ليلى خزيمة
للوهلة الأولى، لن تصدق أن من درست وتخرجت من مدرسة تخصص تجارة هي التي تعمل اليوم جاهدة للحفاظ على التراث المغربي الأصيل وتسعى إلى غرس روح المواطنة في شبابنا. لكن، إذا تمعنت قليلا، ستعرف أن نشأتها بين أحضان عائلة تعشق الفن والحرف اليدوية والموروث الفني والثقافي، دفعتها لاستغلال دراستها في التسويق للثقافة والتراث المغربي من أوسع الأبواب. كل البرامج التي أشرفت سلمى بنسعيد على إنتاجها، اهتمت باللمسة والقيم والتقاليد المغربية الأصيلة. من خلالدنياكوعندي ميعاد وداري في باليوصواب وكلام، ودار وديكور وأنغام الاولى، مرورا بالعديد من البرامج الثقافية والفنية، استطاعت سلمى بنسعيد الدخول إلى كل البيوت المغربية سواء داخل أو خارج الوطن وأمتعت الأسر والحرفيين على حد سواء بثقافة المشاركة والمنفعة العامة والاستفادة من الخبرات والأفكار النيرة. عندما تسألها عن سر اهتمامها، تجيب بكل بساطة ودون طول تفكير أنها عاشقة للوطن، محبة للتراث ومولعة بالفن.ولإيصال المعلومة على أوسع نطاق وتمكين الشباب خاصة من التفاعل مع الموروث الثقافي المغربي، توجهت سلمى بنسعيد نحو الشبكة العنكبوتية لتبسيط كل ما يستعصي وتسويق استثمارات الحرفيين والمبدعين المغاربة، فأصدرت منصتي ديالنا ماروك ومغربنا. وعن هاتين المنصتين اختارت اليوم أن تحدث جريدة المنعطف.
عندما أصدرت سلمى بنسعيد منصة ديالنا ماروك، ما كان هدفها؟
ديالنا ماروك هي خلاصة 22 سنة من الإنتاج التلفزي المخصص لبرامج انْصَبَّتْ على فن العيش المغربي والتراث المغربي. وخير دليل هو برنامج دار وديكور الذي دخل كل البيوت المغربية سواء على أرض الوطن أو في بلاد المهجر. فكل تنقلاتنا كانت لتعزيز المناطق المغربية وتراثها المتنوع وإعطاء الفرصة للحرفيين التقليديين لإبراز إبداعاتهم والمحافظة على الفنون التقليدية المغربية وتعزيز الهوية المحلية والرأسمال البشري. وبالتالي فديالنا ماروك جاءت ضمن خطة وحركية أساسها سفر مغربي، دعم مغربي، إبداع مغربي، استهلاك مغربي وتضامن مغربي. هذه الحركة هي التي أفرزت منصة العلامة التجارية المغربية.
ماهي الاليات التي تعتمدها ديالنا ماروك ضمن خطة عملها؟
ديالنا ماروك هي منصة للتواصل الاجتماعي مقرها المغرب. الهدف منها تعزيز العلامة التجارية المغربية وقيمها المتمثلة في التراث والرأسمال البشري والقيم والبيئة. بالإضافة إلى ربط العلاقة ما بين الحرفيين ورجال الأعمال المغاربة في المشاريع التي تبرز العلامة الثقافية للمغرب وتضم قطاع ثقافي يحفز على الابتكار. هذا القطاع الذي يحمل عنوان مغربنا، ثقافة وابتكار، ينظم مسابقات متنوعة لتعزيز التراث سواء على مستوى الأفكار أو الهندسة المعمارية بالإضافة إلى مبادرات أخرى تبرز الهوية التراثية والثقافية المحلية والمغربية. بالتالي فهي تجمع المواهب الشابة في خلق قيم ومشاريع وهذا هو الحافز الذي يعطي أفكار جديدة لتطوير هذا القطاع الهام. وهو وسيلة لإدخال الثقافة والابتكار والمقاولة في المسار الجامعي للشباب المغربي. نحفزهم كي يبتكروا في مجالات ستساعدهم فيما بعد في ميدان العمل والتركيز على العلامة المغربية التي يجب أن تشغل حيزا كبيرا من تفكيرهم وإبداعاتهم.
