حوار : ليلى خزيمة
بعد دراسات عليا في الأدب الإنجليزي، انتقلت سميرة مهيدي إلى عالم الموضة والتصميم. فصقلت موهبتها بالدراسة ونالت الشهادة في تصميم الأزياء. تخصصت بتصميم عشقها الأبدي القفطان المغربي لتحول كل ثوب تلمسه أناملها إلى قطعة أنيقة وفاخرة تزيد المرأة جمالا وأنفة وتجعل منها جوهرة الاحتفالات والمناسبات. مهارة اكتسبتها بالتجربة، فحفزت كل من تعرف على إبداعاتها على توجيه الدعوة لها للتعريف بالقفطان المغربي وأصالة الزي التقليدي. وقد اختارت اليوم أن تتحدث للمنعطف عن شغفها.
سميرة مهيدي، سمعنا أنكم تستعدون للمشاركة في حدث عالمي بفرنسا، فما هو؟
بالفعل، أستعد للمشاركةالأسبوع المقبل يومي 17 و19 مع وزارة السياحة في عرض بباريس يشمل مختلف أوجه الثقافة المغربية. وبطبيعة الحال، مشاركتي ستكون عبر تقديم تصاميم للقفطان المغربي. هو حدث وعرض كبير وعالمي ستحضره مختلف الدول العربية من الخليج العربي والشرق ودول من أمريكا اللاتينية ودول من إفريقيا. العرض سيشمل الزي التقليدي المغربي المتمثل في القفطان المغربي، والموسيقى المغربية وفن الطبخ المغربي وفن العمارة المغربية. أنا جد فخورة لأن وزارة السياحة استدعتني لتمثيل بلدي في هذا الحدث الكبير.
وهلا تحدثتم لنا عن التشكيلة الجديدة التي تشتغلون عليها؟
لقد انتهينا للتو من وضع اللمسات الأخيرة على مجموعة خريف وشتاء 2024/ 2025. هذه المجموعة غنية جدا بالأثواب المخملية مثل “المبرة” المطرزة يدويا والمطعمة بالأحجار واللؤلؤ”الترتر”. كل ثوب هو عبارة عن قطعة واحدة مع حزام أنيق جدا لهذين الموسمين. نحن فخورون بهذه التشكيلة الجديدة. فكل تصميم ينضح بالأناقة والأنوثة التي تبرز جمال المرأة المغربية.
قبل أن يصبح اسم سميرة لمهيدي رنانا في ميدان الموضة، مررتم بتجارب عدة. من أين بدأتخطواتكم الأولى؟
صراحة، كنت دائما شغوفة ومنجذبة إلى عالم الموضة والملابس وكل ما يتعلق بجمال المرأة. في سن مبكرة جدا، استخدمت الخيط والإبرة لعمل إبداعات صغيرة على ملابسي وإضفاء طابع شخصي عليها. بعد حصولي على شهادتي في الأدب الإنجليزي، اتجهت إلى الموضة لأنها شغفي الكبير. انضممت إلى مدرسة أزياء كبرى حيث قضيت ثلاث سنوات. وخلال سنتي الثالثة، قمت بأول عرض لي. بالنسبة لي كان ذلك بمثابة باب كبير يفتح. طالبة تشارك في عرض أزياء في الصين خلال مسابقة كبرى في بكين. عرضت مجموعتي من الفساتين الجميلة، وكانت تلك خطوتي الأولى في عالم المحترفين.
بعدها، تخصصت في الأزياء التقليدية الراقية، لأنه في أعراسنا وحفلاتنا ومناسباتنا المغربية المختلفة، لا ترتدي المرأة فستانا، بل قفطانا يمثل تقاليدنا وتراثنا. نحن متعلقون جدا بالقفطان ونرتديه بكل فخر، ولهذا السبب كرست نفسي لابتكار لباسنا التقليدي.
ماهي المواضيع التي تفضل سميرة مهيدي الاشتغال عليها؟
لا يوجد موضوع محدد، فالمسألة تعتمد على مصدر الإلهام. يمكنني أن أستلهم تصاميمي من الزهور، من التفاصيل الصغيرة، من المواد. كل هذا يتوقف أيضا على حالتي النفسية. ولحسن الحظ، لدي دائما أفكار تتسارع للترى النور. وهذا هو ما يفسر الاختلاف الذي يلمسه الجمهور من تصميم إلى آخر، ومن موضوع إلى آخر، ومن فكرة إلى أخرى.
