ليلى خزيمة
أوجين دولاكروا، بول بولز، تينسيويليامس، جون جونيه، وغيرهم من الفنانين والمبدعين وقعوا في عشق طنجة عروس الشمال. هذه المدينة التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، تمتلك معالم تاريخية وطبيعية جعلتها قبلة سياحية متميزة. من بين هذه المعالم التاريخية، متحف القصبة أو متحف الثقافات التموسطية. هو متحف قديم ومعلمة أثرية وسياحية. يقع تحديدا في قصر السلطان السابق في دار المخزن، في حي القصبة.
يصنف هذا المبنى كمتحف أثري واثنوغرافي. وقد تأسس سنة 1922 ويوفر بمعروضاته ومعالمه نظرة على العصور القديمة، ابتداء من عصور ما قبل التاريخ إلى القرن التاسع عشر. كما يوفر المتحف لزواره معلومات عن معروضاته باللغتين العربية والفرنسية. يتكون المتحف من ثلاثة أقسام تُعرف الزائر على الحضارات المختلفة التي تعاقبت على مدينة طنجة، وعلى دورها التاريخي في المنطقة. يبدأ المتحف بقاعة بيت المال التي تحتوي على خزانة خشبية مطعمة بالحديد اُستخدمت قديما لحفظ الأموال، والقاعة الثانية تعرض مجموعات من الحلي والتعاويذ وبيض النعام المحفور التي تعود إلى الفترتين الفنيقيتين والبونية، كما تعرض نماذج خزفية وتماثيل تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وتحتوي القاعة الثالثة على منحوتات وأواني وحلي من العهد الروماني.فيما تمثل قاعة القبة الكبرى نموذجا مميزا للفن المغربي، وتعرض القاعتين الخامسة والسادسة قطع وتحف إسلامية، أما القاعة السابعة فتعرض تحفا من الفترة العلوية.
المبنى تاريخ وعمارة
كان هذا المكان في السابق قصرا، ومقر إقامة الحاكم البرتغالي دوموسبريفكتى، تم استخدام الموقع كقلعة في زمن الحكم الإنجليزي وتحديدا بين عامي 1662 و1684. بعد طرد الانجليز، أمر السلطان المولى إسماعيل القائد علي بن عبد الله الحمامي التمسماني، المسمى القايد الريفي بإعادة إعمار المدينة. فقام ببناء قصبة كاملة تسمى أيضا “قصبة غيلان”، وتقع على ضفة وادي الحلق وتحتوي على قصر القصبة المعروف وجامع القصبة، وعدد من الملحقات كما تبين النقوش المزينة لـ “قبة دار البخاري”. ويقع متحف الثقافات المتوسطية في قصر دار المخزن الذي كان مقر الحكومة بالجهة الشرقية للقصبة.
تمزج هذه التحفة المعمارية ما بين الطراز المعماري المغربي والأندلسي المتمثل في زخارف سقفية خشبية، وجبصية متنوعة، وعلى ألواح زليج تزين الجدران، وعناصر ذات صبغة أوروبية كالأعمدة والتيجان الرخامية المنتصبة بالفناء الداخلي للقصر، والحدائق التي تحتوي على نافورة رخامية بيضاء وصهريج جانبي وبعض الأعمدة والمدافع الصغيرة.
ويتألف مبنى المتحف من واجهة بيضاء مزخرفة، وفيه ساحتان كبيرتان، ونوافير وحديقة أندلسية. خضع مبنى المتحف لعملية توسيع في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتم تزويده بالأسقف المزخرفة والقباب الخشبية الخضراء المنحوتة.
أعيد بناء قصر القصبة مرات عديدة في ظل حكم السلطان مولاي الحسن الأول. ومن أبرز التعديلات نذكر باب حديقة “رياض السلطان” في الجهة الشمالية/الغربية. وفي عام 1922م، تم تحويل جزء من القصبة إلى متحف. وفي نونبر 2015، شهد المتحف عملية ترميم من طرف “المؤسسة الوطنية المغربية للمتاحف”، قبل إعادة فتح أبوابه أمام الزوار في 28 من يوليوز 2016 تحت اسم “متحف الحضارات والثقافات المتوسطية”.
محتويات المتحف
يشكل متحف الثقافات المتوسطية ذاكرة تاريخية وحضارية تهم منطقة البحر المتوسط، بكل ما شهدته من أحداث وثقافات طبعت مختلف العصور، بدءا من عصور ما قبل التاريخ وحتى القرن العشرين ميلاديا.
يقول إبراهيم الساليمي مدير المتحف: «العرض في متحف الثقافات المتوسطية بطنجة، يركز على ثلاثة محاور. المحور الأول يتعلق بالمآثر التاريخية الخاصة بطنجة، حيث لعبت منطقة طنجة وخليجها المطل على البحر المتوسط دورا مهما في استخراج اللقى (القطع) الأثرية على مر العصور. ويهتم المحور الثاني بطنجة منذ ما قبل التاريخ وحتى القرن العشرين. وهذا المحور عبارة عن عرض زمني متعاقب لأدوات كانت تستعمل في طنجة، ثم فترة ما قبل الرومانية، والتي شهدت تقدما كبيرا في الأدوات المستعملة من فخار ونحاس وغيره، إضافة إلى الفترة الرومانية ومنها أدوات مصنوعة من الرخام جرى استخراجها من منطقة طنجة.
