27, ديسمبر 2024

حاوره بوسيف طنان

من بين الوجوه والاسماء المسرحية المغربية المثيرة للجدل سواء لشخصه أو منهجه أو الاتجاه الإتجاه الاخراجي الذي نهجه الأستاذ والكاتب الدرامي:أحمد أمل.

فهو اسم على مسمى إذ عبر امواج الأمل ركب المصاعب تلو المصاعب وشق عباب المهالك في انتظار الوصول بعد تحصيل فريد ومغامرة تثير الانتباه وتشحذ همم الأوفياء لمبادئهم وقناعاتهم حتى يصلوا إلي المبتغي مهما الصعاب والعراقي التي اعترضت سبلهم القويم .

له ما له وعليه ما عليه في مسلكه التدريسي والإبداعي …شئنا أن نقتحم عليه خلوته المرضية شافاه الله وعافاه، بهذا الحوار المستفيض حيث عرفنا عليه بشيء منالحرفية…وللقاريء الحكم على مشواره الفني وتوجهه الخاص…

الفنان المسرحي احمد أمل، ماذا تقول لنا عن تكوينك الأكاديمي؟

*أولا أشكرك على هذه الالتفاتة التي أوليتها لي. علما أنني لم أقم بأي استجواب لأكثر من عشرين سنة.

أما بالنسبة لتكويني. فأنا مارست المسرح مع الهواة. سبعينات القرن الماضي.

جربت الكتابة والتمثيل والإخراج، أما بالنسبة لتكويني. فبعد حصولي على الباكالوريا حصلت على منحة من الاتحاد السوفياتي وأخرى من  بولونيا والأخيرة  من العراق، لمتابعة دراستي.

ففضلت أن أتابع بأكاديمية الفنون الجميلة ببغداد.

وهي أكاديمية كبيرة وعريقة في تاريخها. وبها إمكانيات يصعب أن تجدها في المدارس العليا لنفس الاختصاص. ثم التحقت بكلية فاس في المغرب بعد أن أحدثت فيه شعبة خاصة بتدريس أدب المسرح.

فحصلت في السنة الأولى على شهادة استكمال الدروس التي أصبحت فيما بعد (ماستر).

فانتقلت إلى الدار البيضاء وسجلت أطروحة الدكتوراء بعنوان (فنية الصورة في الإخراج المسرحي وأشكال التلقي)

قارن لنا بين قيمة الكاتب والكتاب زمن صدام حسين وباقي الدول العربية خاصة المغرب؟

*هناك اختلاف واضح وصارخ. فالعناية التي أولاها صدام حسين للعلم كانت عناية قوية وكبيرة. وكذلك الطبع. ويمكن أن يضاف للكتَّاب والكتاب ميزانية أخرى خاصة بالمهرجانات واللقاءات الدولية.

الاهتمام بالعلم والتدريس خصصت له ميزانية كبيرة. مع إرسال مجموعة من الأساتذة لتتميم دراستهم خارج العراق.

فتم تشجيع الترجمة من اللغات الأخرى.

وفتحت الباب للطلبة العرب مع منحهم منح لمتابعة دراستهم. يمكن أن أقول بأنه لم تكن لحظتها دولة ما قد خصصت للعلم والتدريس ما خصصته العراق. لا يمكن أن نجد أوجه المقارنة مع المغرب.

هل تري انك أنصفت كمهني أو أستاذ للتعليم الفني وطنيا وعربيا ام ثمة شعور مرير ينتابك ويغضبك من حيث التجاوب إداريا وجماهيريا مع إبداعاتك؟

* أنا لا يغضبني إن لم أنصف كمهني، أو كأستاذ التعليم الفني. الذي يغضبني هو حين أقارن مستوى ما وصلت له بلادنا في تدريس الفنون وما حققته الدول الأخرى كالعراق نفسها. فنحن وإلى حد الآن ليست لدينا أكاديمية الفنون الجميلة. ولا درس خاص بالتربية الفنية بالمراحل الابتدائية او الثانوية.

كل ما يبدعه الفنان المغربي لا يجد في السوق من يفهم إبداعه. ليست هناك مدرسة لخلق جمهور يتجاوب مع الإبداع المنتج في بلادنا.

إنصافي ليس لهذا الحد. بل أؤيد أن يتحقق حلمي هو حين تكون لدينا  أكاديمية للفنون الجميلة. وقد ناديت مرارا ولا من يسمع.

