حاورته: ليلى خزيمة
الضوء، الألوان، السينوغرافيا المسرحية، الشخصيات والمواضيع والتفاعلات، كلها مقومات يعتمدها الفنان التشكيلي حسن عين الحياة للتعبير عن أفكار وأحداث يزيل فيها الخيط الرفيع الذي يفصل الخيال بالواقع.
سفر ربما هو تجريدي وربما واقعي، لكنه حتما نابع من تجارب وأحاسيس شخصية تعبر عن أحلام التشكيلي بصيغة متفردة أساسها النظرة.
في معرض تشكيلي جماعي مقام حاليا في الدارالبيضاء، تمكنا من ملامسة تأثير شغف الفنان على الزوار، فتشوقنا لمعرفة المزيد عن إبداعه.
ـ تشارك حاليا في معرض جماعي إلى جانب عدد من الفنانين التشكيليين في المغرب، بالمركب السوسيو ثقافي بشار الخير في الدارالبيضاء. ما أوجه التشابه والاختلاف بين هذا المعرض الجماعي ومعرضك الفردي الذي وسمته بـ”كيمياء العيون وشغف النظرة”؟
قبل الحديث عن التشابه والاختلاف، ينبغي الإشارة إلى أن هذا المعرض الجماعي المستمر إلى غاية 30 نونبر الجاري بالمركب السوسيو ثقافي “بشار الخير”، يعرض أعمالا تمثل مختلف المدارس والاتجاهات في الفن التشكيلي المعاصر، وهو فرصة للاتقاء وتلاقح التجارب، خاصة وأنه يضم أسماء بارزة لفنانين مميزين، يجرون خلفهم ماض من الإبداع سواء في المغرب أو خارجه، فضلا عن وجود مبدعين شباب، يتلمسون طريقهم الأول في درب التشكيل.
وبالتالي، إن التشابه بين هذا المعرض ومعرضي الفردي يكمن أساسا في الشكل العام، من حيث العرض والزوار وإغناء الثقافة البصرية. أما الاختلاف، فيظهر من خلال الشكل العام أيضا.
فهذا معرض جماعي، يضم حوالي 40 فنانا تشكيليا، بينما معرضي الأخير، فهو فردي، فضلا عن كونه، بعكس المعرض الجماعي، اختار تيمة موحدة وناظمة لعدد اللوحات المعروضة (25 لوحة) وهي “كيمياء العيون وشغف النظرة”، بحيث كانت كل هذه اللوحات تركز على العيون وعلى المرأة من خلال الألوان القوية بالإضافة إلى استخلاص “الشغف” كإحساس من خلال حركة العيون ونظراتها.
ـ شاركت في هذا المعرض بأربع لوحات، ماهي عناوينها وأسلوبها؟
شاركت في المعرض بأربع لوحات كبيرة، تحمل عناوين: “شغف الامومة” و”عاشقة البُن” و”عبور إلى الضفة الأخرى” ومساحات من الشوق”. وهذه اللوحات، وفق عدد من النقاد، تنتمي إلى التيار التجريدي، حيث لا تمثل الواقع بشكل مباشر، بقدر ما تعبر وفق تحليلهم، عن انطباعات الفنان ومشاعره من خلال الألوان والأشكال والحركات، وذلك باستخدام تقنيات مختلفة لإضفاء عمق وطبقات على اللوحة، مثل التخطيطات والفرشاة السميكة، وهذا ما يعطي اللوحات ملمسا ثلاثي الأبعاد
ـ من خلال زيارتي لإحدى معارضك التشكيلية، لاحظت نهلك من عدة مدارس، هل تنتمي لمدرسة تشكيلية معينة؟
لا أنتمي لأي مدرسة. لكن النقاد والمهتمين يقولون، إن طريقتي في الرسم مزيج بين عديد المدارس. هناك من يقول إنني متأثر بالفنان العظيم بيكاسو، وآخرون يرون في لوحاتي سوريالية حديثة تمتح روحها من سالفادور دالي، لكن بعض التشكيليين يقولون إن في اللوحات لمسات للفنانة الدكالية العبقرية “الشعبية”.
لكن مهما تعددت القراءات، يقول البعض إن للوحاتي وسم خاص، يمكن للرائي أن يعرف أنها لي دون أن يرى التوقيع. وهذا هو الأهم بالنسبة لي.
وبعيدا عن هذه القراءات، أرى أن لوحاتي عبارة عن تجربة شخصية، تعبر عن حالة نفسية آنية، باستعمال عدد من الابداعات الأخرى كالشعر والكاريكاتير والسينوغرافيا، ما يجعلها بحسب المهتمين نابضة بالحركة.
ـ هل من توضيح أكثر، كيف يمكن للشعر والسينوغرافيا (المسرح) والكاريكاتير أن يكون له تأثير على لوحاتك التشكيلية؟
لهذه المجالات الفنية دور أساسي في أعمالي التشكيلية. ويمكن لك أن تشاهدي مرة أخرى أي لوحة من لوحاتي لتجدي فيها الجانب الكاريكاتيري حاضرا بقوة، وبحكم أنني سينوغراف محترف، يتفاعل مع النص ومع الشخوص والأمكنة ومع الضوء واللون فوق الخشبة، ستجدين أن كل لوحة من لوحاتي عبارة عن لقطة سريعة من مشهد مسرحي متكامل.
فيه قصة وحوار خفي بين الشخوص وفيه تفاعل مع اللون والضوء.