كما أنهليس هناك مصدر أو نقطة معينة تحفز إلهامي. فمثلا يمكن أن تلهمني رحلاتي إلى إيطاليا أو الهند أو فرنسا أو الصين. كما يمكن أن تلهمني واجهات المحلات التجارية، أو مزيج من الألوان أو موسيقى معينة سمعتها. مصدر الإلهام عندي متنوع للغاية وغامض للغاية. فعندما تتملكك روح الفنان، يمكنك الإبداع من أبسط الأشياء ومن التفاصيل الصغيرة.
كيف تصفون مشاركتكم في عرض الأزياء الفاخر للقفطان الذي حمل هذه السنة شعار: المغرب، أرض القفطان؟
عرض القفطان المغربي هو حدث مهيب له أهمية كبيرة في ميدان الأزياء المغربية. فالقفطان لباس يجسد أصالة ثقافتنا المغربية التي نفتخر بها. مشاركتي في هذا الحدث كانت من خلال سبع قطع جميلة. قطع رئيسية عملنا عليها بدقة متناهية وفقا للموضوع المقترح، بمواد نبيلة وحرير خالص واخترنا أيضا تطريزات وتصاميم بها العديد من التفاصيل الدقيقة. المجموعة بأكملها بالطبع مصنوعة يدويا من خلال العمل الباهر للمعلم. القطع التي قدمت هذه السنة كانت نتاج العمل الدؤوب لمجموعة من الأيدي الحرفية التي تعمل معا لمدة أربعة إلى خمسة أشهر بكثير من الحرص والدقة وكذلك التوترلأن الأمر ليس سهلا، ولكن أيضا بكثير من الحب. في النهاية، عندما نرى المجموعة على منصة العرض في حدث رائع يحظى بتغطية إعلامية واسعة على المستوى المغربي والعربي والإفريقي والدولي، يكون ذلك مصدر فخر لنا.
وهل أصبحت مشاركاتكم في حدث كهذا مسألة روتينية اعتدتم عليها؟
أبدا، لم أعتبر يوما مشاركاتي في هذا الحدث ورؤية إبداعاتي على المنصة مسألة روتينية. بل هي في كل مرة تحد جديد ومصدر فخر لي. فعندما أشارك في عرض كبير هو الأول في المغرب على جميع المستويات، حدث احترافي في أدق تفاصيله سواء كانت المنصة أو العارضات أو الإضاءة أو المصورين أو العملية التنظيمية، أو التغطية الإعلامية، فكما لو كان لدي طفل أحبه وأحب أن أراه يكبر ويتطور إلى الأحسن. لقد مرت 25 عاما على أول عرض لقفطان المغرب، وهذا ليس بالأمر السهل وأنا فخور جدا بالمشاركة في فعالياته وأحاول أن أعرض في كل مرة شيئا مغايرا وأخوض تحديات جديدة.كل مشاركة لي تكون أنضج من سابقاتها. فأنا أعتمد اكسسوارات مختلفة في كل مرة حسب تيمة العرض سواء منها الأحزمة أو اكسسوارات الرأس أو الأقراط. أسعى دائما أن يكون هنالك توافق بين الألوان والتطريزات والاكسسوارات وأن أعطي لمسة مشخصة لإبداعاتي. فلا مكان للروتين في حدث كقفطان المغرب.
ما هي المرحلة الأكثر صعوبة في عملكم، هل هي الابداع أم البحث عن حرفيين مهرة يتقنون تنفيذ التصاميم بدقة أم البحث عن المادة الخام الجيدة؟
لا يعد الإبداع مرحلة صعبة في حد ذاتها. بالطبع، قبل تصميم المجموعة، عليك البحث عن الخامة والألوان والمواد وكل التفاصيل. ولكن المرحلة الأصعب هي مرحلة تنفيذ التصاميم. يجب أن يكون لديك مصمم جيد جدا لتنفيذ الإبداعات على الورق وعمل الرسومات وبالطبع المتابعة وهو أمر مهم جدا خاصة عندما تقوم بتصميم الأزياء الراقية. مراقبة الصناع الذين يجب أن يكونوا محترفين ولديهم خبرة هي أيضا مسألة مهمة وتتطلب جهدا. عليك أن تكون منشدا للكمال لتحصل على مجموعة متقنة التنفيذ.