كيف تتصور هذه الأكاديمية للفنون الجميلة ؟

* أن تؤسس كما الكليات الأخرى. وتشمل على عدة فنون جميلة. وتكون تابعة للقصر الملكي كما هو جاري به التقليد عالميا. الأكاديميات تكون تابعة للقصور الملكية وبهذه الطريقة نبعدها عن الصراعات الحزبية.

اسر لنا بعض المهام التي أسندت لك كاهل ثقة فنية: كعضو لجنة تحكيم أو عضو مراقب ،ملاحظ أو منتقي في لجنة من اللجان سواء في بعض المهرجانات أو آليات الدعم أو  غيرها؟

*مرت علي تجربتان. الأولى عضو بمهرجان مكناس. والثانية بتطوان. الأولى ليس بها أي اعتراض عن النتائج. والثانية خلقت جدالا كاد أن يصل للعراك. والذي توضح لي من هذه المعركة أن الصراع حادث من أجل قيمة الجائزة الكبرى وليس من أجل الاعتراف بالإبداع.

هل انت راض عن الزخم المتباين من المهرجانات والايام الدراسية وبرامج الدعم التي عرفتها الساحة المسرحية الوطنية؟

* رضاي لن يغير مضمون البرامج المتنوعة. وعدم رضاي ليس إلا رفض فاشل. لن ينصت لي ولا أحد.أما كيف أرى هذه البرامج ؟ فأرى أنها ولدتها عدم تمكن الوزارة من برمجة برامج مدروسة بشكل مسؤول، وضبط التنفيذ. فالوزارة وجدت في هذه الطريق حلا يجعلها تراقب التنفيذ وتكسب راحة موظفيها.

فالوزارة تدفع للجمعيات دعما، وتنقلب الجمعيات إلى منفذة    لتحقيق تصورها، فتقام مثل هذه البرامج منها على الخصوص التوطين.

ما رايك في الحركة النضالية المسرحية:الاءتلافات والنقابات بفروعها؟

*يصعب أحيانا أن نفهم ممارسة النضال النقابي. هناك تنظيمات لكنها جامدة، إما أنها لا تعرف كيف تمارس الفعل النقابي أو أنها مشغولة مع همومها الخاصة. هنالك تردي في المنتج الفني وبالخصوص حيث تصرف ميزانيات ضخمة. كالإنتاج التلفزي والسينمائي. فهاتان المؤسستان تتصرفان مع الشركات الغول في توزيع هذه الثروات.

والفنان لا وجود له في العملية. لا تمثيلية في النقاش. ولا يلعب دور اقتراح بعض الحلول . فالتنظيمات بعيدة ، بل وأكثر من هذا غير معترف بها.

ليس قانونيا. بل الاعتراف بها كالتصدي للهزالة التي تقبل عليها لجنة اختيار السيناريوهات. أو تحديد المواضع الممكن الكتابة بها.

الكل لاحظ ان الجمهور كاد ان يهجر قاعات العرض بصفة نهاءية. فهل ثمة اسباب منطقية لذلك؟

* الصحيح أن الجمهور من قبل عقدين هجر القاعات في المغرب. لسبب واحد أن وسائل التسلية والترفيه والإخبارية يمكن ممارستها من هاتفك المحمول الذي يرافقك ليل نهار.

قد يكون الغرب غير متأثرا بهذه الموجة لوجود عروض مسرحية مازالت تعرض. فهذا معناه أن هناك تربية فنية تعود عليها الفرد الغربي، فلا يمكن لأية موجة أن تغير مساره.

ماذا عن الكتاب المسرحي واخص بالذكر الدراسات النقدية الخاصة بالنصوص والعروض المسرحية؟

* سؤال ذكي لأنه مس مجال آخر وهو النقد المسرحي.

فالحديث عن الإبداع المسرحي دون الحديث عن النقد يعتبر هذا الحديث به عطب.

المسرح المغربي تخلى عن تناول النقد بموازاة تناول الإبداع. أحيانا نجد انطباعات نظنها نقد بينما هي خبر لا غير.

فالنقد مجال آخر له خصوصياته، وله قواعده. أهمها مصطلحاته الفنية،التي بها سينتعش النقد ، ويستمر لحد أن تكون صراعات حادة بين النقاد.

وكل و مذهبه. إذا أردت أن تعرف نباهة وذكاء لأي شعب فاقرؤوا له نقدا عن معرض اللوحات أو مسرحية تعرض. يكفي هذا لتعرف ذكاء هذه البلاد.

