إنجاز: د. الغزيوي أبو علي
دة. بن المداني ليلة
الصحافة الفلسطينية و تأكيد كينونتها
لماذا وضع فلسطين كسؤال ماهوي؟ ولماذا وضعها كإشكالية وكدلالة وجدودية؟ سؤال لا يتحدد إلا من صياغة التاريخ، لأنه في البدء كان السؤال وولد الاختلاف في الصحافة الغربية، لأنه يتأسس من خلال عملية المصاهرة بين الواقع واللاواقع وبين الحقيقة والوهم، وبين المنقول والمعيشي، فالصحافة الغربية رغم حضورها التقنوي فإنها لا تنقل للمشاهدين إلا الأشياء الإيجابية، لأن منطق العرب رغم حداثته فهو لا يعيش الحدث ولا يريد أن يترك الإنسان الغربي أن ينخرط في هذه الحرب المدمرة، بل يقدم له تقارير عن قناة 12 و13 وبعض المواقع الصهيونية،أو عن شخصيات أمريكية أو ألمانية أو بريطانيا وفرنسا، وهذه الحقيقة الغائبة لا تظهر للإنسان إلا عبر مواقع التواصل، لأنها تتحرر من اليقينيات السائدة، وموقعه كخطاب تواصلي حاضر داخل التاريخ، حيث أن مبرراته توجد داخل منطق المدمر والمقصي للإنسان الفلسطيني،إنه صاحب رسالة يرفض الغرب الاعتراف به، لأنه هو الذي يصنع ويقرر ويوزع باسم الآلة الأممية، فالإعلام الفلسطيني يفرض نفسه على العالم رغم الدمار والقتل والمحو،إنه قاعدة داخل التمثل المصرفي العالمي وذو بعد انطولولجي يتحدد كاختيار واختلاف خاص بوجود كما يرى جيل دولوز في كتابه “الاختلاف والتكرار” 1976 – ص233، فالصحافة الفلسطينية رغم الضيق والقتل والدمار تؤكد كينونتها في كل شبر من خريطة أرض فلسطين، من هنا يتساءل الصهيوني عن هذا النقل المباشر، وهذا الوصف الدقيق لهؤلاء الأفول من الأصنام الصهيونية التي تدك الأطفال والشيوخ والأمهات، فالصحفي الفلسطيني يحاول أن يجد لنفسه مرجعية لكي يتسلح بها لمعرفة دوره ووظيفته وموقعه دون الانتظار من قنوات غربية، كBBC،وDW،وTVI،وTVII والجزيرة، وSky news وCNN وغيرها من القنوات المؤدلجة والذي لا يخرج عن منطق الوعظ والإرشاد، كما يرى محمد مزوز في مقال له الذي يحمل عنوان “اغتيال الفلسفة وإحياؤها” مجلة الوحدة ع60 ص73. فالصحافة العربية لا تعتمد إلا على الوعظ من أجل استمالة الغرب المهيمن، ودون اتخاذ أي موقف عقلاني ضد هذا الدمار فيبقى الضجيج والعويل هو سيد الموقف ودون التأمل النقدي من أجل توسيع الوجود العربي المنغلق، فمن أجل تحديد الهوية الفلسطينية يجب في بادئ الأمر إقصاء القراءة الصحفية الغربية ولن يتم ذلك إلا بعملية المراجعة التحليلية والنقدية لأوضاعنا العربية، والاهتمام بالتنمية البشرية، وهذا لا يتأتى بالسهولة كما سنرى، بل يأتي بمفهوم الاختلاف الخاص والعام لكي نقصي فكر التطابق والتمركز حول الذات الغربية، فأفق الإعلامي هو محاولة عدم الانغماس في تفاهة الثقافة المقدمة من طرف القنوات العربية، وبالتالي التسلح بالفكر النقدي الذي يفكك كبريات النصوص المقدمة، وعلى أساس هذا التفكيك هو إقصاء الميتافيزيقيا الصوتية والصورية ومنطق اللوغوس الغربي داخل الصحافة العالمية، ومحاولتنا في هذا المقال هو تقصي معنى الاختلاف الصحافي عند العرب من خلال تحديده لمفهوم التواصل، وفهم الصحافة وكيف يفكك الصحفي الملتزم البنية الفكرية لفلسفة الحضور الإعلامي المؤسساتي العالمي، لقد ظل تاريخ الإعلام وفيا لمبدأ الذاتية والبرغماتية، والفردانية، حيث يتحدد بمنطق التناسب والتماثل، غير أن ظهور الثورات العلمية المعاصرة بدأت هذه الأرضية تتعرض لهزات عنيفة تتجاوز سلم الرشتر، وهذه الثورة العمودية جعلت الإعلام الفلسطيني المعاصر يطرق عنده أبواب قيمية وإنسانية