ومن بين المعرضات الخاصة بهذا المحور، تلك التي توثق لمرحلة وصول الإسلام إلى طنجة، لا سيما تلك الخاصة بالفترة بين القرن الرابع عشر وحتى القرن السابع عشر، ومن أهمها كتاب المرتضى، وهو أحد الوثائق التاريخية التي تبرز مراحل تطور الكتاب في منطقة طنجة.
كما يضم المتحف، معروضات مرتبطة بالدول المتعاقبة على حكم المغرب خلال العصر الوسيط، ومنها أدوات كانت لها أهمية كبيرة في هذه الفترة، وتتعلق بالخشب والجبس والزليج (البلاط).
وعبر معروضات أخرى يمكن الوقوف على المرحلة الأخيرة، وهي فترة تحرير طنجة من الاحتلال الإنجليزي (1662 – 1684) من طرف السلطان المغربي، مولاي إسماعيل.
من بين هذه المعروضات أدوات تحكي عن شرارة الحروب التي عرفتها تلك الفترة. ومن أهمها أدوات تخص المحاربين، من إكسسوارات حديدية وقارورات للبارود، إضافة إلى أدوات تدل على ثراء وتاريخ طنجة، بما فيها الفترة البرتغالية التي أفرزت مجموعة من النقوش الجنائزية وأدوات ذات استعمالات متعددة.»
أما المحور الثالث في متحف طنجة: «فيرتبط أساسا بالدور الذي لعبته مدينة طنجة في حوض البحر المتوسط، وهو على شكل عرض موضوعاتي يبرز غنى وتنوع الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، من إغريق ويونان، وأيضا أدوات ذات تأثير مصري وتأثير مسيحي، وكذا أدوات مستخرجة من المقابر القديمة».
لمحة عن معروضات متحف الثقافات المتوسطية
يوجد في المتحف خرائط قديمة عملاقة. الأولى هي خريطة لطريق التجارة القديم، الطريق الذي كان شاهدا على تجارة المعادن الفينيقية القديمة وحتى الأجهزة الإلكترونية الحديثة في القرن الحادي والعشرين. أما الخريطة الثانية فهي خريطة للكرة الأرضية، تم رسمها في مدينة طنجة عام 1154.
يضم المتحف مقتنيات من العصر الحجري القديم الأدنى، والعصر الحجري القديم الأوسط، والعصر الحجري القديم الإبيبياليوليتي. وتوجد هذه المقتنيات في غرفة تسمى “من الصيادين الأوائل إلى المزارعين الأوائل”.
توجد بالمتحف كذلك، غرفة مخصصة لعرض المخطوطات المكتوبة بالحروف اللاتينية. ومقتنيات أخرى تتعلق بالتاريخ الإسلامي المغربي، مثل مصحف قديم يعود إلى القرن الثامن الميلادي، مطلي بالذهب، وقبة مطرزة بالزخرفة الإسلامية. كما يوجد قسم خاص لعرض الأسلحة القديمة. وفي مطبخ القصر القديم تعرض الأواني والأدوات القديمة التي كانت تستخدم في تلك الفترة. كما يضم المتحف تماثيل، وتوابيت، وعملات معدنية تعود لعصور مختلفة، وبعض المجوهرات والمقتنيات الثمينة، بالإضافة إلى مصنوعات جلدية، ومنسوجات وسجاد قديم يدوي، ومخطوطات، وقطع من الحرير. ومن أشهر المقتنيات الموجودة في المتحف هي لوحة فسيفساء اسمها “فسيفساء كوكب الزهرة”. كما يحتوي المتحف على صندوق حديدي في خزنة يمكن فتحها بالضغط على عدة أزرار بنفس الوقت.
حياة جديدة
بعد عملية الترميم، بات المتحف في شكله الجديد يتميز بأسلوب عرض سمعي وبصري حديث يعكس مختلف الأدوار التي لعبتها منطقة البحر الأبيض المتوسط عبر تاريخها في ظل الحضارات التي تعاقبت على هذه المنطقة. فهذه العملية كما يقول مدير المتحف: «منحت المتحف أسلوب عرض جديد يقدم نظرة تكميلية ومدققة عن محاور البحر الأبيض المتوسط، وكذا الدور الذي لعبته مدينة طنجة في المنطقة خلال مختلف الفترات التي تعاقبت فيها جميع الحضارات الإنسانية التي سجلها التاريخ. عملية الترميم أخذت بعين الاعتبار تيسير وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى مرافق المتحف، والذين عادةما يصعب عليهم الوصول إلى العديد من المباني التاريخية، التي تحتضن المتاحف».