ـ وضع المرأة بالعالم القروي لازال يعكس صور القهر والإذلال والتهميش والاستعباد
ـ قطاع التربية والتعليم يشتغل بأساليب وآليات عقيمة ومتجاوزة، والأسرة والعمل الجمعوي
هما البديل لتنشئة الأجيال القادمة.
……………………..
يستضيف هذا الركن من فضاء جريدة المنعطف أطرا و فعاليات، تتنوع أوجــه اهتماماتها الفـــــكرية، وتتعدد مجــــــالات اختصاصاتها، في حوار شفاف وهادف، يلامس جملة من القضايا والمواضيع الملحة على الساحة الوطنية سياسيــــــــة، اقتصادية، اجتماعيــــــة وتربوية، لخلق جسور تواصل مباشر مع القارئ والمتتبع. و سنركز على محاور محددة، تستأثر باهتمام عامة أبناء هذا الوطن العزيز.
…………………
ضيف اليوم قادمة من عوالم قطاع التربية والتعليم، راكمت تجربة ثلاثين سنة كأستاذة للغة الفرنسية، شاعرة ومهتمة بعالم المسرح والسينما، عضو بمؤسسة عيون لحقوق الإنسان،عضو في اللجنة التحضيرية للقطاع النسائي، منسقة وطنية لمنظمة منتدى جيل الغد، عضو بالأمانة الإقليمية لجبهة القوى الديمقراطية لجهة الرباط، إنها الأخت إيمان الونطدي.
…………………
*نستضيفك الأخت إيمان الونطدي في البداية بالنظر إلى تعدد اهتماماتك الشخصية، ونريدك أن تقربي القارئ والمتتبع من واقع المرأة المغربية اليوم؟
**وضع المرأة المغربية حاليا لازال يحتاج إلى مزيد العمل الجاد و النضال المتواصل، بحكم أن جملة من المطالب والحقوق، الكفيلة بالنهوض بمكانتها داخل المجتمع لم تتحقق بعد. إذا كانت المرأة في الوسط الحضري تعاني من مظاهر التهميش فان صور القهر والإذلال، بل و هضم الحقوق و الاستعباد، تعكس واقع بنات ونساء الأوساط القروية بالأرياف والمداشر.
ألاحظ مؤخرا أن هناك استفاقة وعي لدى النساء المغربيات، نحو إبراز دورهن في الحياة العامة ، و الاندماج الكلي في القضايا الكبرى للمغرب، سياسيا اقتصاديا واجتماعيا. والفرصة اليوم متاحة أمام المرأة لتطوير أدائها، والرفع من مكانتها الاعتبارية، بالإصرار على المشاركة الفعلية إلى جانب الرجل، في تدبير وصنع القرار.
ومن تجربتي الشخصية، وبحكم أنني ابنة رجل تعليم ومثقف، اعتبر أن الأسرة هي النواة الحقيقيةلنشر وعي وثقافة تواجد المرأة داخل المجتمع، الأسرة هي المصدر الذي يرسم معالم حضورها، تطورها وتفاعلها مع واقعها ومستقبلها. لذا يجب أن ينصب العمل التوعوي التحسيسي على الأسرة كمكون أساسي ضمن بنية المجتمع، لضمان تنشئة محصنة وايجابية للمرأة بدءا من طفولتها ومراهقتها وشبابها إلى أن تصبح امرأة كاملة النضج والوعي بمحيطها العام. ويكفي أن يتواجد على صعيد كل حي سكني، أشخاص يقومون بإيصال رسائل، وتبليغ مضامين، تساهم في توعية وتنوير أبناء الحي ذكورا وإناثا، لنضمن بعضا من تكوين مجتمع متنور، قادر على البناء والعطاء.
