14, ديسمبر 2025

رأي: في الحوار والنقاش

نصرة بن عمار

في كثير من الأحيان، تنزلق النقاشات حول القضايا المهمة بسرعة نحو صراعات قد تعيق النقاش ، وفي مثل هذه الأجواء المشحونة، يصبح من الصعب التمييز بين فكرة تُطرح لخدمة المصلحة العامة وأخرى تحركها رغبة فردية أو انفعال لحظي. وهنا يبرز أهمية وجود معيار وميزان واضح لفرز الأفكار: هل يسهم الاقتراح في تحقيق الصالح العام، أم أنه يزيد التوتر ويعقد الرؤية؟

لكن النقاش لا يقتصر على وضع أسئلة معيارية، بل على الطريقة التي تُدار بها الآراء. أرى أن تطبيق المشاورة كطريقة تفكير جماعية، وليس كمرحلة شكلية في الاجتماعات، يمنح الفكرة استقلالها عن صاحبها، ويجعل النقاش يدور حول جوهر المقترحات، وليس حول مكانة من طرحها. وعندما يتحرر الحوار من الشخصنة، يصبح البحث عن الحقيقة عملًا مشتركًا، ويتحول الاختلاف إلى مصدر جديد للفهم بدل أن يكون سببًا للانقسام. كل زاوية نظر تُقدَّم داخل المشاورة تضيف طبقة جديدة من الوضوح، لأن الهدف ليس الانتصار لرأي معيَّن، بل الوصول إلى قرار أكثر نفعًا للجميع. وحتى عند اتخاذ القرار النهائي، يصبح الالتزام به مسؤولية مشتركة، لأن نتيجته ملك للجميع، وليس لفرد واحد.

 

ولأن المشاورة بهذا المستوى تحتاج إلى أرضية أخلاقية متينة، يأتي دور التواضع كشرط أساسي لنجاحها. فالتواضع لا يعني التقليل من الذات، بل الاعتراف بأن الحقيقة أكبر من أي منظور فردي، وأن العقل مهما كان لامعًا يحتاج إلى عقول أخرى تكمله. وهو القدرة على تهدئة الأنا التي تميل إلى الهيمنة، والنظر إلى الأمور من زاوية أوسع، بحيث تُقدَّم مصلحة المؤسسة على الرغبة الشخصية في الظهور أو فرض الرأي. وحين يكون التواضع حاضرًا، يصبح الحوار هادئًا وأكثر قدرة على الاستماع، أما عند غيابه، فإن أي اختلاف يتحول بسرعة إلى مواجهة.

 

بهذا المعنى، يمكن أن يتحول الخلاف داخل المؤسسات من عائق إلى فرصة للتعلّم، إذا كان الصالح العام هو المعيار الذي نقيس به الأفكار، وكانت طريقة النقاش قائمة على المشاورة الحقيقية، وكان التواضع هو الإطار الذي يسمح لكل صوت أن يُسمع دون خوف أو ادعاء. وعندما يُستعاد هذا الأسلوب، يصبح العمل الجماعي أكثر من مجرد وسيلة لإنجاز المهام، بل ممارسة روحية وأخلاقية تنمي الفرد والمجتمع معًا، وتصبح القرارات أكثر نضجًا واستمرارية، بما يليق بمغرب يضع مصلحة الجميع في مقدمة الطريق، ويعكس رؤية تقوم على الوحدة في التنوع، واحترام اختلافات الجميع كقوة تدفع نحو الخير العام.

اترك تعليقاً

Exit mobile version