12, نوفمبر 2025

نقد مسرحي . نجـيـب طــلال

موضوعنا هـذا يأتي على أنقاض ما طرحناه سلفا، وذلك لكشف جانب أساس في المجال المسرحي، في المغرب، والذي تم إغفاله لدوافع بعضها واضح، وبعضها غامض جدا، أو عدم الإنتباه إليه لأسباب معينة  والمتمثل في [ مسرح الجيب /le théâtre de poche  ] فمنذ مرحلة التأسيس للمسرح في المغـرب، المشكوك في معطياتها  إلى مرحلة التجـريب ، وصولا لمرحلة “التحنيط ” تحنيط المسرح على يَـد ما يسمى ( الاحترافي) الذي هو في واقع الأمر( إداري) الذي أنتجه الدعم المسرحي؟ واغتيال عِـدة أنماط / أنواع [ ك] ( المسرح المدرسي بأسلاكه الثلاث) و( الهاوي/ التجريبي) و( الشباب) و ( الجامعي[ في] عِـدة كليات ؟ وهذا ناتج عن السياسات [النيوليبراليَّة/ néolibéralisme] التي تهدف بشكل أو بآخر إلى تحويل أفـراد المجتمع إلى مشاريع فردانيَّة  « المسؤولية الفردية » للقضاء على مفهوم  « المصلحة العامة »  لكي  يعيش كل منا ردود فعل أكثر من الفعل نفسه.

ولهذا أعتبر أن الليبرالية الجديدة ، أنتجت  “ميتامورفوز” مسرحي. باعتبار أن أغلبية المسرحيين لم يستوعبوا[ بعْـد] لعبة اقتصاد السوق، في سياق المتغيرات، التي أنتجتها مظاهر العولمة.

ربما نتيجة انسلاخ المسرحيين عن البعد السياسي (فـَن الممكن ) بمنظور العلوم السياسية ، هنا ليس مطلوبا أن يكون المسرحي زعيما أو مؤسسا لحزب ( ما )  لأنه مسبقا ضمير المجتمع ولسانه، وبالتالي:” مهما تكن العَـوائق والظروف فإن المسرحي محكوم بمسؤوليته كمبدع ، وبالمصداقية  في تأدية رسالة المسرح، وليس له إلا أن يخترق الواقع السياسي محللأ ومنذراً ومستشرفا ، وذلك من خلال حضوره ركحيا  وفي المشهد الثقافي ، سيساهم ويشارك بطرق غير مباشرة في تدبير حياة الناس؛ و شؤون الدولة وتوجيهها وتحديد أشكال ومهام ومضمون أنشطتها بين الشرائح الإجتماعية.

باعتبار أن السياسة أصلا مصدر الآراء والأفكار والإيديولوجيات ، والمسرحي  جوانية المسرح هو ” سلطة” لكنه تخلى !!  نتيجة لإيديولوجية ( الدعم) وارتباطا بشباب خريجي المعاهد التنشيطية  والفنية. التي ساهمت في خلق قطيعة بما كان من تضحيات ونضالات في ( المسرح) تحديدا.

مما لم يعد هنالك صراع فكري ونظري ! بقدرما هنالك صراع ( خبزي) بالأساس، وبالتالي انطفأت شعلة المسرح “التجريبي/ الطلائعي” بالمنظور التقني والفني والإيديولوجي. بحيث أغلب العروض المسرحية [ أمست] تتشابه ؟ وهذا أشرنا إليه سلفا، ويغلب عليها الإقتباس والإعداد وحتى “السرقة” من أعمال ( غـربية / أجنبية) هي معضلة فعلا؟ ومن المفارقات أنه : ” كان قدر المسرح دائما أن يكون الشاهد والمحرك والمرهص للمتغيرات في القيم الكبرى، وفي الأحداث السياسية والإجتماعية، وأن يكون الإنسان دائما في عمارة نصوصه وعروضه محور اهتمامه، يصور أماله وآلامه وعواطفه ، وحركة روحه التائقة إلى الحرية والسعادة، في زمن أصبحت العولمة فيه قـَدرا وضعيا.

فالمشكلة هنا تكمن في التوجيه الإداري للمسرح المدعم/ الإداري، وهذا يذكرنا بفترة تأسيس الأحزاب الإدارية ( كوكوت منوت) من أجل تمييع المشهد الحزبي/ السياسي، وليس من أجل تأسيس منظور ليبرالي، لتحقيق “السياسة الإقتصادية ” كما دعت في زمانها.

مما أمسى مجتمعنا هَـشا وإبداعنا أكثر هشاشة، لا طعم له من حيث التناول والإنجاز ومنفصل عن القضايا الجوهرية / الإنسانية / المجتمعية ، رغـم “:…الكوارث الإقتصادية التي تنتزع اللقمة من أفواه فقراء العالم، والشعوب التي ترزح تحت نير القهر والظلم والاستبداد من قبل حكامها، تشكل مادة غنية للعرض وكشف الحقائق والبحث والتفسير، وتحفز المبدع لتحمل مسؤوليته في المجابهة والتغيير.

فالانفصام حاليا واضح بين المسرح في المغرب، والواقع المجتمعي والكوني ،هذا يقدم برهانا ودليلا على عَـدم تجذر المسرح في مجتمعنا. تجذرا في البنية الثقافية / التعليمية وحتى الدينية من خلال [ المسرح الإسلامي] مما أمْـست الجمعيات المسرحية، تشتكي من غياب الجمهور؟ فكيف يمكن حل “معادلة” جمهور متابع ومهتم ،كان منوجدا ومتواجدا في العروض المسرحية فيما مضى ، والآن انمحى أثره ؟ هذا يدفعنا لمعادلة أخرى ؛ ليست إشكالية، بل مشكلة داخل السياق.

مفادها: في عقدين (70/80) وبدورها تحتاج لنقاش ومراجعات ، أوعلى الأقل مخاطبة تاريخ هذه المرحلة، وإبراز أيديولوجيتها، ولو كانت هنالك إشراقة مسرحية/ إبداعية/ ثقافية  في المغرب، تم انطفأ كل شيء تقريبا. لماذا؟ ولماذا تعثرت استمرارية حَـمل المشعـل الإبداعي، هل خطأ في المجايلة ؟

اترك تعليقاً

Exit mobile version