زاكورة – رضوان لحميدي
ازداد وعي الشعوب كما ازداد تعاطيها للشؤون العامة على المستوى الإداري والتنفيذي بطريقة لا تقف على مجرد المشاركة في اختيار الحكام، بل تحتكم إلى المساهمة بصورة أو بأخرى في ممارسة الديمقراطية، ومن الممكن تعاملها مع هذه الظاهرة الجديدة من خلال تحمل المسؤولية الكاملة في إدارة كل ما يتصل بحياتها اليومية من مشروعات. مما دفع بالدولة المعاصرة (أي الدولة الليبرالية الجديدة) سواء منها المتقدمة أو النامية إلى أن تتجاوز حدود الدولة الحارسة المقيدة بالمرافق العامة التقليدية المسماة بالوظائف الأصلية السيادية العمومية التي تديرها الدولة وتظهر فيها صاحبة السلطة والأمر والنهي، وتتجاوز أيضا حدود الدولة المتدخلة، والعمل على تقنين هذا التدخل الذي يختلف من دولة إلى أخرى لإدارة المشروعات العامة الاقتصادية والاجتماعية ، بقصد تحقيق التنمية الفعالة من جهة ومن جهة ثانية تحقيق قدر من التضامن الاجتماعي على أساس من العدالة والمساواة.
من أجل ذلك، فقد عمدت الدولة في البداية إلى التخفيف من حدة أسلوبها المركزي، باتباع أسلوب عدم التركيز الإداري، متنازلة عن بعض اختصاصاتها إلى هيئات أنشأتها تلبية لمصالح محلية أو لاعتبارات فنية، وتحت تأثيرات الاتجاهات الديمقراطية تنازلت عن بعض تلك الاختصاصات لهيئات منتخبة من الوحدات الإدارية الترابية في الدولة لتباشر إدارة أمورها ومشاكلها بنفسها متبعة بذلك النظام المحلي، والخضوع للسلطة الإدارية الوصية في إطار نوع من اللامركزية سواء في مدلولها السياسي الهادف إلى توجيه السياسة التنموية وفق مقتضيات الصالح العام وإعطاء الهيآت المحلية حق اتخاذ القرارات بشكل انفرادي، أو في مدلولها الإداري المتمثل في تقريب الإدارة من المواطنين وإسناد حل المشاكل المحلية إلى سلطات منبثقة عن جماعات معينة لمساندة السلطات المركزية بالوسائل التقنية والفنية.
إن ممارسة الجماعات المحلية لاختصاصاتها يفرض، بالإضافة إلى توفر الموارد المالية، وجود الموارد البشرية، حيث إن تدبير الشأن العام المحلي يتأثر بعقلية مسيريه وبالأسلوب الذي ينهجونه في ذلك. ومن هذا المنظور، فإن تحقيق الأهداف المسطرة لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يستدعي باستمرار بعض المؤهلات، لأن للمنتخبين المحليين صلاحيات هامة ومتعددة ترتبط بكل مجالات التسيير المحلية، دون إغفال دور الموظف العمومي المحلي، باعتباره المنفذ لقرارات المجالس المحلية، مما يفرض طرح السؤال التالي: هل الوسائل البشرية مؤهلة لتفعيل اختصاصات الجماعات المحلية، وقادرة على مواكبة متغيرات تدبير الشأن العام المحلي؟
لقد أصبح مفهوم الجماعة المحلية يحدد انطلاقا من البعد الاقتصادي، الأمر الذي يتطلب تكريس ثقافة التدبير التي تؤسس على أسلوب «التدبير المقاولاتي» بهدف إعطاء فعالية أكبر للعمل المحلي، غير أن هذا النوع من التدبير يتطلب توفر المسيرين على مؤهلات وإمكانيات معينة لتساعدهم على ضمان التسيير الجيد للشأن المحلي لتحقيق المردودية المطلوبة، لكن الممارسة المحلية أثبتت أن مهام التسيير المحلي تعترضها مجموعة من الصعوبات
ويظل أبرز هذه الصعوبات ضعف المستوى التعليمي والثقافي للمنتخبين المحليين، إضافة إلى غياب التكوين، فعلى الرغم من أهمية التعديلات الجديدة والإصلاحات الواردة في القوانين المتعلقة بتنظيم الجماعات المحلية والتي أقرت النظام الأساسي للمنتخب المحلي، بما يتضمنه من معطيات جديدة تهدف إلى تحسين وضعيته وتدعيم مكانته للدفع به قدما نحو تدبير أفضل للشأن المحلي، فإن اشتراط التوفر على مستوى نهاية الدروس الابتدائية للترشيح لمهمة رئيس المجلس ( الأغلبية الحكومية أقرت عدم توفر الرئيس على مستوى تعليمي…)، وأن يكون كاتب المجلس ومقرر الميزانية من بين الأعضاء يحسنان القراءة والكتابة، يبقى دون مستوى التطلعات.
