عبد الواحد الأشهب
جاءت الرسالة الملكية الموجهة إلى وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، بالعمل على التصدي الفوري لظاهرة الاستيلاء على عقارات أجانب أو مغاربة يقيمون في الخارج، وذلك تفاديا لما قد ينجم عنها من انعكاسات سلبية على مكانة القانون في صيانة الحقوق، جاءت لإماطة اللثام عن ظاهرة لطالما شكلت نقطة سوداء في منظومتنا القضائية.
وأهمية هده الرسالة تأتي من كون الملك حسب الفصل 42 من الدستور هو الساهر على احترام حقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، ومن كوننا نعيش في ظل دولة الحق و القانون التي لا تقبل انتزاع حقوق المواطنات و المواطنين و كل الأجانب المقيمين بالمغرب غصبا و ضد على كل القوانين و المواثيق الدولية. و الأمر يزداد حدة و المصيبة تكبر عندما يتعلق الأمر ب” حق الملكية” الذي يعتبر حقا دستوريا يحميه الدستور في فصله 35 الذي ينص على أنه ” يضمن القانون حق الملكية. ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون”.
والرسالة الملكية أثارت ظاهرة ليست وليدة اليوم، بل أن ملفات الشرطة القضائية و المحاكم تعج بمثل هذه القضايا، وكلنا نتذكر قضية ال” الدوق دي طوفار بطنجة”، هدا الدوق الدي هو أحد كبار الأثرياء الإسبان، من أصل روسي، أقام بعروس الشمال خلال القرن الماضي، ونظرا لولعه الشديد بمدينة طنجة، خلف وصية بموجبها قرر تحويل معظم أملاكه لفائدة ساكنة المدينة، وهي عبارة عن عقارات، وأرصدة مالية ضخمة، وأسهم في عدة شركات، اغلبها بإسبانيا، لكن وفي ظروف غامضة تم الاستيلاء على معظم هاته الممتلكات سواء بالمغرب أو بإسبانيا، مما ضيع على المدينة ثروة ضخمة، في حين ظلت ممتلكات أخرى تنتظر من يحصيها ويقوم بتأمين حمايتها لفائدة المدينة.
وفي السياق ذاته تحدثت تقارير صحفية عن فضائح تزوير عقارات الأجانب في المغرب من طرف مافيات متخصصة، وقدرت حجمها بحوالي 700 ملف تزوير عقار مملوك لمغاربة وأجانب، باستعمال شخصيات أجنبية وهمية. و كثير هم ضحايا هذه ” المافيا” من مغاربة الخارج مسلمين و يهودا ، مما دفع بجمعية “من أجل قانون وعدالة في المغرب” التي يوجد مقرها في بلدة فيراركيس غرب مدينة ليون الفرنسيّة، إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس، منذ سنة ونصف تندد فيها بما أسمته بـ “الوسائل الخبيثة والشنيعة” التي يتم توظيفها أمام المحاكم المغربية للاستيلاء على العقارات التي يمتلكها الأغيار ضدا على القانون. وقد اثيرت بعض الملفات من هذا القبيل امام القضاء المغربي مند صيف 2015، منها القضية التي أثيرت لدى غرفة الجنايات الاستئنافية بالدار البيضاء، وتوبع فيها متهمون بتزوير وثائق استعملوها في الاستيلاء على عقار في منطقة عين الذئاب ا، تعود ملكيته إلى أجانب فرنسيين مزدادين في مدينة فاس. ولكنها ملفات لا تقتصر على الدارالبيضاء بل تمتد إلى مدن وأقاليم أخرى، و لا تسلم منها حتى أراضي الوقف و اراضي الكيش، وهنا يتم الحديث عن مافيا مكونة من أشخاص نافذين و موثقين و رجال محاماة وقانون.
وعودا على بدء نعود للرسالة الملكية الموجهة إلى وزير العدل التي كانت شديدة اللهجة حين آخذت المسؤولين ب “محدودية الجهود المبذولة لمكافحتها، وعلى وجود فتور في تتبع معالجتها القضائية، أو على مستوى ما يتبين من قصور في تدابير مواجهتها الوقائية”.
و بلا شك أن ظاهرة شائنة مثل هذه من شأنها ان تعرقل الاستثمارات ببلادنا ، وأن تمس بمصداقية القضاء ومساعدي القضاء، و بمصداقية ونزاهة مؤسسات الدولة بصفة عامة.