عبد اللطيف بوجملة
*حول سؤال الثورة الحيوية – الرقمية الأولى…
**يتوقع الفلكي المغربي عبد العزيزالخطابي صاحب نظرية التنجيم السياسي ، ، تحولات فارقة على الصعيد الاقتصادي، ومثلها أيضاً الطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات الكهربائية من دون سائق، ومصادر الطاقة الجديدة، والمواد المركَّبة. وتستغل الشركات المرنة الفرص السانحة أمامها للارتقاء بالأداء إلى الحد الأمثل وتسخير التقنية المتوفرة. ويؤدي تسارُع الكفاءة الحاسوبية والخوارزميات إلى تخلخل المجتمعات بسبب التحولات المتلاحقة في الطلب على العمالة.
وتطرح التحولات التكنولوجية الكبرى احتمال استبدال البشر في جميع الأعمال الروتينية كمجالات دراسة الأسواق والمحاسبة وتدقيق الحسابات، والاستطلاعات القانونية والبحث في السابقات القانونية، والعديد من مجالات الطب.
وبالإضافة إلى التخلخل الناجم عن التقنية الرقمية، ثمة تطورات ثورية في التقنية الحيوية والتقنية النانوية والتقنية العصبية، وإذا ما تقاطعت تلك التقنيات فإن ذلك بمثابة اختبار لآفاق ما وراء الإنسانية.
ويتوقع الخطابي أن تتنافس الصين والولايات المتحدة على امتداد الساحة التقنية برّمتها، ما يفرض تحدياتٍ أمام حكومة بروتوكولات الإنترنت، ومعايير منصات الاتصالات المتنقلة – منصات الجيل الخامس 5.وربما منصات الجيل السادس6، والأسلحة ذاتية التشغيل، والهندسة الحيوية.
وستوطد بلدان أخرى متقدمة تقنياً، كاليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والهند، أوجه تفوقها بمقاييس مختلفة. وستتبنى المجتمعات وجهات نظر ثقافية مختلفة بشأن اعتماد وتطوير تكنولوجيات معينة، خاصةً تلك الواقعة عند نقطة التقاء التقنية الحيوية والتقنية النانوية والتقنية العصبية، ما يتسبب بمنازعات أخلاقية وقانونية وتنظيمية.
وعلى المستوى الإقليمي، تملك الإمارات والسعودية وقطر وإيران ومصر القدرات التقنية والموارد المالية اللازمة للمشاركة التنافسية في جوانب من هذه الثورة العلمية والتقنية، وليس ثمة بلد آخر في المنطقة العربية لديه قدرات مماثلة. اضطرابات اجتماعية واسعة
وفي مرحلة تتزايد فيها الشكوك، وتتشتت فيها القوى، وتمنَح فيها الثورة التقنية الأفضلية لأولئك القادرين على تسخيرها واستغلالها وإن كان على حساب من هم أقل حظاً منهم، ستتفاقم حالة عدم المساواة في الدخل والثروة، وستكون المجتمعات كافة بحاجة إلى مرونة مؤسسية استثنائية ومستويات فائقة من تماسك المجتمع لإدارة الاضطرابات التي ستقع جرّاء ما سبق، ومثل هذا الاتجاه لا مفر منه على مدار العقد.
ويتنبأ الخطابي باندلاع الاحتجاجات وأعمال الشغب في جميع أنحاء العالم، وفي حين تتفاوت الظروف الفردية، إلا أن الشعور بالحرمان غير العادل، أو وجود شريحة محرومة نسبياً، أمر شائع عند الجميع. ويعزى ذلك، في الغالب، إلى سياسات حكومية أدت إلى منح امتيازات لعدد محدود على حساب الكثيرين. وقد ظهرت بالفعل قوى اجتماعية مختلفة لحشدِ غضب المواطنين، يسعى بعضها إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، فيما يضم بعضها الآخر متطرفين يسعون إلى تدمير المؤسسات القائمة.
