسجل مشاهد زائفة من الحياة الجامعية؟ لا يخفى على أحد أن الحاجة ماسة لخطط واقعية تُرجّح كفة المبدعين، بدلاً من الاستمرار في السرديات المجيدة عن “عباقرة المستقبل”.
ومع ذلك، قد نسأل: هل علينا أن نفقد الأمل؟ ربما، ربما لا. فخريجو الجامعات الذين يسعون نحو الإبداع قد يُحدثون فرقًا، ولكن، لكي نحقق ذلك، نحتاج إلى تغيير جذري في كيفية إدارة التعليم العالي. التعليم ليس مجرد مكان لحفظ بالمعرفة، بل يجب أن يكون حاضنًا للأفكار الجديدة والمبدعة، ويحتاج إلى إعادة صياغة الأمور بحيث تصبح الجامعات معاقل للإلهام، بدل أن تكون مجرد حواجز تُضيع السنوات.
وفي النهاية، بينما ننظر إلى المستقبل، يبقى السؤال قائماً: هل تريد المؤسسات التعليمية أن تكون هي القائدة في رحلة اكتشاف المبدعين، أم ستبقى مجرد بيوت تُدخل الخريجين في دوامة من البطالة؟ الوقت هو الحكم، ولكن، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد نرى الجيل القادم من المبدعين يعود إلى مقاعد الدراسة لإعادة تعلم ما لم يُعلّموه لهم في بداية الطريق.
