ليلى خزيمة. المنعطف24
الحسيمة، مدينة معروفة بثقافتها وتراثها. فهي مهد الموسيقى الريفية وقد أنتجت العديد من الفنانين والموسيقيين المشهورين. وتعد المدينة أيضا موطنا للمعالم التاريخية الهامة التي تم توظيفها في المجال السياحي والاستثمارات الجهوية مثل برج باديس ومسجد محمد الخامس وقلعة سنادة التي سنسلط الضوء عليها اليوم.
موقع قصبة سنادة
بالقرب من مصب وادي بني يطفت، وعلى بعد 37 كلم من مدينة الحسيمة، تنتصب شامخة حامية للديار رغم ما طالها من التلف،قصبة سنادة الواقعة بجماعة سنادة.هذاالاسم أمازيغي الأصلويعني الملجأ. بني هذا الصرح الأثري حسب المؤلفين المعاصرون في عهدالدولة السعدية، ليشكل ذرعا دفاعيا واقيا لسواحل الريف من الأطماع الإيبيرية.
وقام بعدها السلطان العلويالمولى إسماعيل بترميم القصبة في القرن السابع عشر، ليكون بمثابة قاعدة عسكرية لجيوشه. وتقع سنادة في المدشر المعروف حاليا بفرقة الواديين في قبيلة بني يطف.
وكانت تعرف باسم “تالان بادس”، أي مصادر بادس أو عين بادس، لأنها كانت مصدر جلب الماء الصالح للشرب إلى مدينة بادس.
وقد لعبت تالان بادس، قبل أن يصبح اسمها قصبة سنادة، دورا مهما في الأحداث التاريخية التي عرفها المغرب في عهد الدولة السعدية خصوصا في المواجهة التي كانت بين المتوكل وابن عمه عبد المالك.
ظروف التشييد والدور التاريخي لقصبة سنادة
شيد السعديون القصبة لمباغتة الجنود الاسبان ومنعهم من الخروج إلى البر لتزويد حامياتهم بالأقوات. فالدافع الأساسيإذن لتشييدها كما هو الحال بالنسبة للعديد من القلاع هو الدفاع عن الوطن ضد الغزو الاستعماري. وقد أمر المولى إسماعيل سنة 1702 بإعادة ترميم القصبة وإقامة حامية عسكرية بها.
وقد أصبحت هذه القصبة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أهم مركز للحاميات المخزنية في المنطقة وتعاقب عليها قواد عدة.أهمل هذا الموقع الاركيولوجي لسنوات عدة قبل أن يستعيد رونقه وجماليته بفضل عملية التهيئة والترميم واسعة النطاق التي خضع لها. عملية أنجزت بشراكة ما بين وزارة الثقافة والشباب والرياضة ووزارة الداخلية، ضمن برنامج التنمية المجالية “الحسيمة منارة المتوسط”. وقد شملت عملية الترميم تهيئة أسوار القصبة وأبراجها السبعة التي تتكون من طابقين علوي وسفلي، بغلاف مالي إجمالي ناهز 4 مليون درهم.
خصوصيات قصبة سنادة
الرقعة التي احتلتها القصبة مربعة الشكل، يبلغ طول كل ضلع منها 120 مترا. كان يتوسطها فناء واسع يحتوي على بعض البنايات كالسكنى المخصصة لمقدم الحامية وبعض الغرف لإيواء القواد والعسكر، بالإضافة إلى اسطبل للماشية ومطبخ ومخزن للمؤن ومخازن السلاحوبئر للماء الذي هو أساس الحصن،بالإضافة إلى باب كبير رئيسي يسمح بالاتصال من وإلى داخل القصبة وسبعة أبراج تتحصن بها.
وعن الخصوصيات التاريخية للقصبة، أكد الباحث والمهتم بالتراث المحلي وابن منطقة سنادة السيدالطيب لزعر، أن هذه المعلمة تبلغ مساحتها حوالي 15000 متر مربع، ويعود بناؤها وتشييدها إلى عهد السلطان أبو محمد عبد الله الغالب بالله السعدي. وأمر ببناء هذه القصبة لتشكل درعا دفاعيا واقيا لسواحل الريف من الأطماع الإيبيرية ومحاولات الهجوم على المنطقة الساحلية.
وأضاف أن القصبة أعيد ترميمها في عهد السلطان مولاي إسماعيل، لتكون ثكنة عسكرية وحامية للقوافل التجارية، وصرح مراقبة وحراسة هذه المنطقة الساحلية التي تتقدم سلسلة جبال الريف. وفي الوقت ذاته شكلت قصبة سنادة نقطة توقف القوافل التجارية القادمة إلى المغرب من شرق حوض البحر الأبيض المتوسط والمتوجهة إلى فاس وسيجلماسة وتمبوكتو ووداكودو، إضافة إلى أدوار أخرى للقصبة تمثلت في توفير فضاء آمن للحجاج لتميزها الجغرافي وقربها من ميناء بادس التاريخي الذي كان صلة الوصل بين عدوتي الأندلس والمغرب.
