عبد اللطيف بوجملة
القراءة التي ساهم بها الصديق الأستاذ عبد العالي تيركيت الأستاذ المتخصص والعارف بتفاصيل قوانين المالية، تميط اللثام عن طبيعة الحكومة الحالية، حكومة “الصناديق” وحكومة “الأغلبية”. فهي، في سياساتها المالية، والنموذج مشروع قانون المالية 2015، لم تخرج عن نسق باقي الحكومات، إذ ظلت حكومة نجيبة وطيعة وناعمة بالنسبة لاملاءات المانحين الدوليين، ولا سيما توصيات “توافق واشنطن” الذي وضع الاستقرار الماكرو اقتصادي بمثابة المقدس المالي الذي لا ينبغي المس به مهما كلف الأمر. بتعبير آخر، وإن رفعت حكومة بن كيران شعارات طنانة وحالمة، فإنها فشلت في الخروج من “الإطار المؤسسي للسياسات الاقتصادية التي بدأت منذ عام 1998” بهاجسين: السيطرة على التضخم واستقرار الأسعار. وكما يعرف كل مغربي، فإن حكومة بن كيران إن كان من إنجاز يحسب لها، فيما يخص “استقرار الأسعار” فهو بالتأكيذ كونها حكومة “بن زيدان” إذ لم تتلظ القفة المغربية من الغلاء ما تلظت به في ولاية هذه الحكومة: الزيادات طالت كل شيء وبطريقة متتالية لا رحمة فيها وبولاء مطلق لاملاءات خارجية. وبما أن الحكومة فشلت في جعل الأسعار مستقرة، فإن “الحجج التي استخدمتها” لتبرير التقشف فقط للحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية والسيطرة على التضخم، هي بحق لا شعبية ولا يمكن قبولها، وخالية من الاجتهاد الذي يفترض في حكومة تدعي الشعبية وتدعي كونها تمثل المغاربة. ولذلك فإن كانت القوة الشرائية للمغاربة هي التي تؤدي ثمن تبني هذه السياسات اللاشعبية، فإنه بالمقابل فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة خلاقة العمل تبقى، يقول الأستاذ تيركيت، رهينة “المنافسة السعرية” وبالتالي رهينة التفريط في محركها البشري بخفض القوة العاملة بسبب عدم قدرتها الوفاء بتكاليف الإنتاج، أي ضرب الطبقة العاملة، ليس فحسب في قفتها، بل في قوتها. ثم إن تحديد العجز في 3٪ تبعا للبرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، يضيق من هامش اجتهاد هذه الحكومة، بل يجعلها متناقضة بل وتؤسس لهذا التناقض بنوع من الديماغوجيا القاتلة : تبني خيارات تتعارض مع تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. ما يمكن أن نقرأ من تحليل الاستاذ ” تيركيت “هو أن حكومة بن كيران لا تملك القرار الاقتصادي وفي جوهره القرار المالي أو النقدي، الذي يبقى حكرا على بنك المغرب الذي يركز فقط وفقط على السيطرة على التضخم مهما كلف الأمر. والأمر حقا مكلف، لأن ” استراتيجيته النقدية لا تستجيب بفعالية إلى (الحد) من التباطؤ في النشاط الاقتصادي ” من جهة أولى، ولا تعزز سياسة خفض الاستثمار العام والدين الخارجي النمو الاقتصادي. وهذا ما يفسر، في المحصلة أو في الحصيلة، هزالة النتائج لدى هذه الحكومة لا سيما على المستوى الاجتماعي ببلوغ العطالة وعطالة الخريجين والناشطين عموما إلى مستويات غير مسبوقة تبعا للأرقام التي قدمها الباحث. كما أن الرهان على الاستثمار الأجنبي، الذي حدد الاستاذ تيركيت طبيعته،في كونه استثمار في المحافظ وليس استثمارا في توسيع قدرات الإنتاج الاقتصادي، هو رهان على استثمار غير خلاق للعمل وبالتالي رهان فاشل. كل هذا، يجعل من حكومة بن كيران حكومة تبرر ” السياسة ” الوحيدة أو السياسة ذات البعد الواحد أو الأحادي: الاستقرار الماكرو اقتصادي، دون سواه، وهي سياسة لا يقبلها المغاربة ولا ينبغي الاستسلام لها، وعدم وجود نقاش حولها سيعزز أحادية صناعة القرار وصناعة السياسة العامة والسياسة النقدية والمالية ترى ماذا تحكم حكومة بن كيران وهي لا تملك القرار في الساسات العامة وفي السياسة النقدية والمالية، في زمن دستور الديمقراطية التشاركية وقدرة التفاوض التي يتيحها هذا الدستور ولا تجد من يفعلها أو حتى من يفهمها؟ بماذا إذا ستدافع حكومة “بن زيدان” عن حصيلتها وهي مجرد تابع التابع؟