المنعطف. مروة العوماني
صادقت الحكومة أخيرا على مشروع شروع قانون رقم 03.23 بتغيير و تتميم قانون رقم 22.01 المتعلق المسطرة الجنائية تضمن مستجدات رئيسية، من بينها تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتعزيز حقوق الدفاع، وتحديث آليات العدالة الجنائية وضمان نجاعتها، بالإضافة إلى تطوير آليات مكافحة الجريمة، وحماية حقوق الضحايا في جميع مراحل الدعوى العمومية، وكذا وضع ضوابط قانونية للسياسة الجنائية، فضلا عن تعزيز حماية الأحداث وترشيد الاعتقال الاحتياطي، حسب تصريح عبد اللطيف وهبي، وزير العدل عقب اجتماع مجلس الحكومة الأخير.
وسجل أن مشروع القانون الجديد يعتبر أحد أهم المشاريع التشريعية التي أطلقتها وزارة العدل، حيث يمثل المحرك الأساسي لمنظومة العدالة الجنائية ويرتبط بشكل وثيق بحماية الحقوق والحريات وتحقيق الأمن العام ومكافحة الجريمة، وسيساهم أيضا في تعزيز ثقة الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين في منظومة العدالة ومؤسساتها، كما يهدف إلى استكمال تنزيل بنود إصلاح منظومة العدالة التي دعا إليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في عدة مناسبات، كما يعكس حرص المغرب على تحديث الترسانة القانونية الوطنية تحقيقا لمقتضيات الدستور، وأيضا بما يستجيب للتطلعات، و الانتظارات الوطنية والدولية، ويعزز دور المملكة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة.
وفيما أبرز وهبي أهمية هذا المشروع في تحقيق العدالة، وضمان الأمن العام، داعيا جميع الجهات المعنية إلى التعاون من أجل إغنائه خلال مراحل مناقشته داخل البرلمان بما يحقق المصلحة العامة للمملكة، إلا أن عددا من الجمعيات الحقوقية، وكذا رجال القانون أبدون اعتراضهم عن بعض مضامينه، مسجلين ملاحظاتهم الأولية في انتظار فتح ورش مناقشة هذا المشروع.
أهم المستجدات التي جاء بها مشروع القانون:
– توسيع مجالات الصلح في الجنح، وتبسيط إجراءاته ليشمل بعض الجنح التي يصل الحد الأقصى لعقوبتها 5 سنوات بعدما كان محصورا في الجنح المعاقب عليها بأقل من سنتين.
– النص على حضور المحامي خلال الاستماع للمشتبه فيهم الأحداث المحتفظ بهم، أو الأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية إذا كانوا مصابين بإحدى العاهات المشار إليها في المادة 316 من هذا القانون كالأصم والأبكم.
– منح حق الاتصال بالمحامي ابتداء من الساعة الأولى لإيقاف المشتبه فيه، ودون اشتراط الحصول على ترخيص من النيابة العامة.
– عدم جواز تمديد مدة الحراسة النظرية إلا بمقتضى أمر كتابي معلل صادر عن النيابة العامة بالنسبة لكافة الجرائم.
– إلزام ضابط الشرطة القضائية بإخضاع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية لفحص طبي بعد إشعار النيابة العامة، إذا لاحظ عليه مرضا أو علامات أو آثارا تستدعي ذلك، ويشار لهذا الإجراء بالمحضر وبسجل الحراسة النظرية، ويضاف التقرير الطبي المنجز إلى المحضر المحال على النيابة العامة.
– اعتماد التسجيل السمعي البصري أثناء استجواب الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية المشتبه في ارتكابهم جنايات أو جنحا مع الإحالة على نص تنظيمي لتحديد كيفيات التسجيل.
– التنصيص على بطلان كل إجراء يتعلق بشخص موضوع تحت الحراسة النظرية، إذا تم بعد انتهاء المدة القانونية للحراسة النظرية أو بعد التمديد المأذون به قانونا، مع عدم شمول البطلان بالإجراءات الأخرى التي تمت خلال الفترة القانونية للحراسة النظرية.