لذلك، إن عددا من الكتاب المغاربة، سواء في المسرح أو الرواية أو الشعر أو الزجل، تحمل أغلفة كتبهم لوحاتي، ربما لأنها تترجم إلى حد كبير محتوى مُنجزاتهم الأدبية.
ــ في نظرك، ماهي الميزة الأساسية التي ينبغي أن تتوفر في الفنان للإبداع؟
اعتقد أن الميزة تكمن في اعتماد الفنان على تراكمه الثقافي، مع ارتكازه على المهارات التي اكتسبها، فضلا عن نظرته العميقة للأشياء مع الصدق في الأداء، حتى يصل العمل الفني بسلاسة إلى المتلقي، فيلامس شغاف قلبه ويحدث ذاك التجاوب الخفي، الذي يعتمد على الإقناع من الفنان والاقتناع من المشاهد.
وبالتالي إذا توفرت هذه الأشياء، وأضاف إليها الفنان تفاعله الشخصي مع الأحداث، وموقفه منها، سيصل إلى ابتكار الفكرة التي هي أساس أي عمل. بعدها يأتي الأسلوب، وهو الذي يميز فنانا عن آخر.
ـ كيف ترى واقع الفن التشكيلي في المغرب؟
هو في تطور دائم، فالمغرب رائد عربيا وإفريقيا في الفن التشكيلي، وهناك فنانون مغاربة وصلوا إلى العالمية، وفرضوا أسماءهم في زمن كان فيه تشكيليون كبار أمثال بيكاسو ودالي وآخرون قد ملكوا الساحة في أوروبا، ويكفي أن أذكر هنا الراحل “الجيلالي الغرباوي” الذي توفي عام 1971 في باريس، والذي كان رائدا في الفن التجريدي بالمغرب وأحد أقطاب الفن الحديث، وقد بيعت لوحاته بالملايين.
أضف إليه الشرقاوي و”الشعيبية” رائدة الفن الفطري، والتي أصبحت مدرسة تدرس في أعرق مدارس الفنون الجميلة، ثم هناك حسان الكلاوي وفريد بلكاهية وفريد بلمين ومحمد مليحي ومحمد القاسمي وآخرون.
إن هؤلاء هم الأساس الذي فتح شهية الأجيال اللاحقة لخوض غمار التشكيل.
اليوم هناك ماحي بينبين، وهو فنان عالمي، ثم الفنان التشكيلي المهدي قطبي الذي يرأس المؤسسة الوطنية للمتاحف، والذي يشتغل من منطلق رؤية الملك محمد السادس للفنون في البلاد، والتي ترمي إلى توفير كافة الإمكانيات من أجل تطوير الفن التشكيلي في المغرب.
وقد تُرجمت هذه الرؤية في إنشاء متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر في الرباط، كما أصبحت وزارة الثقافة تولي أهمية كبرى لدعم مشاريع الفنون التشكيلية والبصرية، بالرغم من بعض العقبات التي تفرضها دفاتر التحملات.
وهذا انعكس إيجابا على الواقع التشكيلي في المملكة.
ـ لنعد إلى المعرض، يبدو من خلال اللوحات الأربع، أنك ما تزال وفيا لتيمة “كيمياء العيون وشغف النظرة” التي دشنت بها معرضك الأول قبل سنة. لماذا التركيز على العيون؟
بالنسبة لي إن العين هي بوابتنا الأولى لرؤية العالم بجماله وقبحه. لذلك أرى أن العيون هي عبارة عن مختبر صغير تحدث فيه مجموعة من التفاعلات الكيميائية الدقيقة، والتي من خلالها نشعر بالمحسوس والملموس.
كما أن هذه التفاعلات تحدث عنها انفعالات لحظية، مع الفرح والحزن والانتصار والانهزام وغيرها.
وكل ذلك يأتي من خلال النظرات. وللنظرة شغف.
وهذا الشغف هو ما حاولت ترجمته إلى اللون في معرضي الأول الذي نظمته وكالة 4You Agency العام الماضي بالمركب الثقافي آنفا بالدارالبيضاء.
والآن، أستعد لتطوير الأسلوب، من عمق الاشتغال على العيون أيضا.
ـ أرى في أعمالك أنك تركز كثيرا على الألوان القوية والزاهية، كيف بدأ شغفك بالألوان؟
ربما بدأ هذا الشغف وأنا في عمر 4 سنوات. كان والدي يصطحبني معه كثيرا إلى مسقط رأسه في بادية بمنطقة دكالة (دوار بني عامر، قيادة بني هلال)، وما كان يثيرني وقتها هو جدتيَّ وعماتي وخالاتي وزوجات أعمامي وبناتهن وهن يغزلن الصوف، ويصبغن بعضه، قبل التوجه إلى “المنجج” لحياكة الزرابي والأغطية وجلابيب الرجال.
وبحكم أنني ابن المدينة، كن يسمحن لي باللعب بين رزم الخيوط والصوف وقطع الثوب. كان الفضاء مزيجا من الألوان.
ألوان فاقعة، مشعة، ونادرة في الطبيعة. وكن يعتمدن في صباغتها على بعض المواد الطبيعية.
لقد تذوقت الفن أول مرة من براعتهن في نسج الزرابي والأغطية. أشكال هندسية مثيرة، مضبوطة بحساب دقيق للغاية، ومزج رهيب للألوان.
ومع مرور الوقت، وأثناء زياراتي خلال العطل الدراسية للبادية، أصبحت أدخل “المنجج” وأقترح عليهن بعض الأشكال، وحتى الألوان، وكن يقبلنها بصدر رحب. ولعل هذه الصور من الماضي، قد أثرت بشكل أو آخر في أعمالي لاحقا.