رواد الفكاهة في المغرب —الحلقة 1
حسن عين الحياة
ثمة تجليات كثيرة للفكاهة كفنفي المغرب.. بعضها برز من خلال العنصر الجماعي الذي أفلح في “صناعة الضحك” في زمن كانت فيه الفكاهة المغربية تعيش مخاض التأسيس،وقد برز كرواد لها، خاصة بعد الاستقلال مباشرة،فنانون موهوبون، كالبشير لعلج وبوشعيب البيضاوي والقدميري والمفضل الحريزي وبوجمعة أوجود، الذين جسدوا المسرح آنذاك في صورته الفطرية من خلال “سكيتشات” هزلية وبعض التمثيليات التي كانت ثبت عبر الإذاعة، وبعدها التلفزيون، لتأتي بعد ذلك “صناعة الضحك” من خلال جيل آخر، من رواد الفكاهة، والذين تابعهم المغاربة بشغف عبر التلفزيون، كبلقاس وعبد الجبار لوزير وعبد الرحيم التونسي (عبد الرؤوف) وحمادي عمور والداسوكين والزعري ومحمد بنبراهيم وعبد الرحمان برادي وخديجة أسد وزوجها عزيز سعد الله وغيرهم كثير. قبل أن تبرز ظاهرة الثنائي، والتي أنجبت فكاهيين كبار، كـ”قشبل وزروال” و”قرزز ومحراش”،و”باز وبزيز”، و”السفاج ومهيول”، و”الصداقة”، و”عاجل وفلان” و”التيقار”، و”لهبال” و”الهناوات”، و”الثنائي 90″ و”الزيكوالزاك” وآخرون.
لكن بين فكاهة هؤلاء وفكاهة الكوميديين اليوم، ثمة مسافة من الاختلاف، سواء من حيث الأسلوب أو الأداء أو التيمة أو الإمكانيات، إذ لكل جيل من صناع الضحك جمهوره.. وجمهور اليوم يختلف عن سابقه، بالنظر إلى حاجة كل منهما إلى التفكه من صميم الواقع الذي يعيشه.
في هذا الركن، نسلط الضوء على فنان مغربي من رواد فن الكوميديا في المغرب، وفي هذه الحلقة نتوقف عند الفنان:الراحل عبد الرحيم التونسي (عبد الرؤوف)
يعتبر الفنان الراحل عبد الرحيم التونسي الشهير بـ”عبد الرؤوف” رائدا من رواد الفكاهة في المملكة، بالنظر إلى إسهاماته القيمة في إغناء فن الكوميديا بالمغرب منذ ستينيات القرن الماضي. ذلك أنه ظل وفيا لشخصية “عبد الرؤوف” المرحة، التي تقمصها لإضحاك المغاربة، فتقمَّصته لأزيد من نصف قرن كصانع حصري للضحك.
فنان موهوب، ومبدع مهووس بالنكتة الهادفة، وكوميدي مجدد في عصره، وفكاهي رائد، تمكن من خلال بحثه الدؤوب عن كل ما يسعد الناس، من رسم البسمة على شفاه المغاربة.
خلال ستينيات القرن الماضي، أسس عبد الرحيم التونسي المزداد عام 1936 بحي سيدي فاتح في المدينة القديمة بالدار البيضاء،تجربة مسرحية هي الأولى من نوعها، بطلها “عبد الرؤوف”.. الفتى الطيب، بمظهره الطفولي وحسه الهزلي (الفطري) ولباسه الفضفاض وقبعته الحمراء، وصوته ذي “الجِرس” المألوف، الذي أصبح دالا على صاحبه (عبد الرؤوف).حيث قدم هذه التجربة المسرحية في البداية على خشبة المسرح، قبل أن ينقلها إلى التلفزة في الستينيات لتحقق شخصية عبد الرؤوف نجاحا منقطع النظير، وتصبح من أبرز الشخصيات الكوميدية التي مرت في تاريخ التلفزيون المغربي.
وعلى امتداد ستة عقود تقريبا، تمكن عبد الرحيم التونسي، أن ينال حب المغاربة، وأن ينتزع من عمق همومهم ومشاغلهم وصراعهم مع المعيش اليومي الضحك العفوي، وذلك من خلال أعماله المسرحية الكثيرة، التي كان يعالج فيها مشاكلهم الاجتماعية في قالب كوميدي ساخر، موظفا بلاهة وسذاجة شخصية “عبد الرؤوف” التي كانت تخفي وراءها سرعة بديهة مُتقدة وذكاءً حادا.
ولأنه أسس تجربة خاصة، تعتمد على “عبد الرؤوف” كشخصية محورية في أعماله، وما تنبثق منها من أحداث ومواقف كوميدية، تمكن عبد الرحيم التونسي أن يسحر أجيالا من المغاربة بقدرته الهائلة على الإضحاك، ولعل ذلك هو ما جعل السواد الأعظم من المغاربة الذين عايشوا تجربته الفكاهية، يحفظون بعضا من حواراته الهزلية التي كان يؤديها في مسرحياته، فرددوها في جلساتهم واحتفالاتهم للتفكه والترويح عن النفس.. أما الذين كانوا يتلمَّسون أولى خطواتهم في مجال الفكاهة، فقد كانوا يقلدونه، باعتباره الكوميدي الشعبي الأبرز في ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي.
في مطلع العام الماضي، وتحديدا في 2 يناير 2023 خطفت المنية عبد الرحيم التونسي الذي وصفه كثيرون بـ”أسطورة الكوميديا في المغرب”، عن عمر يناهز 86 سنة، مخلفا وراءه أعمالا مسرحية وتلفزيونية وسينمائية، ستبقى موشومة في تاريخ الدراما المغربية.