“سعيد يقطين والبورغواطة: “عندما تصبح الهوية جنونًا في زمن الأمازيغ”
عبد العزيز الخطابي
في عالم مليء بالتحديات، يبدو أن بعض الناس اختاروا العودة إلى الماضي، ولكن ليس لأي سبب منطقي، بل لكي ينعشوا بقايا هويات قديمة لم تعد تليق بعصرنا الحديث. سعيد يقطين، كغيره من المثقفين، يحاول جاهدًا أن يعيد صياغة التاريخ ويمزج بين الحاضر والماضي بجرعة من الهوية المتعصبة. هو يتحدث بفخر عن “البورغواطة”، هذا الكائن العجيب الذي يتغنى بجذور تاريخية يبدو أنها كانت موجودة في مكان ما، لكن مع هذا لا يستطيع المرء تمييز مكانها في متاهات التاريخ.
دعونا نتناول الأمر بروح من الدعابة والنقد. في الوقت الذي ينتقد فيه يقطين تمجيد الهوية المغلقة، يبدو أنه هو نفسه مأسور بقيم معينة وقدسية أيديولوجية تُشابه ما يسخر منه. هل حقًا يمكن أن يُعتبر “صالح” بطلاً ومصلحًا، أم أنه كان مجرد مُشعوذ يسعى لتقديس السلطة على حساب العقول؟ لنحاول أن نكون أكثر تفصيلًا.
إمارة بورغواطة 744 ـ 1058
ألا يبدو غريبًا أن يتم ترويج هذه الفكاهة التاريخية باعتبارها “نهضة ثقافية” أو “هوية مميزة” في وقت ينتفض فيه العالم ضد أشكال الخرافة والجهل؟ يُدعى اليد العاملة في هذه الهوية البورغاطية العتيقة، لكنه في الواقع قيد الأصفاد، مقيد بحواجز العصور المظلمة التي لم تنجح حتى نقلها من ذكريات الآباء. ثم يأتي السؤال: كيف لنا كمغاربة أن نتقبل هوية تغذّي بذور التعصب، بينما لدينا تراث غني من الأمازيغية يمتد لآلاف السنين؟
لنتذكر أن الأمازيغ هم من أقدم شعوب شمال إفريقيا، وقد تركوا بصماتهم في ثقافتنا وحضارتنا. لا يمكن الاكتفاء بإلقاء نظرة سريعة على تاريخ الشهداء والرموز والفتوحات، بينما نغض النظر عن الجذور الثقافية التي تعزز هويتنا. أليس غريبًا عزيزي سعيد أن نرى أن التأريخ يصبح مستعملاً كأداة لبناء هويات معزولة؟
ثم نتحدث عن المكتبات، هذه الكنوز اللامتناهية من المعرفة. لماذا يُعتقد أن مسيرة البحث العلمي محصورة في زاوية ضيقة تستند إلى مرجعيات محلية قديمة؟ ألا يستحق الشباب المغربي أن يفتح عينيه على العالم الواسع؟ هل نحن محصورون في جغرافيا محددة تدور حول المرابطين والموحدين فقط، بينما هناك آلاف الوثائق والمخطوطات في المكتبات العالمية يمكن أن تغذي عقولنا بمعرفة مُعززة لنقدنا الذاتي؟
سعيد يقطين
وأخيرًا، قد يبدو الأمر ساخرًا، لكن لنفكر في هذا: كيف يمكننا الاحتفاء بتراثٍ يُدنس بممارسات تتعارض مع القيم الأساسية للعدالة والحرية؟ هل نحاول أن نعيد إحياء هوية لم تعد تتناسب مع زماننا خدمةً لأجندات معينة؟ إذا كانت الهوية تُقيّدني وتفرض عليّ مرجعيات لم أعد أؤمن بها، فأنا هنا لأعض على أصابعي من الضحك على هذا المفارقة.
إذا كانت البورغاطية تحمل في طياتها جنون الهوية، فنحن بحاجة إلى نقدٍ حاد وشامل للعودة إلى التوازن، وإعادة سرد التاريخ بما يتماشى مع القيم الإنسانية. يمكننا فخرًا بأصولنا الأمازيغية وتاريخنا الغني دون أن نكون أسرى لأساطير عفا عليها الزمن.
في النهاية، إن الغوص في أعماق التاريخ ليكون نقطة انطلاق لفهم حاضرنا هو الخيار الأفضل. لننسَ “البورغواطة” ولنتجه نحو استكشاف تلك الجذور الأمازيغية الثرية، فربما نجد فيها ما ينقذ هويتنا من الجنون ويعيد إليها عقلها المفقود.