كيف نتعرف على إبداع سميرة مهيدي وسط الابداعات الأخرى؟
الأشخاص الذين اعتادوا على رؤية قفاطين سميرة مهيدي، يتعرفون بكل سهولة على لمستي وأسلوبي. هناك العديد من المصممين والمبدعين، ولكن لكي يتم الاعتراف بإبداعاتك والتعرف عليها من قبل الجمهور، فهذا يحتاج إلى عمل ومثابرة ونفس طويل وهذا هو سر النجاح. يعلم الجميع أن إبداعاتي أنيقة للغاية وساحرة للغاية مع إتقان في اختيار الألوان. ذات مرة خلال عرض للأزياء، قصدتني مصممة أزياء أفريقيةمرموقة وجهت لي التحية وقالت:«أنت أستاذ في مزج الألوان». هذه العبارة وهذا الإثراء تركا أثرا طيبا في نفسي. وهذا صحيح، فأنا أحب مزج الألوان وهذا واحد من أسرار نجاح إبداعاتي وتميزها.
كما يعتبر تنفيذ التصميم والمواد الخام من أهم التفاصيل في إبداعاتي. عندما نعمل في مجموعة الأزياء الراقية، فإننا نعمل بمواد حريرية وسلسة تجعل القفطان يعيش ويتحرك مع المرأة ويظهر الجانب الأنيق للمرأة ويبرز جمالها.
هل هنالك طقوس معينة تقومون بها خلال عملية الابداع؟
طقوس بالمعنى الحرفي، لا. يجب فقط أن أشعر بالرضا عن نفسي لأنجز إبداعات جميلة. حالتي النفسيةمهمة جدا لأكون قادرة على العطاء. أنا أعمل بقلبي، فكل قفطان وكل إبداع يحكي قصة تمثلني، وتتحدث عني في لحظة معينة وفترة معينة. أنا أحب أن تصمد إبداعاتي رغم مرور الوقت وأن تترك انطباعا جيدا لدى الآخر. فهي إبداعات فريدة لا يمكن تكرارها. لم يسبق لي أن قمت بإعادة إنتاج أي إبداع مرتين، ربما أعدت الاشتغال بتفصيل ما، وهذا أيضا نادر جدا. فالإبداع بالنسبة لي هو عمل أسطوري متفرد.
ما الذي اكتسبتموه من العروض خارج المغرب؟
بالطبع قدمت العديد من عروض الأزياء على المستوى الدولي في بلدان من آسيا وكندا وأوروبا. صراحة، هذه المشاركات أكسبتني تجربة غنية وعززت معارفي ومنحتني المزيد من الأفكار. أحاول في كل مرة أن أقدم القفطان المغربي الذي يمثل شعار ثقافتنا وتراثنا وتقاليدنا وتاريخنا بأبهى التصاميم.
وما هي الخطوة التالية لسميرة مهيدي؟
الخطوة التالية بالنسبة لي كعلامة تجارية هي تقديم أفضل ما لدي من حيث الجودة والأفكار المبتكرة التي ترضي زبائني على المستوى الوطني والدولي. في كل سنة، لدينا مجموعتا الخريف/الشتاء والربيع/الصيف بالإضافة إلى مجموعة شهر رمضان والأعياد لإرضاء العملاء. نجهز إبداعات عصرية يسهل ارتداؤها في هذا الشهر الكريم. هي أجندة حافلة نسعى لتلبيتها على مدار العام بالإضافة إلى المشاركات في الخارج والتي نحاول أن نكون حاضرين بها دائما كمحترفين في الميدان من خلال تقديم الأفضل والجديد.
ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
حاليا، قمت بتأسيس جمعية وطنية لكبار مصممي الأزياء والتي تضم العديد من المصممين المشهورين الذين نفخر بهم لتحسين هيكلة هذا المجال. كما تعلمون هناك العديد من المشاكل والميدان غير مقنن وليست به هيكلة واضحة. نواجه مشاكل عديدة نحاول الصمود لمواجهتها، لكن نتعثر في كل مرة لأنه عمل لا تحكمه قوانين مضبوطة. حاولت تأسيس هذه الجمعية كي نتمكن من مواجهة ولو القليل من هذه المشاكل. الآن نعمل من خلالها على مشروع كبير كي نتمكن من القيام ببعض الورشات والأعمال التي تتحدث عن الميدان، نستفيد منها نحن ونفيد الأجيال القادمة. كذلك نود تنظيم حدث كبير باسم الجمعية يشمل جميع المصممين المغاربة والعالميين الذين لهم تاريخ وصيت وباع في الميدان. هذا هو المشروع المهم والكبير الذي يشغل تفكيري حاليا، وأتمنى أن يوفقنا الله ونحقق المراد.