حسن عين الحياة
أنهى الفنان الكوميدي سعيد الناصري، قبل أيام، تصوير فيلمه السينمائي الجديد بمدينة فاس، لينضاف إلى باقة أفلامه الشهيرة “اللعب مع الذئاب” و”البانضية” و”الحمالة” و”الخطاف” و”مروكي في باريس” و”عبدو عند الموحدين” و”أخناتون في مراكش” و”البانضية”.
وبحسب المعطيات التي حصلت عليها “المنعطف” لم يستقر الناصري بعدعلى عنوان محدد لهذا الفيلم الذي تم تصويره بين مدينتي فاس وإفران، حيث ما يزال مترددا بين عنوانين اثنين: “لمْدَجَة” و”تيزرزيت”. وهما معا يعكسان جوهر الفيلم، الذي تنطلق مشاهده الأولى مما يشبه “الأسطورة” في الثقافة الأمازيغية القديمة.
ويحكي الفيلم قصة “مدجة” تعود إلى عهد الملكة الأمازيغية “ديهيا” أو “الكاهنة” التي قال عنها المؤرخ ابن خلدون “إنها فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها الزمان”. ولأنها “ديهبا” عُرفت بـ”التكهن من وحي شياطينها” صنعت “مدجلة” للملك كسيلة الذي خلفته في ما بعد في الحكم، لمساعدته في العثور على إبنه الغائب.
وينطلق الفيلم من تاريخ الكاهنة، مع حبكة مميزة في تسويرها بالخيال المفتوح على “الأسطورة”، حيث سيعثر أشخاص داخل مقبرة قديمة على تابوت به هيكل عظمي و”مدجة”، لينتقل المشهد سريعا إلى عام 1972، مؤطرا رجلا يتاجر في الأطفال.
ويبدو هذا الرجل، من خلال التسلسل الدرامي للفيلم، أنه يتظاهر بمساعدة الأمهات العازبات والأرامل الحوامل، حيث يرافقهن طيلة فترة الحمل، بعطف مستعار، قبل أن يستولي بحيله الخاصة على أطفالهن أثناء الوضع، وبيهم للعائلات الميسورة التي لم تتمكن من الإنجاب. وهذا الرجل، كما تبرز المشاهد الأولى للفيلم، سيرافق امرأة حامل (رحمة) توفي زوجها حديثا إلى مكان ما في مدينة إفران من أجل مساعدتها على الوضع، لكنه في الآن ذاته، يتفق مع القابلة على تخديرها حتى يتمكن من خطف طفلها وبيعه. ويُبرِز سعيد الناصري كمخرج للفيلم مكر هذا الرجل وانتهازيته، ذلك أنه مباشرة بعد وضع رحمة، يستغل الرجل حالة تخديرها المتقدمة ليخطف طفلها، ومن تَمَّبيعهبمبلغ مالي كبير لامرأة ميسورة معية زوجها الذي يتاجر في الذهب. وتظهر المرأة وهي فرحة بالطفل، لكن في الآن نفسه حائرة في تسميته.. وهنا يقترح الرجل تسميته بـ”حمودة”.
ومن مكر الصدف أيضا، أن الرجل عندما عاد ليتفقد أحوال رحمة، وجدها قد أفاقت من غيبوبتها، لكنه سيفاجأ بأنها وضعت مولودها الثاني، وهو طفل توأم، لكن دون أن يتمكن من خطفه، وهنا تشكره رحمة على مساعدته لها ووقوفه معها طيلة فترة الحمل، دون أن تدري أنه خطف طفلها الأول، لاعتقادها أنها انجبت طفلا واحدا وليسا توأما. ولأنها احتارت بدورها في تسميته اقترحت على الرجل أن يتكلف باختيار اسم لوليدها.. ودون أن يدري سمى الرجل الطفل الثاني “حمودة” أيضا.
ومع توالي المشاهد، تظهر المفارقة في حياة التوأم.. حمودة الذي يعيش في كنف أسرة ميسورة في إفران، وحمودة الشقيق الذي يعيش الفقر في حضن والدته رحمة بفاس.. مع التركيز على لحظة اعتقال الرجل بعد ضبطه وهو يتاجر في بيع الرُضع.
وبعد 50 عاما، يكلف تاجر الذهب ابنه بالتبني “حمودة” بإيصال “مدجة” لها تاريخ عريق إلى أحد أصدقائه بفاس من أجل إهدائها لابنته.. لكن بمجرد وصول حمودة إلى هذه المدينة، يتفاجأ بكونه معروفا هناك، بالنظر إلى التشابه الكبير بينه وبين أخيه (ولد رحمة).. وهنا ركز الناصري على هذا التضاد وهذه المفارقات في حياة شقيقين، الأول خجول والثاني جريءلخلق مواقف كوميدية بحس عال في التفكه.
ويلعب سعيد الناصري دورين مركبين، حمودة في إفران وحمودة في فاس، ويشاركه في الفيلم صوفيا بنكيران والصديق مكوار وعبد الحق بلمجاهد بالإضافة إلى فنانين آخرين.
وقال سعيد الناصري في حديث خص به “المنعطف24″، إنه يتأسف كثيرا لعدم تمكن الفنان مصطفى تاه تاه من مواصلة تصوير مشاهده في الفيلم، مضيفا أن هذا الفنان الكبير صور مشهدا واحدا قبل أن يتعرض لنوبة قلبية، “لكن بحمد الله تمكنا من نقله سريعا إلى المستشفى للعلاج، قبل أن نضطر إلى تعويضه بممثل آخر”.
وأضاف الناصري أن الفيلم عرف مشاركة كل من الفنانين محسن نشيط وسعيد بن ثقة وسعيد وهيب. “هؤلاء شخصوا أدورا كوميدية مهمة وهم يحاولون سرقة المدجة.. ومن موقف لآخر تبرز الكوميديا العفوية البعيدة عن تلك الجاهزة أو المتوقعة، حيث ركزت كثيرا على كوميديا المواقف، وأيضا اللعب على المفارقات والتضاد وغيرها من التيمات الحديثة في فن الكوميديا”.
وأكد الناصري على أنه أراد من خلال هذه الفيلم إيصال فكرة مهمة، “مفادها أن للأمازيغ تاريخ عريق في المغرب العربي، بالإضافة إلى معالجة ظاهرة الاتجار في الأطفال بطريقة الغرائبية، مع إبراز جمالية مدينة فاس وأصالة أهلها، فضلا عن إظهار سمو العلاقات الإنسانية والانتصار لقيم الكرم والوفاء والحب”. وأضاف أن هذا الفيلم اشترك في انتاجه أربعة أشخاص وهم بحسب تعبيره “سعيد الناصري وسعيد وهيب وزكرياء مراجلة وبوشتى الإبراهيمي، أما شركة الإنتاج فهي هولولو برود من فاس”.