وستؤدي الثورة التكنولوجية التي بدأت بالفعل إلى تفاقم هذه التوترات، حيث باتت المهامّ الروتينية لبعض الطبقات العاملة تؤول إلى الروبوتات والخوارزميات والذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى استبدال العمال ذوي المهارات الضعيفة، وسيكون الأمر أكثر حدّة في الاقتصاديات النامية متوسطة الدخل ذات القطاعات التصنيعية الكبيرة نسبياً، فمثل هذه الاقتصاديات لن تتمكن من إعادة توزيع العمال الفائضين إلى قطاعات أخرى.
وتتضمن التبعات الإقليمية الخاصة بهذا الاتجاه انتشار عدم المساواة في الدخل والثروة والفرص على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة، ووجود قلّة قليلة من الحكومات التي لديها الدراية الكافية لتنفيذ تحوّل في أنظمة التعليم الوطنية بما يكفل تزويد مواطنيها بالمهارات اللازمة لتحقيق التقدم والازدهار في العقد المقبل.
وستتزايد أعداد الشباب الذين ينقطعون عن التعليم بحثاً عن عمل أو فرص اقتصادية أخرى وسيصابون بالإحباط عند فشل جهودهم، مما سيؤدي إلى خروجهم بإحباطهم إلى الشوارع، وستنتشر الاضطرابات الاجتماعية، وسيشكل ذلك تحديات حادة في بلدان مثل الجزائر والعراق.
*و حول سؤال ضعف الحكومات….
**يتوقع المنجم المغربي الخطابي ان التحولات الجيو- اقتصادية والتوترات الجيوسياسية المتتالية أدت منذ أمد بعيد إلى تقويض سيادة الدولة وسلطتها، ما قلل من ثقة المواطنين في حكوماتهم. والمساءلة أمام المواطنين والأطراف المعنية، أضعفتها العولمة والاعتماد على آليات السوق الحر بغية تعزيز الرفاه.
وفي عالم معقد ومترابط الأطراف، تبدو الحكومات غير متأكدة من السياسات الكفيلة بتحقيق أهدافها. وبعد أن اعتاد العديد من الشباب على حشد مصادر متعددة للمعلومات وللحلول وللتمويل، بالاستعانة بمنصات رقمية، باتوا يضيقون ذرعاً من تباطؤ عملية اتخاذ القرارات السياسية. وحملات الشبكات الاجتماعية القائمة على احتجاجات جماعية في الشوارع آخذة في تغيير معالم السياسة، ونجد الحكومات والطبقة السياسية تقاوم مثل هذه التغيرات، بينما تتزايد أعداد المحتجين في الشوارع. وسيتواصل هذا الاتجاه طوال العقد المقبل.
ويقول المنجيم عبدالعزيزالخطابي بأن تبعات ضعف الحكومات ستظهر نتائجها على العلاقات بين الطبقات الحاكمة والسكان خلال العقد المقبل، بحيث ستصبح أقل هرمية لأن الثقة في القيادات السياسية وقبول السلطة لم يعودا تحصيل حاصل، بل لا بد من اكتسابهما. وسيزيد التحول نحو الأحادية من ذلك، فقد باتت الحكومات تتبنى سرداً بسيطاً، من قبيل «أمريكا أولاً» و«بريكست»، في إطار دفاعها عن امتيازاتها وسعيها لتلبية احتياجات مواطنيها، ولكن في عالم مترابط الأطراف بدرجة عالية، لا يمكن للسياسات أحادية الجانب أن تحقق نتائج إيجابية ثابتة.
ومع اتضاح عجز الحكومات الضعيفة في المنطقة عن تلبية احتياجات مواطنيها، ستصبح الثورات والاضطرابات الشعبية أكثر تواتراً، وهذا يفتح الباب أمام قوى طائفية دون وطنية وعابرة للحدود تغتنم فرصة ضعف الحكومة لتقوم بتلبية الاحتياجات الاجتماعية، وإشعال فتيل الثورة من خلال تقديم سرديات بديلة. سوريا والعراق ولبنان عُرضة لذلك أكثر من غيرها لأن الانتماءات الأخرى كالطائفية وغيرها قد تطغى يوماً على الاعتبارات الوطنية.
و يتوقع الخطابي ان الحكومات الأكثر قوة وقدرة، لا سيما دول الخليج ذات الخبرة الطويلة في المجتمعات متعددة الجنسيات، ستقود تقدماً اجتماعياً على امتداد مسارات تحولات اقتصادية وسياسية متوائمة ومحددة تحديداً واضحاً، ما يمكّنها من بناء الثقة وتعزيز التضامن، وسيتطلب ذلك إيلاء اهتمام وثيق للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الناشئة والتكيّف البناء بالسرعة اللازمة.
