عبد اللطيف بوجملة الواقع يفرض، فيما يفرض، بالنسبة لتصور ورأي جبهة القوى الديمقراطية، وأمام اكتساح بالفعل وبالقوة لفكر الأحادية والكليانية، أن تصطف كل القوى الديمقراطية والتقدمية لمواجهة الأحادية والكليانية التي تكتسح ثقافة وتربية وسلوكا وعلاقات وتمتد في القنوات المؤدية إلى منافي البؤس وسلالم الغنى سيان. الأحادية تخترق أنظمتنا الاجتماعية السفلى، في غفلة منا، تكتسح كل المواقع الاجتماعية، بل والسوسيو اقتصادية السفلى، وتمتد أيضا عموديا في مناطق مجتمعية عليا في سلم الاستئثار بالثروة عملا وبدون عمل. الأحادية والكليانية ،وكل الفكر المتصلب والدوغمائي القائم على التشابه والاستنساخ، تقنع في الأنظمة”السفلى”، تقنع الجماهير لأنها تنجح في تغذية مشاعر النجاة والخلاص صميم مشاعر “الفرقة الناجية” واستهاماتها. ولذلك فإن الأحادية تتهدد كل القوى الحية المؤمنة بالتعدد وبالحرية وبالتقدم وبقيم العدالة في أشكالها وأوجهها المختلفة. وهي بالتالي لا تهدد فقط هويتنا كيسار، بل تهدد وجودنا كقوى، باتت أمام الاكتساح مخملية سلبية أو شعبوية، إما أنها مطوقة بعزلة قاتلة أو تركب خطابا ازدواجيا مصلحيا وانتهازيا يكرس القائم. في هذا الاكتساح للأحادية يمكن أن نجد تبريرا لإرادة إدامة المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تنتهي ملامحها الجوهرية، بقوة أسمى قانون، في خمس سنوات، أي ولاية الحكومة الحالية، التي تعمل وكأن دستور 2011 غير موجود أصلا. اكتساح الأحادية هو ما يبرر عدم القدرة على التفاوض، كقيمة القيم السياسية التي يقوم عليها دستور 2011 والتي تعطي للعمل السياسي معنى، لا مجرد عبث مكشوف بفضحه الواقع وينكشف ” للوعي الشعبي ” (الاغلبية الصامتة)، عاريا، ويتم التعبير عنه بنأي الأغلبية الصامتة عن الصناديق، بل وفي جزء منها النأي عن الانخراط في المسلسل الديمقراطي برمته، فالأغلبية الصامتة، في كل الأحوال، لا تمارس عزوفا سياسيا وإنما انتخابيا سواء بمقاطعة أو بمقاطعة اللوائح الانتخابية أصلا. بيد أنه وفي هذه التمثيلية المزعومة، والتي أتاحت لخطاب “الفوز “أن يتمظهر ويعلن عن ذاته، وبمنطق التمكين، تمة نصيب لأحادية تكتسح، إذ لا يمكن لليسار أن يشارك الأحادية في تمثيليتها بينما تكتسح الأحادية، وبشكل حثيث، مواقع داخل الأغلبية الصامتة، مثلما تكتسح الانتهازية والوصولية، شقيقة وروح الأحادية وتنتزع مواقعها بقوة المال والتنفذ. مأزق سياسي، ليس فقط لليسار بكل لكل الديمقراطيين المؤمنين بالتعدد والذي هو في جوهر، كما يقف عند ذلك تقرير الأمانة لجبهة القوى الديمقراطية، تعدد سياسي. وبالتالي فإنه لا محيد عن توحيد اليسار وتحويا القناعات المعلنة إلى واقع. والواقعية تقتضي، فيما تقتضيه، البدء! وفي البدء، يصير ضمان التكتل على القيم والقضايا الديمقراطية التي يبنى على مشاريع مستقبلية وللمستقبل، ممكنا. في البدء، يصير التصحيح وبلوغ المأمول التنظيمي والافتراضي ممكنا. في هذه المرحلة الدقيقة، استعجال توحيد قوى لا يشكل إلا الحد الأدنى من الدنو والقرب من الأغلبية الصامتة كانت شعبا كائنا صامتا وغاضبا لليسار أو شعبا يفترض أن اليسار يستهدفه، عمالا وأشباه عمال، فلاحين وأشباه فلاحين، بورجوازية صغيرة ومتوسطة وأشباهها. ههنا أرض المعركة التي تطوق أعناق كل الديمقراطيين والتقدميين، وخوضها حاسم للوجود، واليسار سليل المعارك الميدانية، في الميدان يوجد وإلا فإنه لا يوجد.