ومن دواعي مراجعة هذا القانون حسب المسودة، التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الواردة في خطب جلالته، والتي حددت الفلسفة والمعالم الكبرى لإصلاح منظومة العدالة ببلادنا، تنزيل مضامين الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011، الذي أفرد ضمن مضامينه حيزا هاما لمجموعة من الحقوق والحريات ووضع آليات لحمايتها وضمان ممارستها، زيادة على الدعوة إلى تعزيز العديد من ضوابط وقواعد سير العدالة، ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المواثيق الدولية وتوصيات وملاحظات هيئات منظمة الأمم المتحدة ذات الصلة بمجال حقوق الإنسان وشروط المحاكمة العادلة من جهة، وبمكافحة وردع الجريمة من جهة ثانية، التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، خاصة على مستوى تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، التوصيات الصادرة عن الآليات الأممية لحقوق الإنسان وبعض الآليات الدولية في مجال مكافحة الجريمة، من قبيل: توصيات لجنة الاختفاء القسري – لجنة مناهضة التعذيب – لجنة حقوق الطفل – لجنة الاعتقال التعسفي – مجموعة العمل المالي، مواكبة التطور الحاصل على مستوى الأنظمة الجنائية الحديثة، وما وقف عليه الفقه الجنائي المعاصر من نظريات حديثة لتطوير أداء العدالة الجنائية، مواجهة ظاهرة الجريمة التي أصبحت تتطور بشكل ملحوظ كما وكيفا، وتتخذ أبعادا عابرة للحدود الوطنية في إطار ما يسمى بالجريمة المنظمة، سد الثغرات التي أفرزتها الممارسة القضائية العملية، والتي أصبحت تتطلب تدخلا تشريعيا لإصلاحها أو تلافي عيوبها، الملاءمة بين قانوني المسطرة الجنائية والقانون الجنائي سواء فيما بينهما، أو مع نصوص قانونية أخرى ذات الصلة من حيث المفاهيم والمضامين، تم إيجاد حلول لمكامن القصور المسجلة على مستوى المنظومة الجنائية، من قبيل تضخم عدد القضايا الزجرية المعروضة على المحاكم، تضخم عدد النصوص القانونية الزجرية، وارتفاع نسبة الأشخاص المقدمين أمام العدالة بمن فيهم المودعين رهن الحرسة النظرية، ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين، بنسبة تقارب في أغلب الأحيان 40 في المائة من مجموع الساكنة السجنية خاصة أمام غياب بدائل الاعتقال الاحتياطي، فضلا عن تعقد العديد من المساطر والإجراءات القضائية التي تتسبب في البطء وتؤثر على النجاعة القضائية والبت في القضايا داخل أجل معقول.
إجراءات تمنع على الجمعيات والأشخاص من وضع شكايات ضد ناهبي المال العام:
وسط تذمر الحقوقيين، تضمن مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير و تتميم قانون رقم 22.01 المتعلق المسطرة الجنائية، المصادق عليه من قبل مجلس الحكومة في 29 غشت 2024 و المحال على المسطرة التشريعية لمجلس النواب، إجراءات تمنع على الجمعيات والأشخاص وضع شكايات أمام القضاء تتعلق بنهب المال العام.
وجاء في مشروع القانون الذي صادقت عليه الحكومة أخيرا، على سبيل الحصر للجهات المخولة بتحريك الدعاوى المتصلة بالمال العام، وورد في المادة 3 من المشروع “لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات، أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك.
كما يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث، وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم المتعلقة بالمال العام إذا تعلق الأمر بحالة التلبس”.
وقال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، تعليقا على هذا التعديل الذي ورد في المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية في تدوينة على فيسبوك، إن المادة المذكورة تشكل تقويضا للدستور ولاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب وللقانون رقم 10-37 الخاص بحماية المبلغين عن جرائم الفساد فضلا عن كونه يقيد ويقلص مهام ودور النيابات العامة والشرطة القضائية فيما يتعلق بالتصدي لمخالفات القانون الجنائي كما هو وارد في المسطرة الجنائية المعمول بها حاليا.