ويضيف الخطابي في توقعاته ان التبادلات الاستقطابية بين الأحزاب السياسية ُستضعف ثقة المواطنين بقدرة السياسيين على مواجهة التحديات المتزايدة. ويتزايد الخطاب السياسي ذا الطبيعة الشعبوية والقومية والطائفية، ويبدو ذلك واضحاً للعيان في بلدان في جميع قارات العالم، وسيفرض ذلك تحديات متزايدة إلى حين تطوير أشكال حكم جديدة تسمح تحقق نتائج أكثر فعالية.
*و حول سؤال ارتفاع النمو السكاني والتخوف من تغيّر المناخ ابتدأ من سنة 2030 ….
**يتوقع الخطابي أن يرتفع عدد سكان العالم، إلى 8.5 مليارات نسمة في عام 2030، منهم 5.1 مليارات نسمة في البيئات الحضرية، ومع ارتفاع الدخل المتاح للإنفاق بينهم سيزيد استهلاكهم، ما سيسرّع عجلة الإنتاج ويرفع كمية النفايات الناجمة.
وحالة الشدّ القائمة بين تزايد تعداد سكان العالم في المناطق الحضرية وتراجع كميات المياه الجوفية والحياة البحرية والتنوع البيولوجي والأجواء الصحية، ليست بالمستدامة. فتغيُّر المناخ يخلق من الآثار السلبية ما يهدد بقاء الإنسان. وسنجد أنفسنا تحت وطأة ضغوط لتقليص استخدام الوقود الأحفوري لأغراض الطاقة، وتغيير السلوكيات من أجل فصل انبعاثات غازات الدفيئة عن مسار التنمية، والثني عن الإنتاج المفرط والتراكم والاستهلاك والنفايات. ومن دون وجود حوافز اجتماعية لتغيير السلوكيات، وتطوير مسارات لنقل الطاقة تمكن من إزالة الكربون العميق، ستتعطل بشكل كبير جوانب عدّة من حياتنا بحلول عام 2030.
ويحذّر الخطابي من أن المخاطر المترتبة على تغيُّر المناخ والمؤثرة في النمو وسبل العيش والصحة وأمن الغذاء وإمدادات المياه ستزداد على نحو حاد مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات في السنوات القادمة، بل وستتسارع بشكل هائل مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين.
وللحد من الاحتباس عند 1.5 درجة مئوية، نحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 وإزالة 1000 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بحلول عام 2100، وشيء بهذا الحجم لم ينفَّذ من قبل، لذا الأمر بحاجة إلى ابتكارات استثنائية والتزام صارم. كما يحتاج العالم إلى إزالة الكربون العميق من إمدادات الطاقة الحالية والتحوُّل بسرعة إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة والاستثمار اللازم لتحقيق ذلك يقارب تريليون دولار سنوياً حتى عام 2050.
وستنتقل دول الخليج تدريجياً نحو إزالة الكربون من مصادر الطاقة، بما في ذلك حلول التنقُّل والبيئة المبنية، وتوسيع نطاق استخدام الطاقة المتجددة.
وتمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقل من 2 في المئة من المياه المتجددة في العالم وتضم بعض أسوأ البلدان مرتبةً من حيث شُحّ المياه. وسيعزز تغير المناخ التنافس على الموارد الشحيحة وسيفاقِم الفقر وسيزيد الهجرة القسرية خاصة في منطقة بلاد الشام. وسيتقلص توافر المياه في معظم أنحاء المنطقة، وسيزداد الاعتماد على محطات تحلية المياه.
ويوصي الخطابي بإعداد المزيد من سياسات وخطط وتشريعات إدارة مخاطر الكوارث بما يمكّن من مواجهة الصدمات وتمكين التأقلم الفعّال، ولا بد من إدماج وحدات إدارة مخاطر الكوارث في الحكومات لتعزيز التنسيق القائم على تقييمات المخاطر وقدرات الإنذار المبكر وأنظمة إدارة المخاطر ومراكز البيانات الفعالة.