ولتميز معمار القصبة وتفرده، الذي يمزج بين المعمار المحلي والمعمار المغربي الذي شيدت على نمطه الكثير من القصبات وتمثيل المعلمة لمرحلة تاريخية دقيقة واجه فيها المغرب الكثير من الأطماع، فقدشكلت موقعا أثريا جديرا بالزيارة وأدمجت المنطقة في النسيج الاقتصادي العام لإقليم الحسيمة، وفرضت نفسها لاستثمار مكوناتها وخصوصياتها في إنعاش التنمية المحلية. فقلعة سنادة تستقطب العديد من السياح نظرا لكون تشييدها كان بدافع حماية المنطقة من الغزو الخارجي، ولضمان استتباب الأمن بصفة عامة.
كما تستقطب المنطقة ذاتها العديد من اليهود من خلال تواجد مقبرة يهودية. يحكي أهالي المنطقة أن الطائفة اليهودية عاشت بسلام مع المسلمين لفترة زمنية غير قصيرة، امتدت عبر جيلين أو ثلاث على الأقل، عرفت فيه سنادة تواصلا حضاريا، وتعاونا تجاريا لازالت آثاره قائمة إلى اليوم.
انبعاث الحياة بقصبة سنادة
خضعت قصبة سنادة للترميم سنة 2018 في إطار شراكة جمعت بين قطاع الثقافة ووزارة الداخلية، في إطار برنامج التنمية المجالية “الحسيمة منارة المتوسط “، في شقه المتعلق بمشاريع ترميم وتأهيل المواقع الأثرية والمعالم التراثية.
وقد رصد لترميم القصبة غلاف مالي يقدر بأربعة ملايين ونصف درهم، ما مكن من بعث روح الحياة في أسوارها وأبراجها السبعة من جديد على أسس وقواعد بنائها الأثري للحفاظ على خصوصياتها التاريخية. وتم التسليم النهائي للأشغال الخاصة بها في يوليوز 2020. لتمتلئ القصبة من جديد بالزوار في الأزمنة الغابرة وتفرض وجودها للمساهمة في التنمية المحلية.
وبخصوص مراحل عملية إعادة تهيئة وترميم المعلمة الأثرية وأهم ما ميزها، قالالمشرف على الأشغال ورئيس جمعية تثمين الموروث الطبيعي والثقافي بالمنتزه الوطني للحسيمة السيد أنور أكوح أن عملية الترميم التي أنجزت بين يونيو 2018 ويونيو 2019واستغرقت سنة تقريبا، ركزت بالخصوص على تدعيم أساسات الأسوار وتهيئة الأسوار المتلاشية والجدران المبنية بالحجارة المغطاة بالتربة الطينية، وترميم وتهيئة الأبراج المتهالكة.
وأضاف السيد أكوح، أن أشغال التهيئة والترميم التي أشرفت عليها أطر مغربية آثرت أيضا على تنقية محيط المعلمة وتحويل مجرى المياه القريب منها كي لا يؤثر بأي حال من الأحول على المعلمة ويؤدي إلى تهالك أسوارها وأساساتها بسبب التساقطات المطرية التي تشهدها المنطقة.
فضلا عن ذلك، تم أيضا إنجاز بوابة للدخول وفق أحدث المعايير المعمول بها، وتزين مختلف جنبات المعلمة بالأضواء الكاشفة، للمساهمة في إنارة أسوار القصبة وأبراجها وتمكين الزوار من الاستماع بروعة وجمالية الفضاء.
هي إذن عملية ترميم واسعة ستسهم حسب أميمة أبرشا، محافظة مساعدة للمباني التاريخية والمواقع بإقليم الحسيمة: «في وضع الإقليم والمعلمة التاريخية، التي تبلغ مساحتها الإجمالية 15 ألف متر مربع وتم التسليم النهائي للأشغال الخاصة بها في يوليوز 2020، على خارطة الوجهات السياحية المتميزة، ورافعة لاستقطاب الاستثمارات والمشاريع الواعدة وتحقيق التنمية البشرية المحلية».
ولتعزيز جاذبية المعلمة أكثر وتمكينها من استقطاب المزيد من السياح المغاربة والأجانب، قال السيد أنورأكوح أنه يتعين العمل مستقبلا على: «تهيئة الفضاء الداخلي للقصبة وإنجاز فضاء للاستراحة بالقرب منها، وتأهيل الطريق المؤدية إليها»، بهدف تثمين القصبة بشكل أكبر وتعزيز المنتوج السياحي للمنطقة.
التعريف بهذا التراث المادي والاطلاع على خصوصياته الأركيولوجية والتاريخية والجغرافية يؤسس لموروث غني من المهم استثماره والتخطيط لاستغلاله كشاهد مادي على التنوع الأثري لمدينة الحسيمة خاصة والجهة والبلد بصفة عامة.
فأغلب الزوار والسياح أصبحوا يغيرون وجهتهم من زيارة الشواطئ العديدة التي تزخر بها سواحل الحسيمة، لاستكشاف المآثر العمرانية المترامية على أطراف المدينة.