بشيء من رؤية حضورية التي لا تتقاضى مع السلطة الفلسطينية، لذا يبقى البعد الحضوري خاضعا لقوانين العقل المؤسساتي والجماهيري فالإعلامي الفلسطيني لا يفكر في وجوده من خلال الموجود، بل يفكر في هذا التاريخ والأرض، كونها وقائع وأحداث لا تنتمي إلى الحاضر وحدها، بل ترتبط بالذاكرة الماضوية، فهي معرفة تمتلكها العقول لا عبارة عن السرد والوصف، لأن المشتغل بها أصبح مطالبا باعتماد قواعد منهجية دقيقة تجعل ما بدونه حقائق تاريخية وليس مجرد أوهام وأغاليط كما يقول عبد العزيز موحسين في كتابه “باك فلسفة” ص48. هكذا سيعمل الصحفي الفلسطيني بتأسيس وإثبات بشكل قطعي وبشكل مستقل عن أي وجود صهيوني لأن وجود كائن في العالم يمثل الصورة الفلسطينية الحقيقية باعتراف منطقي دون زيادة ولا نقصان، فهو القادر إلى الإيصال إلى الحقيقة التي تخفيها الحركة الصهيوينة المزعومة بكل ما تملك من وسائل الدمار والتقويظ والقفل، لأن هذه المعركة التي يخوضها الشعب هي معركة الوجود الحضاري والإنساني والديني، معركة يستطيع بمقتضاه نزع الاعتراف من طرف الآخر فيرقى يقينه إلى المستوى العالمي كما ذكرت، يقين لا يعرفه الصهيوني ولا الأمريكي، إنها الحياة أو الموت، والحرية والقيود، وهذا الصراع هو الدلالة المتنورة التي تعكس القراءة النقدية للأحقاب التاريخية التي ثلث المرحلة الذهبية التي عاشها العرب قبل سقوط بغداد وطرابلس وصنعاء، وأيضا جدار برلين، لأنه كان شيء ينتظم تحت إشراف عقل الحداثة الصارم، لكن مع بروز الخريف العربي حل زمن الانهيار والانفصال بين العربي ووطنه، واتسعت الهوة بين منطق السلطة ومنطق العدالة، وانطلاقا من هذا التوصيف الذي ينظر إلى ما بعد الخريف العربي بوصفه واقعا تاريخيا وجغرافيا، يتساءل الفلسطيني عن ماهية هذا الواقع التاريخي والأسلوب الذي ينبغي اتباعه واعتماده لمواجهة أصنام الصهيونية العالمية، ثم يتساءل هل مو مجرد انحراف عقل عربي المصاب بالشلل الكلي؟ أم مؤشر إلى ثورة في حياة الإنسان الفلسطيني أكثر اتساعا من كل ما تحقق منذ سنة 1948 و1967 حتى الآن في الجغرافية العربية، لقد تحولت الصحافة الفلسطينية ما بعد الحداثة إلى مفهوم إشكالي حاضر باستمرار في المنتديات الإخبارية العالمية وفي الجامعات وفي الانتخابات الحالية، وعلى ما يلاحظ في وسائل الإعلام الغربي أنه تعرض لهزات حاسمة في بنية لمشاعره الذاتية التي تخص أبناء شعبه، لأن هذه الحرب المدمرة هي نتاج تحول وتراكم سيؤدي إلى تغيير هرم المجتمع العالمي المؤمرك، وهذه البرغماتية المؤدلجة أدى التداخل إلى ما سماه برنشتاين موجة عارمة ضد الإنسانوية وتراث التنوير (هابرماس والحداثة وأكسفورد 1985 ص25). فالغير الصهيوني ليس الوسيط الضروري للتعايش، بل هو عبارة عن مركبة أمريكية في الشرق الأوسط لا تعي وجودها ولا تملك وعيا حقيقيا بوجودها، فعن طريق العنف الذي تمارسه يتولد لديها مراقبة الغير المخالف لرؤيتها، وهذا التصور الإدراكي سيجعل العربي ليس هو شخصي أنا بالذات، كما يرى ميرلوبونتي في كتابه فينومينولوجيا الإدراك بالفرنسية دار النشر غليمار 1945 ص409،لأن الصحافة هي صناعة وفكر وتقنية، وفن إعلامي يتفاعل مع المحيط العالمي لتقديم الأخبار المرتبطة بالأفراد والجماعة، وقد حاولت الصحافة الفلسطينية أن تفرض نفسها على العدو رغم قلة الإمكانيات التقنية والمادية، فإنها تحولت إلى موسوعات تضم العديد من الألوان من الأخبار والتحقيقات والمقابلات والإعلانات بالإضافة إلى الصور والرسوم وغيرها من الأشكال الفنية.