حسن عين الحياة
“الكوميديا في رمضان على المحك”
يتساءل كثيرون في المغرب، وهم على أبواب شهر رمضان الكريم، عن مصير “السيتكوم” كجنس ترفيهي، اعتادوا مشاهدته بعد الإفطار، خاصة بعد القرار الذي اتخذه فيصل العرايشي، المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، في ماي 2021، بحذف “السيتكومات” من البرمجة الرمضانية للشركة وتعويضها بالمسلسلات وأعمال أخرى.
وإذا كانت عدة مصادر، ذات الصلة بالبرمجة الرمضانية المقبلة، قد أكدت لـ”المنعطف” غياب هذا “للون الفكاهي” عن قنوات القطب العمومي، فإن “السيتكوم” سيكون حاضرا بقوة على موائد الإفطار، من خلال سيتكوم “البوي” للفنان سعيد الناصري، الذي أكد بدوره لـ”المنعطف” برمجته ضمن باقة قناة “شدى تيفي” خلال شهر الصيام.
فهل هي بداية انقراض “السيتكوم” في المغرب؟ وما قصة دخوله أول مرة كجنس تلفزيوني إلى المملكة؟
وما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت بالعرايشي إلى الاستغناء عنه ابتداء من رمضان المقبل؟
جماهيرية “السيتكوم” بين القبول والرفض.. والعرايشي يدخل على الخط
رغم الكم الهائل من الانتقادات التي رافقت “السيتكوم”، منذ مطلع الألفية الثالثة وإلى غاية رمضان الماضي، ظل المغاربة، على امتداد 23 سنة خلت، يشاهدونه بنهم عبر القنوات العمومية.. هَمُهم الوحيد، التفكُّه وتحرير النفس من ضغط الإمساك، وإن لم يتوانوا في التعبير عن امتعاضهم من مضمونه، ومن حجم “التهريج” المجاني المحشو ضمن قصصه التي تبدو مكررة عن نُسخ سابقة.
لقد تحمل “السيتكوم” كلوْن فني دخيل على الأعمال “الفكاهية” المغربية، بعد سنوات قليلة من ظهوره سنة على 1998 على يد الفنان الكوميدي سعيد الناصري، ما لا يطيق من الانتقادات، خاصة بعد محاولة بعض المنتجين استنساخ تجربة الناصري كنوع من “التوطين” لجنس “السيتكوم” في التلفزيون، حيث أبانت أغلب التجارب، بحسب المهتمين، عن افتقارها لأبسط مقومات البناء الدرامي المرتبط أساسا بالمواقف الكوميدية. وعلى الرغم من ذلك، ظلت قنواتنا التلفزيونية متشبثة بتقديمها في أوقات الذروة خلال شهر الصيام، ضدا على جميع أشكال الرفض التي أعلنها المشاهدون المغاربة على أكثر من صعيد وبأكثر من لسان، قبل أن يخرج فيصل العرايشي، المدير العام للقطب العمومي للسمعي البصري، خلال ماي 2021، أثناء حضوره لاجتماع لجنة التعليم والاتصال بمجلس النواب، للإعلان عن حذف “السيتكوم” من البرامج الرمضانية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ابتداء من رمضان المقبل.
بالنسبة للعرايشي، إن قراره جاء لكونه غير مقتنع مائة في المائة بـ”سيتكومات” رمضان، بالرغم من أنها تحقق نسب مشاهدة عالية وتعجب المتفرجين المغاربة، معترفا في الوقت ذاته بأن “فيها نوع من الارتجال في الكتابة”، وبالتالي، إن كتابة “السيتكوم” تتطلب وفق تعبيره مجهودا كبيرا، ذلك أن السيتكوم، الذي لا يكتب على الأقل ما بين 6 إلى 9 أشهر، يقول العرايشي، سيكون فيه خلل وضعف في الكتابة وسيكون هزيلا”، قبل أن يردف “باش نجيكم نيشان أنا شخصيا ماكيعجبنيش”. وشدد وقتها قائلا إن “السيتكوم لن يستمر في الشركة الوطنية بهذه الطريقة.. إما أن تكتب نصوص في المستوى وجيدة إما حذفها، لأننا نستثمر موارد مالية مهمة ولكن المردودية ليست في محلها”.
