منعطف واسع
من أجل أن يصبح التخييم رافعة لتربية جيل الغد.
مصادقة مجلس الحكومة، هذا الخميس 13 نونبر 2025، على مشروع المرسوم الجديد لتنظيم مراكز التخييم، إلى جانب الدينامية التي تواكب المناظرة الوطنية حول التخييم، ليست مجرد خطوة تقنية أو تعديل إداري يضاف إلى رفوف النصوص التنظيمية.
إنها، في العمق، فرصة تاريخية لفتح منعطف واسع نحو إعادة بناء فلسفة التخييم في المغرب، وتحويله من موسم صيفي محدود الأثر إلى مشروع وطني لصناعة مواطن المستقبل.
فالتخييم، في البلدان التي تعتبر الإنسان محور التنمية، ليس ترفيهًا فقط، ولا مجرد إقامة جماعية في الغابات والشواطئ. إنه مدرسة للمواطنة، للتطوع، للقيادة، ولتربية الحس الجماعي.
لكن هذا الأفق ظل عندنا مرتهنًا لسنوات طويلة بممارسات متقادمة، حتى أصبح التخييم مرتبط بمخيمات تفتقر للجودة، وهيئات تشتغل بمنطق الريع، وبرامج بئيسة لا تنسجم مع التحولات القيمية والتكنولوجية التي يعيشها الأطفال واليافعون.
اليوم، مشروع المرسوم الجديد ليس مجرد تغيير لغوي لمقتضيات سابقة، بل يمكن أن يكون آلية لتغيير قواعد اللعبة، من خلال اعتماد معايير الجودة والسلامة، إلى تنظيم طرق الانتقاء والدعم، وصولاً إلى تأهيل الفضاءات، والقطع مع سيطرة نفس الوجوه التي ظلت تحتكر موسماً يفترض أن يكون ملكاً للجميع.
طبعا هذا لا ولن يتحقق إلا إذا تحرك كل الفاعلون، جمعيات، إدارات، وشركاء، نحو قطيعة حقيقية مع الموروث البيروقراطي والزبوني.
أما المناظرة الوطنية حول التخييم، فهي بوابة سياسية وثقافية لإعادة طرح السؤال المركزي حول أي جيل نريد أن نصنع من أجل الغد؟ وهل يمكن أن نتحدث عن إصلاح المدرسة دون إصلاح التخييم، وهو الامتداد الطبيعي للتربية غير النظامية؟ المناظرة قد تكون خرجت بلا معنى إذا كانت الصور الجماعية التي تسربت هي كل ما يرافق الخلاصات الفضفاضة.
لقد كان بالإمكان أن تتحول هذه المناظرة إلى مؤتمر تأسيسي لسياسة عمومية جديدة، لو تجرأ الفاعلون على قول الحقيقة بشأن التخييم كما مورس طوال عقود لم يعد قادراً على مرافقة مجتمع يتغير بسرعة.
إن هذه اللحظة الإصلاحية، بكل ما تحمله من رغبة في التعديل والتجويد، ستكون منعطفاً واسعاً بحق إذا تحولت إلى تعاقد وطني على ثلاث مبادئ، ترتبط بالجودة بدل الكم، وبالعدالة في الاستفادة بدل المحاباة، وبالابتكار في المضامين بدل اجترار الألعاب القديمة والشعارات الخشبية.
إن المغرب، الذي يسابق الزمن في مشاريع عملاقة ويعيد بناء صورته التنموية، يحتاج إلى أن يجعل من التخييم ورشاً استراتيجياً لتنشئة جيل واثق، مبدع، ومسؤول.
وإذا كان تغيير المرسوم خطوة أولى، فإن المنعطف الواسع الحقيقي سيبدأ فقط عندما يقطع الفاعلون مع ممارسات الأمس، ويقررون أن يكون التخييم مدرسة للمستقبل، لا تكراراً لخيبات الماضي.