ومتى بدأت الفكرة تلح على سلمى بنسعيد لإنشاء هذا المشروع؟
بعد جائحة كورونا، لاحظنا أن قطاعات عدة عانت من الهشاشة خصوصا فيما يتعلق بالصانع المغربي الذي توقفت وتيرة العمل والابداع لديه بعد الحضر. فكان لزاما علينا أن نقوم بمبادرة ما لفك العزلة عليه وخلق متنفس وأمل. بالطبع، من خلال برنامج دار وديكور تعرفنا على العديد من هؤلاء الحرفيين وواصلنا التعامل معهم إلى حد اليوم. فأنا أقول أن هؤلاء الصناع والحرفيين هم أساتذة التراث المغربي. فعندما تجالسهم، لن يخبروك فقط عن حرفهم، بل يحكون لك روايات عن تاريخ مُدُنِهم وقُراهم ودواويرهم. فأصبحنا جميعنا عائلة كبيرة مهتمة بالتراث.
وكما يقال “رب ضارة نافعة”. جائحة كوروناآلمتنا كثيرا،وفي نفس الوقت كشفت القناعة عن الهشاشة التي يعيش فيها الحرفي، لكن أيضا خلقت نوع من التآزر واستنهاض الهمم لخلق فرص جديدة للإبداع. بحثنا عن أسواق لترويج التراث المغربي. بداية تمكنا من التواصل مع سوق واحد هو سوق دبي بفضل أناس يروجون للتراث المغربي هناك. فصنعنا لهم مجموعة خاصة اسميناها ديالنا،وهي أول إبداع من قطب “أرتيزاينور”لديالنا ماروكالذي يجمع مابين الصانع المغربي ونظرة المصمم. وأنا من صمم هذه المجموعة الأولى التي أُرسلت إلى دبي وبعدها إلى فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكرواتيا. وتمكنا بعدها من أن ندخل هذا الابداع في إطار قطاع “هوم” الذي يضم مشاريع لإعادة التهيئة وترميم فضاءات العيش.
قلتم أن المسابقات هي احدى الوسائل المعتمدة لبلوغ الهدف، لكن نعلم أنكم أدرجتم صغار السن في هذا المشروع الضخم. فهلا تحدثتم لنا عن هذه المغامرة؟
عندما كنا نشتغل على البرامج التلفزية، كانت الشريحة المستهدفة آنذاك هي الأسرة المغربية. عندما بدأنا الاشتغال ضمن ديالنا ماروك لم نعد نكتفي بالأسرة المغربية بشكل عام، بلتوجهنا إلى الشباب المغربي الذي يلعب دورا مهما في الحفاظ على تاريخ وتراث بلدنا وإثراء ونقل قيم الانتماء والرموز الوطنية. وبالتالي، فمغربنا ثقافة وإبداع تعمل على تطوير مشاريع لتوعية وتطوير نظرة الشباب في هذا السياق.
الوسائل التي اعتمدناها ارتكزت على مجموعة من المسابقات واللقاءات وربط عملنا بعمل الجامعات، لكي نساهم في توعية الشباب بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري والمعماري للمغرب. الهدف دائما هو جذب الشباب وإعلامهم وتوعيتهم بأهمية حماية التراث في كل المجالات. فمن خلال المسابقات والأنشطة الميدانية مثل مسابقة “التصوير والسرد الحكائي لمغربنا تراث”، نلزم الشباب وبشكل فعال، بالمساهمة في نشر وتوثيق التراث المعماري والحرفي والثقافي للمغرب. وبفضل هذه المسابقات، مكنا الشباب من تشكيل جسر للتواصل فيما بينهموكذلك فيما بين الأجيال ونقل المعرفة والممارسات الجيدة بالتعاون مع الحرفيين والفنانين والخبراء. فخلال نسختين من هذه المسابقة، تمكن الشباب من التجول عبر ربوع المملكة والتقاط الصور وتمثل التراث من خلال عملية السرد. فتملكوا التراث وأصبحوا يتحدثون بلسانه.