ماهي أولوياتك كمهني إن أسندت لك مسؤولية رئيس قسم المسرح أو مدير مديرية الفنون وكيف ستدبر الملف المسرحي بشموليته؟

*أولا أنا لا أحب مثل هذه الأحلام.

ما هي معيقات عرضك المسرحي الحالي؟

* ربما وزارة الثقافة تعيش أزمة أو صراعا مما جعل الفرق لا تتوصل بأقساط الدعم لتتابع تنفيذ برنامجها. التوقيت لنشر النداء، وتوقيت بداية العروض ونهايتها . وغيرها من التنظيم  كل هذا أصيب بخلل وزاغ عن وقته. قد يكون هذا وليد مشاكل يعيشها الوزير ومن معه.

تأسست مؤسسة التكوين المسرحي الاكاديمي isadac  منذ ١٩٨٦ وظلت يتيمة لحدود الساعة فهل لديك فكرة عن سبب او موانع إحداث معاهد جهوية أخري؟

* المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي قد يكون ولد يتيما. وعاش اليتم.

وقد التحقت به سنة 1990أي بعد تخرج الفوج الأول. ومن بداية التحاقي بالمعهد وجدت عدم وجود أساتذة مختصين في تدريس الكثير من المواد مثلا التمثيل وهو ما نسميه بالغلط التشخيص. يومها لاوجود لمختص في هذا المجال، إلا أستاذ واحد رحمه الله الدخيسي.

فلا أعرف كيف سير  الأستاذ مولاي أحمد بدري الذي كان مديرا وحاملا لمشروع إحداث المعهد إلى أن تحقق.

إلا أنه كان يعالج ردم هذه الثغرات بأن يقيم ملتقيات لتدارك الخصاص.

واستمر الحال على ذلك إلى أن تم خلق الاكتفاء الذاتي . وهذا العائق أي عدم وجود أساتذة أكفاء هو ما يعيق خلق معاهد جهوية.

ماذا تقول لنا عن تجربتك كأستاذ  وقيمة التكوين الأكاديمي به ؟

*  التحقت بالمؤسسة كأستاذ التعليم الفني. و أول اجتماع كان لي مع الأساتذة تعرفت فيه عنهم. وبان لي أن جلهم يدرسون الآداب وليس الفن.

بمعنى أن كل أكثرية الدروس ستكون أدبية كما هي في كلية الآداب هذا بالنسبة لشعبة التمثيل والتي نسميها بالتشخيص بالغلط المتفق عليه.

ويمكن أن نلمس في شعبة السينوغرافيا مزاولة تحقيق المرئيات المزينة للفضاء الركحي.

وهذه العملية تحتاج لمراس وتحقيقها عينيا. أما شعبة التنشيط الثقافي فهي مادة كانت جديدة على المغرب.

ما حكمك الصريح عن المدراء الذين تعاقبوا على تسيير وتدبير ادارة هذا المعهد؟

* معروف عن المدراء أن كل واحد له مشروع يود تحقيقه. فتبقى طريقة التحقيق هي الأهم. وكيف يمكن أن يطرحها للأساتذة لتتكاثف الجهود لتحقيقها.

هذا جانب أول ، نجد فيه الأستاذ مولاي احمد بدري، ذلك الجندي الخفي، يعمل في صمت، ويتفهم ، ويصغي ليفهم، وهو الذي واجه الصعاب، لينها وتجاوز غيرها.

وبعده احمد مسعاية، نفس الخطى لبدري تابع تحقيقها، وخلق عدة إنجازات، ووصل إشعاع المعهد إلى الآفاق. وعلى الخطى ذاتها  تابع عصام  اليوسفي الطريق.

لكن حلمه كان كبيرا، والوزارة تتبع أحلام الوزير وليس المدير (أي سلك باللي كاين) وهذا ما يرفضه.

ليعود لدرسه وإبداعاته وبحوته. البقية من المدراء مروا مر الكرام إلا واحدة  صدروها من كلية الآداب ، فرانكفونية، تحمل عصا في صوتها وتصرفاتها عملا بالقولة التي تقول (النهار الأول كيموت المش) فاستعملت القمع في حديثها و أسكتت به البعض.

ولي معها حوار أخرجت عصاها ولوحت بها في وجهي. وبحكمة  أرجعتها إلى بداية السطر، ومسحت الصبورة. فعادت إلى درسها الفرنكوفوني بالآداب.