من خلال هذه التعديلات، يطرح السؤال: ما مدى مساهمة منتخبين بهذا المستوى التعليمي والثقافي الهزيل في تحقيق تدبير جيد للشأن المحلي؟ خاصة أمام الدور الجديد الذي أصبحت الجماعات المحلية مطالبة به، حيث يفترض في المستشارين توفرهم على مستوى يؤهلهم للتأقلم مع شروط الإدارة المحلية والاستيعاب المحكم للاختصاصات المسندة إليهم.
لكن على الرغم من اشتراط توفر مستوى تعليمي أعلى في المنتخبين الجماعيين، فإن ذلك يظل تطورا دون المستوى المطلوب، وهذه الوضعية تساهم في تهميش المؤسسة التمثيلية وتدخل السلطة المحلية في تدبير الشؤون المحلية، بحجة تجاوز العجز وعدم كفاءة المنتخبين المحليين.
فنظرا إلى تنامي الاختصاصات الموكولة إلى مختلف الوحدات المحلية، يتحتم على المنتخبين إدراك أهمية المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وارتباط مباشرة اختصاصاتهم بعدد من الإجراءات والمساطر التي تتدخل فيها عناصر أخرى تلزمهم بالمعرفة الدقيقة بالدور المنوط بهم وبحقوقهم وواجباتهم، وكذا بالقوانين التي تؤطر العمل المحلي.
كما أن التعقد الذي أصبح يطبع العمل المحلي والإكراهات التي تواجهها الجماعات المحلية في سعيها إلى تحقيق شروط التنمية، أضف إلى ذلك الصعوبات الأخرى التي تعرفها الجماعات المحلية، كالوصاية المفروضة عليها، وضعف الموارد المالية،…، يحتم على المنتخبين توفرهم على الخبرة والكفاءة اللازمتين واتخاذ كافة التدابير التي تمكن من التغلب على هذه الصعوبات وتحقق التنمية
المحلية، الأمر الذي يتطلب تكوين وتأهيل المنتخبين المحليين للنهوض بالأعباء الملقاة على عاتقهم، فحتى لو توفرت الإمكانيات المالية فلن تستطيع تحقيق شيء دون مرافقتها بمسيرين في المستوى المطلوب. أما المستوى التعليمي فيظل غير كاف لإدارة الشؤون المحلية، وخصوصا في الجماعات الكبرى التي يتعقد تسيير شؤونها ويتطلب كفاءة ومؤهلات عالية.
كما أن المشرع لم يعط مسألة تكوين المنتخب أية أهمية تذكر، وذلك على خلاف ما قامت به العديد من التشريعات المقارنة ( )، إضافة إلى ذلك نجد غياب مؤسسات متخصصة في مجال تكوين المنتخبين، وكل ما نجده هو مراكز للتكوين الإداري والتقني إلى جانب المعاهد والمدارس الوطنية، وهي مؤسسات متخصصة في تكوين الأطر، سواء على المستوى الوطني أو المحلي.
فقد أبانت الآليات المعتمدة في تكوين المنتخب المحلي عن قصورها في تحقيق ذلك، حيث صاحب تجربة اللامركزية تنظيمُ مجموعة من المناظرات الوطنية للجماعات المحلية، وبعض التظاهرات المحلية، كآليات إعلام وتكوين وتأهيل المنتخب المحلي.
وعلى ضوء هذا الخصاص الذي يشكو منه العمل المحلي في مجال تكوين وتأهيل المنتخبين، يتعين وضع استراتيجية لتكوين المنتخب المحلي تحدد معيقاتها وترسم غايتها وتضبط مصادر تمويلها، على أساس توزيع المسؤولية ما بين الدولة والجماعات المحلية والجماعات والهيئات المعنية.
وإذا كانت تطرح مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالمنتخب المحلي، فإن الموظف المحلي بدوره لم ينج منها، وذلك نظرا إلى الدور الهام الذي يلعبه على مستوى تدبير الشأن المحلي، حيث إن أي خلل يمس النسق العام المحلي يؤدي إلى عرقلة التنمية المحلية.