المغامرة لم تقتصر على الطلبة الجامعيين، بل وسعنا نطاق المعرفة لتلاميذ الاعداديات العمومية والخاصة الذين أبانوا عن فطنة وحب وحماس، دفعهم للانخراط بكل مسؤولية في هذا المشروع التراثي المغربي. في البداية، كنا متخوفين من دمج صغار السن في هذا المشروع، لكن ما أن تواصلنا مع المدارس وتقابلنا مع تلاميذ الاعداديات، حتى تبين لنا أن بداخلهم شعلة متيقظة ورغبة جامحة في العمل والتواصل والمشاركة والابداع. كانت النسخة الأولى واعدة ومثمرة بكل المقاييس. وقد أعطينا الأسبوع الماضي الانطلاقة للنسخة الثانية منه بمجموعة من المؤسسات. هؤلاء الصغار، هم من سيحمل المشعل في الغد. من خلال الصور التي التقطوها والتعاليق التي أدرجوها والحكايات التي رويت والطرق التي اعتمدوها من مرحلة إلى أخرى، أصبح جليا أن مستوى الوعي لديهم تطور وأثمر عن نظرة جديدة ستغني الساحة الإبداعية وتحافظ على الموروث الثقافي المغربي جيلا بعد جيل.
تشتغلون كذلك هذه السنة على مشروع جديد. فعلى ماذا يرتكز؟ وماهي تفرعاته؟
بالفعل، مؤخرا أعطينا الانطلاقةلمشروع المهندس الذي يجمع ما بين العديد من التخصصات والتي ترتكز على فلسفة فن العيش بشكل جماعي. فالبنايات يجب أن توفر الراحة للعائلة وتحترم النظام البيئي والصالح العام. الهدف هو حث المهندسين الشباب على التفكير بشكل جديد في هندسة الأحياء والمدن. وللإشارةوالتأكيد، فهي ليست مفاهيم بل أفكار تجمع ما بين أعضاء الهيئة المشاركة. كل هيئة مكونة من ثلاثة أعضاء كلهم طلبة، منهم المهندس المعماري والمهندس المدني، طالب علم الاجتماع والمختص في براعة البناء أو البناء المقتصد والذي يركز على أساسيات البناء احتراما للبيئة. وبالتالي فالمسابقة تعتمد على هيئات وليس على أشخاص. وهناك فئات أخرى تهتم بالصناعات المبدعة والمبتكرة مثل جامعة ابن طفيل التي تعمل على كبسولات تسلط الضوء على الحي والمعمار المستدام والموارد البيئية، سيتم نشرها قريبا. وهناك فئة أخرى تعمل على إنتاج فيلم وثائقي في هذا السياق.
تعتمدون في إيصال المعلومة على الشبكة العنكبوتية. هذه الأخيرة متشعبة بشكل كبير. فأين تتمركز المعلومة بشكل مكثف ومن خلال ماذا؟
عندما اخترنا الشبكة العنكبوتية لطرح مشاريعنا، كنا نهدف إلى إيصال المعلومة لأكبر عدد ممكن من المستفيدين. صحيح أنها مساحة شاسعة جدا وهي سيف ذو حدين. لكن استطعنا أن نركز التواصل بشكل كبير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات (Dialna.com)ومنصة ( Maghrebna.org). هذه الأخيرة منصة جديدة انطلقت منذ أربعة أشهر وتدخل في إطار القطاع الثقافي لديالنا ماروك. وهي مُسانَدة من طرف مؤسسة مغربنا التي أُنشأَت بفرنسا. وهي مؤسسة تتعامل مع القاطنين ببلاد المهجر والقاطنين بأرض الوطن لأن هدفنا هو نشر العلامة المغربية والابداع والتراث المغربي عبر العالم.
هذه مهمة صعبة وتتطلب مجهودات جبارة في زمننا هذا. فما هو سر نجاحها؟
أقول أن دراسة التراث المغربي والسعي وراء الحفاظ على الموروثات المادية واللامادية هي متعة وفسحة للمعرفة واكتشاف وترسيخ للهوية المغربية. فمن لا تاريخ له لا مستقبل له. ونحن ولله الحمد، لدينا تاريخ عظيم وإرث لا يعد ولا يحصى. كل ما علينا فعله هو التمعن في ماهية هذا الإرثوالحفاظ عليه من الزيف والمغالطات التي نجدها عبر بعض شبكات البحث أو الشبكة العنكبوتية وتطوير هذا الموروث والدفاع عنه لنتمكن من إيصاله للأجيال المقبلة بالصيغة الصحيحة تماما كما حافظ عليه الأجداد واستثمروا فيه ليصلنا. وهذه ليست مهمة جهة واحدة أو شخص واحد، وإنما الجميع مسؤول ومطالب بالعمل من أجل صون تاريخنا وعمراننا وإرثنا المغربي.