ذات مرة، دعتني انا وأستاذة معنا. وأمرتني أن ادرس النقد المسرحي. فقلت لها ليس اختصاصي. و لم يسبق لي أن درسته، فأنا ضعيف في هذه المادة. فزادت من خشونة صوتها،. وقالت مهددة إياي: “أنت ترفض الأوامر”. فقلت لها وبهدوء : “أنا يا سيدتي لم ادرس هذه المادة، كلامي واضح. وأمرتني بالخروج. وقرب باب مكتبها وقفت والتفت لها قائلا: “اما يا أستاذة خريج كلية الفنون الجميلة والنقد المسرحي يدرس في كلية الآداب. ونحن درسنا النقد الفني. هذا هو الفرق. صدمت من تدخلي. انتظرت أن تقول شيئا. فقالت أخيرا لا أريد شيئا . فتجاوزت الباب . وبعدها سمعت أنها استقالت من إدارة المعهد.

ماهي المواد العلمية والفنية التي تراها ناقصة أو منعدمة في برامج الدروس اللازمة لاستكمال تكوين طلبة المعهد؟

* درس علم الجمال – فلسفة الفن – النقد الفني – نظريات الإخراج – علم النفس الفني .وبعضها غاب عني الآن.  وهناك دروس إن شئنا أن نسميها دروس. عبارة عن ممارسة لألعاب تحفز الذكاء  كممارسة كيف نبدع؟

شخصيا استنكر كون مؤسسة isadac  الإدارة الوحيدة في العالم التي تفرض على طلبتها أربع سنوات من التكوين مقابل معادلة ادارية تقدم لمنهج دراسي لثلاث سنوات بعد شهادة البكالوريا؟

* أظن أن هذا النظام الجديد سوف تعمل به المؤسسة هذه السنة او السنة المقبلة.

تخرج من المعهد العديد من الأسماء الوازنة الكفأة التي أنارت مسارها وأفادت العالم بإبداعاتها فهل تذكر أسماء بعضهم ممن اقتنعت بمسارهم الإبداعي؟

* يصعب علي أن أذكر البعض خوفا أن أنسى الآخرين. ولكن يمكن أن أصف طموح هؤلاء الشباب الذين اختاروا أن يمارسوا هذا الفن الرفيع. فكل صدر من صدورهم  يحمل هما ثقيلا. رغباتهم كثيرة ، طموحهم يزداد كل يوم. هم يقض مضجعهم هو عدم وجود سوق لصرف وممارسة تخصصهم. على الدولة، الآن، بل على أي وزير ثقافة كان أي يقترح تصورا يحد من خلق بطالة لوكس.

ماذا ستمتهن ان لم تكن أستاذ تعليم فني أو مهني من مهنيي المسرح المغربي؟

* سأمتهن كل الحرف التي بها الجمال والفن. النجارة و الصباغة والموسيقى والنحت. سأتاجر في ما هو جميل. وأكثر شيء يمكن أن أمارسه هو (فن التصميم) أو ما يسمى بالديزاين.

ما هي الأسماء المسرحية التي آلمك فقدان الساحة الفنية لها إما بالموت أو بالإقصاء؟

* فقدان أي فنان يصعب أن تجد من يعوضه. هناك صداقة تجمعني مع الكل إلا أن هناك من أتأسف لفقدانه وقد أثر في فقدانه هو عبد السلام الحبيب. صاحب مسرحية (موت اسمه التمرد).

فقدنا فيه كاتبا ومبدعا يصعب تعويضه رحمه الله.

اسرد لنا لائحة منشوراتك المسرحية او غيرها .وما كان الأكثر رواجا بالنسبة لك؟

*يمكن أن أسرد البعض حسب ذاكرتي. الحومة عن زقاق المدق- النكير – اكتب ما انا بكاتب – المعمعة – الحديث والشجن – جابها في راسو -التي قالت لا – جرح في عضو رجل – وغيرها ..

ما تقول لنا عن الذكاء الاصطناعي وأثره على المجال المسرحي والفني سواء في المستقبل القريب أو البعيد؟

ما ألاحظه في هذا الأمر وهو بقدر يقترب الإنسان من العقل الذكي . بقدر ما يصاب الانسان بالزهايمر. هذا العقل الدكي سيسرع وثيرة الاكتشافات الجديدة. ما يمكن ان يكتشفه الانساء في عشرين سنة ، سيكتشفه العقل الذكي في ربع ساعة .

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version