*بالرجوع إلى قطاع التربية والتكوين، و كأستاذة لمادة اللغة الفرنسية وممارسة مهنية لمدة ثلاثين سنة، وهي تجربة في قطاع هام واستراتيجي في المجتمع، ما هو تقييمك لهذا القطاع؟
**سأقيم مقارنة بين تجربتي الخاصة كتلميذة، وما أعيشه اليوم، الفرق شاسع وكبير. لقد كان تعطشنا وقتئذ إلى المطالعة والمعرفة هو حافزنا في التربية والتكوين وتحصيل المعلومة، كنا ننخرط في أنشطة نوادي السينما والمكتبات والرياضة، في حين أن روح المطالعة اليوم غابت ولم يعد لها أي دور. ثم إن تطور الوسائل التكنولوجية الحديثة حولت اهتمام طفولة وشباب اليوم، وأصبح المعلم والأستاذ يشعران بالإحباط، أمام الوسائل المتجاوزة التي تعتمد في العملية التعليمية، بل لقد استحال التواصل والتفاعل بين الأستاذ وتلميذه، بالنظر إلى التباين الصارخ بين ما يعاش داخل و خارج أسوار المؤسسة التعليمية، على الرغم من الدورات التكوينية الغير المفعلة. ناهيك عن افتقار المدرسة المغربية لبعدها الإنساني، الذي تجسده الأنشطة الموازية التي من شأنها مخاطبة نفسية وسيكولوجية الطفل، وتحريك عواطفه وانفعالاته، ويتساوى في ذلك التعليم بشقيه العمومي والخصوصي. فأي مردودية ترجى من نظام تعليمي عقيم لا يلتفت إلى ملكات ومواهب المتعلمين. فباستثناء بعض الأنشطة المحدودة لبعض الأندية التربوية، تبقى السينما والمسرح والتربية على المواطنة والبيئة مجرد وثائق على مكتب المؤسسة. ثم إن عامل الوقت يشكل إكراها حقيقيا أمام الأستاذ للمساهمة في تجاوز هذا الوضع. فالمدرس على استعداد لتفعيل العمل الجمعوي، ولو على حساب وقته الخاص، ثم أن خفض المدة الزمنية للمواد المدرسة، وتوفير التأثيث والإمكانات اللازمة للعمل الجمعوي ستساعد على خلق ظروف ملائمة لهذا الغرض، فالعمل الجمعوي المتشبع بحس المصلحة الجماعية والبعد التطوعي ونكران الذات هو البديل لحل هذه المعضلة، بديل يفتح المجال أمام جيل الغد للمشاركة في المخيمات، والأمسيات الفنية والترفيهية، وخلق فضاءات ليكتشف الطفل ذاته الكامنة في ملكاته ومواهبه، وإخراجه من عنف الروتين والرتابة، و ضغط الشحن بالمعلومة. على المجتمع المدني أن يلعب دوره التوجيهي ، لحماية طفولتنا من مظاهر الانزلاق، التي تتهدد مسارها، بالنظر إلى التطور المتسارع للوسائل الترفيهية، التي تعرضها المنتجات التكنولوجية مع سوء استعمالها.
*أنتهز فرصة استضافتك للحديث عن تلازم العمل الجمعوي بالعمل السياسي،ومن موقعك كامرأة تشتغلين على هاتين الواجهتين، كيف تراوحين بينهما؟
**العمل السياسي اليوم يستوجب التشبع بالثقافة الجمعوية، فالتأطير السياسي للمجتمع يستدعي التوفر على رصيد فعلي، وممارسة حقيقية للعمل التطوعي، والتعود على الحس الجماعي المواطن، والغوص في أدق تفاصيل الواقع المعاش. و كوني امرأة فاعلة أرى أن الوعي بما يدور حول واقع النساء عموما يتيح لهن التمييز بين ما يحقق المصلحة العامة ، وما يتهدد المرأة من مخاطر وتحديات، بل إن وضع المرأة الفاعلة والمتفاعلة داخل مجتمعها يجلها تقترح الحلول والبدائل للمشاكل التي تعترض مسارها ككيان بأبعاده الإنسانية(مربية، أم ، زوجة، بنت، أخت…).
*كونك فاعلة على صعيد أكثر من قطاع داخل جبهة القوى الديمقراطية،كيف تقربين القارئ من توجه الجبهة في تعاطيها مع القضايا والتحديات المطروحة بهذه القطاعات؟ وفي ظل الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟
**نحن في جبهة القوى الديمقراطية نؤمن بمبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة، و نثمن قدرات المرأة الفاعلة، والحمد لله فالقطاع النسائي يضم أسماء وازنة، من مختلف المجالات والتخصصات، حققن ذواتهن داخل المجتمع، ونطمح إلى توسيع دائرة الانفتاح على كل الفعاليات النسائية ونرحب بها، من العمل ألتشاركي، غايتنا في ذلك إعادة الثقة للمرأة في ممارسة العمل السياسي والجمعوي الجاد والمسؤول، عبر تنظيم مؤتمرات ولقاءات تواصلية وندوات، تجوب ربوع المملكة، لطرح القضايا والمطالب الملحة الكفيلة بالرقي بأوضاع المرأة المغربية، والعمل على إيصال صوت النساء الجبهويات داخل وخارج الوطن .ونحن في جبهة القوى الديمقراطية نشتغل من منطلق أن كل التنظيمات الموازية داخل الحزب تتقاطع عند مبدأ إعداد وتهييئ المواطن الناضج بدءا من الاهتمام بالطفولة في منظمة منتدى جيل الغد، مرورا عبر فئة الطلبة والشباب في مبادرات الشباب المغربي والرابطة المغربية للطلبة الديمقراطيين، والقطاع النسائي، وباقي القطاعات الموازية للجبهة.
وبخصوص الانتخابات المقبلة، أتمنى ألا يتم التعامل مع القضايا المؤرقة للمغرب العميق كورقة انتخابية للمزايدة والسمسرة، نظرا للأوضاع الخطيرة التي تعيشها الفئات الفقيرة والمهشمة، إذ يجب الاهتمام و تركيز العمل التوعوي والتحسيسي في هذه الأوساط لجعل الساكنة بها ترى في الآخر إنسانا متعاطفا وأخا وصديقا، وليس عدوا طبقيا.