يوسف الدموكي
كأني أرى الحمار العزيز يبكي؛ صديق الغزيّ الوحيد في مصابه الجلل ورفيق كفاحه وجراحه، إن قالوا له طحين سار إليه، وإن قالوا جثامين سار إليها، يحمل نصيب أصحابه من أيّهما أو خليط من كليهما، تارةً أشلاءً وتارةً خبزًا؛ ثم يمضي وحده دون حاجة لتوصية، وهو الجائع مثلهم، الظمآن أكثر منهم، المتعَب دون شكوى، المنهَك دون قوة، المتحمل دون طاقة، لكنه يجاهد وإن لم يعقل ما هو الجهاد.
له أصدقاء قُتلوا في هذه الحرب، أصدقاء من البشر وأصدقاء أو أهل من بني جلدته، وجيران من حمير الجيران، وأصدقاء من حقول القت التي جرفتها الآلة الإسرائيلية مصاصة الدماء، حارقة الأخضر واليابس.
يُحزنه أشد ما يحزنه أن يعيّر الناس بعضًا بشتيمة “حمار”؛ مع أن أحدًا من الناس، والحكام، والشعوب، خارج غزة لم يشهدوا مجتمعين ما شهدته حدوةٌ في قدمه، ولعل أصوات الملايين الصامتة لم تعدل صدق نهقة من نهيقه.
وإني لأقترح بخجل من الحمار وأهله، وأستأذنه في مقامه العالي الرفيع، المتألم الجريح، أن يُضرب به المثل على الرجل المتحمل المتألم وهو جائعٌ عطشان يؤدي ما يوكَل إليه دون صوت أو شكوى، مخلصًا صدوقًا، فنقول “كحمار أهل غزة”، وأدعو المعنيّين إلى اعتماده في مجامع اللغة وتاريخ التراث الشعبيّ.