مهرجان لبنان السينمائي: تجسيد الثقافة والفن في قلب بيروت
عبد العزيز الخطابي
في أجواء من الحماس والتنوع الثقافي، اختُتم مهرجان لبنان السينمائي الدولي للأفلام القصيرة، الذي نظمته جمعية “تيرو للفنون” و”مسرح إسطنبولي”، في مسرح الكوليزيه التاريخية، ليعيد الحياة إلى واحد من أعرق المعالم الثقافية في بيروت. تحت شعار “أيام الحمرا السينمائية”، شهد المهرجان حضورًا مميزًا من ممثلي السفارات، الفنانين، والنقاد، إضافةً إلى حشد كبير من الأهالي والطلاب، مما أضفى طابعًا احتفاليًا على هذا الحدث السينمائي.
لقد أتاح المهرجان فرصة عرض مجموعة متميزة من الأفلام القصيرة الروائية، الوثائقية، والتحريكية، حيث شاركت 18 دولة من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المكسيك، لبنان، عُمان، الإمارات، مصر، تركيا، الأرجنتين، فلسطين، البحرين، ألمانيا، العراق، تونس، الجزائر، سوريا، فرنسا، إيران، المغرب، وأيرلندا. هذه المشاركة العالمية تبرز أهمية الفن السابع كوسيلة للتعبير عن القضايا الإنسانية والثقافية والاجتماعية التي تشغل بال المجتمعات اليوم.
تنافس خلال المهرجان عدد من الأفلام على العديد من الجوائز، مثل جائزة أفضل فيلم روائي، أفضل فيلم وثائقي، وأفضل فيلم تحريك، بالإضافة إلى جوائز الأداء والسيناريو والتصوير السينمائي. وقد تشكلت لجنة التحكيم من عدد من الأسماء المعروفة في عالم الفن والسينما، مثل المخرج شادي زيدان والممثل عمر ميقاتي والكاتب صلاح عطوي والدكتور قاسم قاسم، مما أضفى طابعًا احترافيًا على عملية التحكيم.
وقد أسفرت نتائج جوائز المهرجان عن تكريم أفلام ومخرجين بارزين، حيث حصلت المخرجة المصرية سلمى عرابي على جائزة أفضل فيلم تحريك عن فيلمها “لوب”، بينما منح فيلم “Rythms of a Girl’s Dream” من إخراج مروى الشرقاوي جائزة أفضل وثائقي مناصفةً مع “Intimina” للمخرج أحمد حليم من العراق. وذهب لقب أفضل فيلم روائي إلى فيلم “The Heavy Burden” الذي أخرجه يلماز أوزديل من تركيا. كما حصل مهدي عبد العالي ورائد العامري على جائزة أفضل أداء تمثيلي حيث تم تقسيمها بين فيلمي “Autumn the Age” و”Soulless”، محترفين في تقديم تجارب إنسانية مؤثرة عبر شاشاتهم.

ولم يغب التكريم عن الممثل الراحل نبيه أبو الحسن، المعروف بشخصياته المؤثرة، حيث تم إحياء ذكراه وتقدير إسهاماته في الساحة الفنية، كما تم تكريم الممثل منير معاصري، الذي عبّر عن سعادته بعودته إلى الكوليزيه، معبرًا عن أهمية هذه السينما كمركز ثقافي يُعيد الحياة إلى شارع الحمرا.
وفي حديثه، أكد قاسم إسطنبولي، مؤسس المسرح الوطني اللبناني، على أهمية الفعاليات الثقافية، مشيرًا إلى أن استمرار المهرجانات والعروض السينمائية، رغم الأزمات المتتالية، يمثل فرصة حقيقية للتلاقي وتعزيز الفهم المتبادل بين الثقافات المختلفة. كما تساهم هذه الفعاليات في دعم السينما المحلية وتقديم ورش تدريبية تعود بالفائدة على الشباب والفنانين الناشئين.
تأمل جمعية “تيرو للفنون” في إعادة إحياء الثقافة السينمائية في لبنان من خلال مشاريع طموحة تشمل تأهيل دور السينما، تنظيم الأنشطة الفنية، وفتح المساحات الثقافية المستقلة. إن مستقبل السينما في لبنان يعكس إرادة الشباب وروحهم المتطلعة لإنشاء بيئة ثقافية حيوية تساهم في تعزيز الهوية الوطنية وتخليد التراث الفني.
في الختام، يعتبر مهرجان لبنان السينمائي حدثًا يحمل في طياته آمالًا كبيرة، ويُظهر قوة الفن وقدرته على توحيد المجتمعات عبر رسالة إنسانية تتجاوز الحدود. إنه تجسيد حي للإبداع والتنوع، مؤكدًا على أن السينما ليست مجرد فن، بل هي وسيلة للتواصل بين الشعوب والثقافات.
