عبد العزيز بنعبو
aboolayapresse@yahoo.fr
لصوص الفن و الثقافة صاروا اكثر من المبدعين و الفنانين، صاروا مثل الضباب الذي يخنق انفاس رجل مريض بالربو. هم أشخاص يخطفون لقمة الفنان و يعطون ربعها لمن رضوا عنه. يمنعون ما يستطيعون منعه عن هذا و ذاك لكنهم في الأخير يصنعون لحظة مظلمة لن يتذكرنا من خلالها أحفادنا إلا إن أرادوا مناقشة عصر الظلمات… هذا الحديث جرني إلى تذكر مكالمة هاتفية عادية جدا، و عبارات مثل “فين هاد الغيبة والله العظيم باغي نشوفك”. و بسرعة البرق يرسل دعوته ساخنة عبر الأثير، من أجل غداء ساخن أيضا. ليس أمام المدعو إلا تلبية الداعي، خاصة إذا كانت حميمية بهذا الشكل و في منزله. لكن الذي لا يحسب هو أن يكون الغداء ليس وجبة من لحم و دجاج و سلطة و “ديسير” بل من افكار و بحث عن مسارب لتمرير اللحظة المنتظرة. مع اللقمة الثالثة على ما أظن، و كنت اكل بحذر لا لسبب إلا لأنني أعاني من الكوليسترول و لا اكل أي شيء سوى ما يناسب “الريجيم” فقط. الحقيقة أن المائدة كانت مشكلة و جميلة و عصرية و ليست بلدية، و رغم ذلك لم امتع نفسي بها اكثر من وجبة “الهضرة”، و البحث في الأفكار التي رمى بها في حضني مثل النار في الهشيم. هو يأكل و يتكلم و انا أفكر و أتكلم. المهم انني كنت “بطلا” و أنقدت الموقف و أعطيته إقتراحا عمليا من أجل سهرة بالرباط. كما انني أعطيته الأرقام بل و هاتفت الفنانين. غادرت منزله على أن يتصل بي غدا أو بعد غد ليحدد معي موعدا قريبا لمناقشة ما تبقى من هذه المائدة. لكن الزمن فر مثل الماء المتسرب من بين الاصابع. و لم أنتبه لحجم المسافة الزمنية إلا عندما تابعت تغطية لحدث فني كبير عبارة عن سهرة فنية كبرى بالرباط. وذيلت التغطية بتصريح لصاحب السهرة أو بالأحرى لصاحب العرس… لم تكن مفاجأة بل كانت تحصيل حاصل ، فصاحب “العراضة” العرضية هو صاحب السهرة و “بلا حشمة ولا حيى” كان يقول انه فكر و قرر و إتصل و صمم و عزم، و كل تلك الكلمات التي لا تدل على ما فعله بقدر ما تدل على المفعول به الذي هو هذا العبد الضعيف الذي لا يفقه ربما في أبجديات السرقات من هذا القبيل. هذه الحكاية فقط لنقول أن سارقي الأفكار اكثر من مبدعيها، و أن ما نراه يلمع ليس دائما ذهبا، قد يكون قصديرا ملمعا. أو أي شيء أخر إلا المعدن الأصيل. مثل هذه الحكاية تتكرر في العديد من المواقع و مع العديد من الأشخاص و أعرف كثيرين منهم إكتووا بنار السرقة و لم يجدوا بدا غير الصمت لأننا بكل بساطة لا نعرف أن الأفكار تساوي الحياة و تساوي الأثر قبل الغبار. لا نعرف أن مثل هذه الممارسات تقتل المبدعين لأن المدعين يحيون فيما يموت المبدع في الهامش و بالتالي قد يأتي علينا يوم و نجد انفسنا امام الخواء و الفراغ و قد نستجدي نصف مبدع فلا نجد حتى ربعه..