هكذا تم إلباس “السيتكوم” الأمريكي جلبابا مغربيا
منذ سنة 1997 وإلى غاية 2021، تعاقبت على قنواتنا التلفزيونية المغربية، سواء “دار لبريهي ” أو “القناة الثانية”، العديد من الإنتاجات الفنية التي تدخل ضمن خانة الإبداعات التلفزيونية المرتبطة بـ”فن السيتكوم” (comédie de situation)، وهو بحسب الكاتب إسماعيل بوقاسم الذي ألف عددا من “السيتكومات”، لون فني معروف بين الأوساط الفنية العالمية بجنسيته الأمريكية، على اعتبار أن المبدعين الأمريكيين هم السباقون لإنجاز “سيتكومات” حققت نسبا عالية من المشاهدة، مُؤسّسة بداية انطلاق هذا الشكل الكوميدي المتميز عبر المعمور.
وأضاف بوقاسم في حديثه لـ”المنعطف 24″ أن هذا اللون الفني، الأمريكي الأصل، حل ضيفا على المغاربة، مطلع رمضان سنة 1998 من خلال سيتكوم “أنا وخويا ومراتو” لبطلها الفكاهي المغربي سعيد الناصري، الذي يعتبر أول من أدخل “السيتكوم” للمغرب. وأضاف، أنه تماشيا مع المثل المغربي الدارج “الجديد ليه جدة”، تسلل هذا اللون الترفيهي بسرعة الضوء في نفوس المشاهدين على اختلاف مواقعهم من الهرم المجتمعي المغربي، محتلا بذلك مساحة واسعة في قلوبهم، ومذكيا حماسا رباعي الدفع، زج بالجماهير المغربية إلى التنويه به والمطالبة بإنجاز أعمال مماثلة، وهو المطلب الذي تفرخت على هديه نسخة ثانية لسعيد الناصري بعنوان “أنا ومراتي ونسابي” سنة 1999، قبل يشد عدد من المنتجين المغاربة الرحال نحو هذا اللون الفكاهي، عندما وجدوا ضالتهم فيه كجنس فرجوي، فتناسلت بموجب هذه الهرولة نسخ كثيرة وتنامت أعدادها، خاصة لما وجد هؤلاء المنتجون موائد هذا اللون الفني دسمة بما يكفي، فتكاثرت عناوين السيتكومات بدءا من (للا فاطمة ـ عائلة السي مربوح – زايد ناقص- دار أمي اهنية – الربيب – العوني – ميلود ورابحة – ميستر ميلود – عنداك أميلود – مول الطاكسي – سير حتى تجي – دار خالي عمارة – عائلة محترمة – شريكتي مشكلتي– مبارك ومسعود – دار الورثة – ياك احنا جيران – ديما جيران- كلنا جيران ـ كنزة فالدوار – الكوبيراتيف واللائحة طويلة جدا…..).
واعتبر بوقاسم أن ارتفاع أرقام نسخ “السيتكومات” المغربية، التي كانت تُقدم على أنها انتاجات كوميدية، حولت موائد إفطار رمضان إلى فضاءات لاستهلاك وجبات تلفزيونية ” فاقدة للصلاحية، تؤسس على الارتجال غير المُجدي لشخصيات اختلط عليها التهريج بـ “الفكاهة”، قبل أن يتدخل فيصل العرايشي المدير العام للقطب العمومي لحذفها من البرامج الرمضانية.
وإذا كان قرار العرايشي مدخلا لبداية “انقراض” السيتكوم في المغرب، فإن الفنان السعيد الناصري، باعتباره المالك الحصري لشيفرة السيتكوم، عاد سنة 2019 بعد توقف دام حوالي 10 سنوات، من خلال سيتكوم “البوي 1” على قناة “شدى تيفي”، محققا من خلاله نسب مشاهدة عالية فاقت التوقعات، حيث اعتبر بعض المهتمين وقتها، أن سيتكوم سعيد الناصري العائد بعد غياب طويل عن التلفزيون، نقطة ضوء يمكن الاستمتاع به في ظل رداءة “السيتكومات” التي عجت بها البرامج الرمضانية وقتها، العامل الذي دفع بالناصري إلى إبداع النسخة الثانية من “البوي” سنة 2020، محققة بدورها استحسان المشاهد المغربي، ليدخل هذا العام (2022) في تصوير الجزء الثالث، رفقة عدد من نجوم الشاشة، أبرزهم نعيمة إلياس وحنان الإبراهيمي وإلهام وعزيز وكريمة وساط وأحمد أولاد ومليكة الرويس وآخرين.