مشروع لا يترجم أي حماية قانونية لفائدة المرأة المغربية:
ترى جمعية التحدي للمساواة و المواطنة، في سياق فتح ورش المسطرة الجنائية، والذي لطالما كان من ضمن أهدافها الاستراتيجية، بغاية ترصيد المكتسبات التي كفلها دستور 2011 للمرأة المغربية، و تعزيز الأمن القانوني و القضائي في نفوس النساء بشكل عام، ولا سيما ضحايا مختلف جرائم العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي، أن مبادرة إعادة النظر في قانون مسطري أساسي، يرتبط بشكل مباشر بالحقوق و الحريات العامة و الخاصة، و التي يكفلها دستور المملكة المغربية لسنة 2011، و عدد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، لم تعد تسمح بأي شكل من الاشكال أن يحال مشروع قانون يحدد الآليات المسطرية الأساسية، و الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة و من تم سبل و آليات تحقيق العدالة، بدون الأخذ بعين الاعتبار التوجه الاستراتيجي للدولة الهادف لتمكين المرأة، من مختلف حقوقها، إسوة بنظيرها الرجل، واعتبارا لذلك، فاطلاق ورش تعديل نص من هذا المستوى بدون اعمال مقاربة النوع الاجتماعي، في صياغة مجموع التعديلات الواردة عليه، يجعلنا أمام نص لا يترجم الحماية القانونية المرجوة لفائدة المرأة المغربية.
كما تبرز أن مجهودا مقدرا، قامت به عدد من مؤسسات و أجهزة الدولة الاستشارية و التقريرية، للتأكيد على مكانة المرأة و موقعها داخل المجتمع من جهة، ولحسم موضوع إمكانية سن أي قانون بدون وضع المرأة في صلب العملية التشريعية من جهة ثانية، وهو الأمر الذي تأكد من خلال عدد من تقارير المندوبية السامية للتخطيط، و لا سيما تقرير “المرأة المغربية في أرقام” برسم سنة 2022، و الذي يبرز الارتفاع المهول لنسب العنف الممارس ضد المرأة بالمغرب، الى جانب التقرير الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الانسان حول التبليغ عن العنف ومناهضة الافلات من العقاب خلال مارس 2023، والذي يكشف الصعوبات الإجرائية التي تحول دون ولوج الناجيات من العنف الى سبل الانتصاف القضائي، فضلا عن تقارير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، و عرض السيد رئيس الحكومة، بالجلسة الشهرية لمسائلة رئيس الحكومة يوليوز 2023، و اختيار مجلس النواب، برسم سنة 2024، تقييم السياسة العمومية للدولة حول شروط وظروف تطبيق القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، و ما خلص له هذا التقرير من وضع كارتي أكد استفحال ظاهرة العنف ضد النساء، وعدم تراجع نسب العنف منذ سنة 2009 رغم مختلف التدابير الإجراءات و المتخذة، الى جانب التوجيهات الملكية المتواترة، الهادفة الى صون كرامة المرأة و موقعها و اعتبارها داخل المجتمع، و آخرها فتح ورش تعديل مدونة الأسرة.
وسجلت الجمعية عددا من الملاحظات، تتعلق بانعدام و غياب أي أجهزة لإنفاذ القانون أو أجهزة قضائية متخصصة، لمعالجة قضايا العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، لم يتم التنصيص على جهاز للشرطة قضائية، متخصصة في قضايا العنف ضد النساء، بصلاحيات واضحة، على غرار ضباط الشرطة القضائية المتخصصين في قضايا الاحداث، لم يتم اخضاع قضايا العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي الى مقتضيات خاصة على مستوى آجال تقادم الجرائم، تستحضر خصوصية هذه الأفعال التي تجعل الضحايا تتأخر في التبليغ عنها، مما يؤدي الى الافلات من العقاب، لم يتم التنصيص على حظر الوساطة و الصلح في جرائم العنف الجنسي و الجسدي ضد المرأة، لم يتم التنصيص على احداث صندوق لجبر ضرر الضحايا في حالة تعذر تنفيذ التعويضات المحكوم بها، لم يتم التنصيص على أي شكل من اشكال مراعاة مركز الضحية في المنظومة الجنائية و هو ما يجعلنا أمام ضعف ضمانات المحاكمة العادلة، ولم يتم التنصيص كما كان منتظرا على إمكانية استفادة الناجيات من العنف من المساعدة القضائية بقوة القانون، ولا على اعتماد أي قواعد اختصاص محلي و نوعي تتصف بالمرونة لتشجيع المواطنات و المواطنين للتبليغ عن العنف الممارس ضد النساء.
و أمام غياب أي حماية قانونية للمرأة في قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، تؤكد جمعية التحدي للمساواة و المواطنة رفضها لتعديل قانون المسطرة الجنائية بدون الأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع الاجتماعي، بما يعزز من فرص حماية النساء وانهاء معاناتهن، و بالتالي اضطلاعهن بالأدوار المنوطة بهن داخل المجتمع المغربي.