ومن اجل تسيير امثل للشأن المحلي نصت المادة 36 على أن المجالس المحلية لا بد لها من وضع مخطط جماعي للتنمية ،الذي يعد حسب ما جاء في دليل المنتخب الذي أصدرته المديرية العامة للجماعات المحلية هو” آلية تشاوريه تسعى إلى دفع الفاعلين المحليين إلى تحديد أهدافهم التنموية التي يتطلب تنفيذها تعبئة الموارد المحلية أولا ، ثم موارد الشركاء ثانيا ” وهو “تخطيط استراتيجي ، لان الأهداف المسطرة نابعة من القرار السياسي المحلي الذي يتخذ خيارات ذات طبيعة هيكلية ترهن مستقبل الجماعة و تحدد السبل الواجب إتباعها و الوسائل الواجب إعمالها لتحقيق تلك الأهداف..”.
إن أهم شيء ينبنني عليه المخطط الجماعي للتنمية هو المقاربة التشاركية التي تهدف إلى إشراك كافة المؤسسات التقليدية والعصرية في رسم إستراتيجية تنموية ناجحة بواسطة التشخيص التشاركي الترابي العميق الذي يؤدي إلى بيان المشاكل الحقيقية التي يعاني منها مجال معين تمكن ذات الفاعلين من رسم استراتيجية للخروج من المشاكل عبر وسائل محددة وحقبة زمنية محددة، و فق رؤية إستراتيجية واضحة قابلة لإنتاج مشاريع حقيقية قابلة للنجاح و للحياة .
بالإضافة إلى المادة 36 السالفة الذكر وضع المشرع المادة 14 التي تنص على تكوين اللجان المكلفة بتكافؤ الفرص ، تتكون أساسا من ممثلي المجتمع المدني، فعلى الرغم من أنها آلية تشاوريه اقتراحيه، فإنها تعزز تكافؤ الفرص التنموية داخل الجماعات المحلية بعيدا عن التجاذبات القبلية، و السياسوية الضيقة ،بحيث جعلها المشرع وسيلة لخلق التوازنات التنموية في الجماعات الحضرية والقروية … . أضف إلى ذلك الدور المهم الذي خوله المشرع إلى اللجان الدائمة بالمجالس، وفق المادة 14 السالفة الذكر، خصوصا اللجنة المكلفة بالتخطيط و الشؤون الاقتصادية ،و التعمير و إعداد التراب و البيئة و الميزانية و المالية ،و اللجنة
المكلفة بالتنمية البشرية و الشؤون الاجتماعية و الثقافية و الرياضية ، إن لهذه اللجان أهمية كبيرة في خلق دينامية، و حركية داخل الجماعات.
ان الإشكالية المعقدة التي تطرح نفسها، وهي مدى تأهل العنصر البشري المنتخب لتسيير الشأن المحلي على العموم وتفعيل هذه اللجان على الخصوص لكي تقوم بدورها الحقيقي الذي أراده المشرع، فمعظم أعضاء المجالس المحلية ، وهذه المسالة ليست مطلقة بالطبع ، أميون أو شبه أميين ، وحتى المتمدرسون منهم أو الحاصلين على الشهادات العليا ناذرا ما يكونون ملمين وعارفين بطرق التسيير، أو طرق وضع استراتيجيات ناجحة تمكنهم من اقتراح مشاريع فعالة و ذات جدوى ،تجعل من الجماعة المحلية قاطرة حقيقية للتنمية ، وهذه المسالة وحدها تحتاج الى نقاش سياسي وطني عميق من لذن كل الشركاء التنمويين .
إن النيات الحسنة وحدها لا تكفي لتدبير وتسيير الشأن المحلي ، فلكل لعبة قواعدها وأسسها، فبعض الجماعات لم تجتمع فيها لجانها الدائمة بالكيفية المطلوبة من اجل وضع استراتيجياتها الآنية أو المستقبلية، وبعضها لم يرفع أي توصية أو مقترحات إلى مجالسها من اجل عرضها للتداول أثناء الدورات ، وهناك من رؤساء المجالس المحلية القروية منها أو الحضرية من توجس وتحفظ على تأسيس لجنة تكافؤ الفرص بجماعته،خشية أن يخلقوا لأنفسهم أجهزة تقترح عليهم أو تلاحظهم من الداخل … و هذا بالطبع مخالف لروح ما أراده المشرع في المادة 14 من الميثاق الجماعي.