الفنان سعيد الناصري لـ”المنعطف24″
كنت أول من أدخل “السيتكوم” للمغرب ولهذه الأسباب حذفه العرايشي من القنوات العمومية
تقديم
لأن سيتكوم “البوي 3” سيكون وحيدا ضمن البرامج الرمضانية هذا العام، اقتحمت “المنعطف” استوديو التصوير بحي النخيل في المعاريف بالدارالبيضاء، حيث يتم انجاز حلقاته الأخيرة، والتقت الفنان سعيد الناصري، للحديث عن تجربته مع السيتكوم، باعتباره أول من أدخله للمغرب أواخر تسعينيات القرن الماضي.
++ رغم قرار فيصل العرايشي بحذف “السيتكوم” من البرامج الرمضانية في القنوات العمومية، مازال سعيد الناصري مصرا على التشبث به من خلال “البوي” في جزئه الثالث. لماذا هذا التشبث؟
+ عندما قرر فيصل العرايشي حذف السيتكوم، فهذا راجع للرداءة التي أصبحت عنوانا له خلال السنوات الأخيرة، وأيضا لانتقادات المشاهدين له. فالسيتكوم ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1945، ومايزال منذ 77 عاما يثير شهية المشاهدين، ففي تلك السنة ظهر سيتكوم “لوسي” الأمريكي الذي لقي إقبالا جماهيريا منقطع النظير، ما ساعد على استمرار هذا النمط الفكاهي إلى غاية اليوم، ليس في أمريكا وحدها، بل تسلل إلى أوروبا وباقي القارات.
++ لكن لماذا نجح السيتكوم هناك وفشل هنا؟
+ هو ليس فشلا بمعنى الكلمة، والدليل أن “البوي” لقي إشادة كبيرة من قبل المشاهدين، فضلا عن حصده لمشاهدات بالملايين على موقع “يوتوب”، وهذا ما دفعنا إلى الاستمرار فيه للموسم الثالث. المشكل الذي يعاني منه السيتكوم الآن، هو أزمة مواضيع، ذلك أنه يرتكز أساسا على كوميديا الموقف، وكما تعلم، فكوميديا الموقف هي من أصعب أنواع الكوميديا.. وهي مدخل لصناعة النكتة. فأن تجد موقفا مثيرا للضحك الهادف البعيد عن المجانية والتهريج، وتوظيفه في السيتكوم فهذا صعب للغاية.. صعب أن تخلق موقفا أو تنتج نكتة.. فالأمر يتطلب كثيرا من الجهد والتفكير العميق في التناقضات التي يعج بها المجتمع، هذا فضلا على أن الهدف الأساسي من خلق النكتة في السيتكوم، هو انتقاد واقع معين بهدف إصلاحه عبر الفن، وهذا ما أشتغل عليه.
++ متى دخل أول سيتكوم للمغرب ومن كان وراءه؟
+ كنت أول من أدخل تجربة السيتكوم للمغرب، أو الأحرى مؤسسه في التربة المغربية، كما كنت مؤسسا لـ”ستاند آب” كوميدي في المغرب و”الوان مان شو”، بعدما أدخلتهما للمملكة سنة 1989، وهناك قصاصة بالفرنسية صدرت منذ سنوات للصحافي المخضرم السي بلقصيري، يقول فيها “إن الوان مان شو توقيع خاص للناصري”، هذا في وقت كان المغاربة يعرفون كوميديين فرنسيين يعملون على “ستاند آب” البعيد عن الكوميديا والأقرب إلى “المسرح الفردي” الذي يعج بالمذاهب المسرحية كـ”العبث” وغيره. بالنسبة لي، استفدت من تواجدي في أمريكيا التي نجح فيها “ستاند آب” كوميدي، المعتمد على وقوف الممثل على الخشبة أمام الجمهور، وسرد بعض القصص عن حياته أو تفاعلاته مع محيطه في قالب ساخر.. وبالتالي، بحكم اهتمامي المبكر بالكوميديا، جمعت بين “ستاند آب” و”الوان مان شو” في قالب خاص، وشرعت في عرض أعمالي في المغرب ابتداء من سنة 1989، وقد دعمتني في ذلك قناة “دوزيم” من خلال إشهارها لهذه الأعمال وعرضها أيضا. بعدها، فكرت في شيء جديد من شأنه أن يشد الجمهور في التلفزيون، وهنا دشنت أول سيتكوم في المغرب بعنوان “أنا وخويا ومراتو” سنة 1997.
++ لكن سيتكوم “أنا وخويا ومراتو” لم يُعرض إلا عام 1998؟
+ صحيح، لقد عرضته رسميا على التلفزيون سنة 1997، ولم يُعرض إلا عام 1998، حيث لقي معارضة قوية من قبل إدارة التلفزة، لأنها لم تستوعب وقتها فلسفته. أتذكر أن مدير الإذاعة والتلفزة وقتها محمد الإيساري رفض فكرة السيتكوم.. كنت قد تقدمت إليه بالمشروع سنة 1996، فامتنع، بمبرر أن المغاربة لن يستوعبوا هذا النوع من الأعمال الكوميدية.. وقتها دافعت عن الفكرة بقوة، ليخرج للعلن سنتين بعد ذلك.. قبل أن يصبح موضة التلفزيون. وهنا أتذكر أن الفنان والمثقف سي عبد الواحد عوزري، زوج الفنانة المقتدرة المرحومة ثريا جبران، قال لي ذات مرة ساخرا “السي سعيد.. فتحتي وزين في المغرب.. كلشي ولا كيشتاغل على السيتكوم”.
++ منذ 1998 وأنت تشتغل على السيتكوم إلى غاية هذا العام (2022).. ألم تمل من هذه التيمة؟
+ لماذا سيعتريني الملل وأنا مرتاح في هذا اللون الفني.. مؤخرا، قال الإعلامي رشيد الإدريسي الذي استضافني في برنامجه “آخر كلام” والذي لا يتوانى في النقد، البناء طبعا، “يقولو للي بغاو.. حيت دائما غتبقى السيتكومات ديالك متميزة”.. ناهيك عن ارتسامات الجمهور الذي يطالبني بالاستمرار في السيتكوم.. فلا تنسى أن هذا اللون الكوميدي حِرفة، وهذه الحرفة هي التي وسمت سيتكوم “البوي 1” بالنجاح، ودفعت بقناة “شدى تيفي” الفتية، والتي ليس لها مواد كتلك المرصودة للقنوات العمومية إلى الاستمرار فيه للموسم الثاني، ثم الموسم الثالث هذا العام، فلو لم يكون “البوي” ناجحا” لما غامرت فيه.
++ بعد سيتكوم “أنا وخويا ومراتو” عام 1998 و”أنا ومراتي ونسابي” عام 1999، اللذان مهدت من خلالهما لهذه التجربة، ظهرت سيتكومات أخرى على القنوات العمومية، هل أثارت إعجابك كمشاهد أولا، وكمؤسس لهذه التجربة بدرجة ثانية؟
+ بعد “أنا وخويا ومراتو” عملت على سيتكوم “أنا ومراتي ونسابي”، وكنت وقتها قد استدعيت الفنان محمد الجم ليظهر أول مرة في “السيتكوم”، بعدها أنتجت القناة الثانية سيتكوم “عيش نهار تسمع أخبار” للمخرج حسن غنجة، وشارك فيها عدد كبير من النجوم، لكن للأسف الشديد لم يلق نجاحا، ليأتي بعده سيتكوم “لالة فاطمة” الذي تم الاستعانة فيه بتقنين من الخارج، وبالتالي لقي نجاحا كبيرا، بالنظر للفنانين الكبار الذين شخصوا فيه بعض الأدوار، ولهذا، يمكن القول إن سيتكوم “لالة فاطمة” هو الوحيد “للي رضيت عليه”، بحكم أنه كما أسلفت، عمل على إنجاحه كوادر تقنية من الخارج، بينما السيتكومات التي أنجزتها، قبل “لالة فاطمة” اعتمدت على طاقم مغربي مائة في المائة، وهذا أساس تميزه. ولكي تلاحظ الفرق، فسيتكوم “أنا وخويا ومراتو” تطلب إنتاجه 750 ألف درهم فقط، بينما الإمكانيات التي تم توفيرها لنبيل عيوش باعتباره منتج “لالة فاطمة” كانت ضخمة، حيث تطلب إنتاج هذا السيتكوم 8 ملايين درهما، وكما تلاحظ، الفرق شاسع للغاية، بالرغم من أن المغاربة، مازالوا إلى يومنا هذا يشاهدون “أنا وخويا ومراتو”، سواء أثناء إعادة بثه على التلفزيون أو من خلال موقع “يوتوب”.