a24- حسن عين الحياة
يرى الدكتور إدريس الواعي الخبير في علوم الجيوفيزياء والجيولوجية البنيوية، أن زلزال الحوز الذي بلغت درجته 7 درجات على سلم ريشتر، هو الأكثر عنفا ضمن قائمة الزلازل التي هزت تاريخيا مدنا في المغرب، معتبرا إياه الأكبر من حيث القوة.
في هذا الحوار، يقدم إدريس الواعي لـ”المنعطف” تفسيرات علمية، من منطلق خبرته الواسعة في علوم الجيوفيزياء، لمسببات زلزال الحوز الذي هز عددا من المدن والقرى المغربية في 8 شتنبر الجاري، معتبرا أن هذا الزلزال أفرغ طاقة هائلة تساوي حوالي طاقة 20 قنبلة نووية.
– بصفتك خبيرا في علوم الجيوفيزياء والجيولوجيا البنيوية، كيف تصف قوة زلزال الحوز الذي هز عددا من مدن والقرى المغربية؟
أولا، إن زلزالا بقوة 7 درجات على سلم ريشتر يعتبر زلزال قويا. فبعد “الدرجة 3″، يبدأ الناس في الشعور بالهزة. أما بعد “الدرجة 5″، يستشعرون الزلزال بقوة وتبدأ مرحلة حدوث الخسائر. وبالتالي، فالزلزال الذي ضرب منطقة الحوز ونواحيها، حسب علمي هو أكبر وأقوى زلزال عرفه المغرب على الإطلاق من ناحية القوة. فرغم أن زلزال أكادير لسنة 1960 سجل عددا كبيرا من الخسائر المادية (ثلثي بنايات المدينة دمرت)، والبشرية (وفاة ما بين 12000 – 15000 شخصا). يبقى زلزال الحوز ليوم الجمعة 8 شتنبر 2023 هو الأقوى من حيث الدرجة.
- حاصل على دكتوراه في علوم الجيوفيزياء والجيولوجية البنيوية بمعهد الزلازل باليابان
- أستاذ باحث بالمعهد العلمي – جامعة محمد الخامس بالرباط
- عضو بمختبر الجيوفيزياء والكوارث الطبيعية
–ما هي التفسيرات العلمية والطبيعية التي يمكن من خلالها فهم الأسباب التي ترتبت عنها هذه الهزة الغير مسبوقة في المغرب؟
الذي يجب أن يعرفه المواطنون، هو أن الأرض دائمة الحركة، ومن تجليات هذه الحركية ظاهرة الزلازل والبراكين. فالزلازل لا تحدث في أي مكان. إذ تقع في أماكن محددة، بدرجات وأعماق مختلفة. فهي تكثر في تخوم الصفائح التكتونية في نقاط التقائها وفي أماكن تصادمها. لكن هناك زلازل أخرى تقع داخل الصفيحة بحدة أقل من التخوم عند وجود فيالق أو انكسارات داخل الصفائح. لنأخذ المغرب كمثال، فالمناطق النشطة زلزاليا توجد في شمال المغرب (أنظر الخريطة)، كالحسيمة وميدار وفي بحر البرهان شمال المغرب. هذه هي زلازل تخوم الصفيحتين الإفريقية والأوراسية. أما زلزال أكادير وزلزل يوم الجمعة الماضي فلهما ارتباط بالفيالق داخل الصفيحة الإفريقية على مستوى المغرب، وبالضبط بالفيلق الجنوب أطلسي الذي يفصل ما بين الأطلس الكبير والصغير من المحيط الأطلسي حتى تونس شرقا.
بلغت قوة هذه الهزة 7 درجات على سلم رشتر، كيف تقارنها مع الهزات الأرضية السابقة التي هزت تاريخيا مدنا مغربية؟
عرف المغرب عبر التاريخ زلازل مدمرة. فالزلازل القديمة لم يتم تسجيلها آليا، لكنها دُوِّنَت في التقارير أو الكتب أو الرسائل التي ورثناها عن الأجداد، ومنها زلزال 1522 بفاس وتطوان، وزلزال 1624 بفاس ومكناس، وزلزال 1731 بالقرب من أكادير، وزلزال 1848 قرب مليلية، وزلزال 1909 بدوار غمارة بالريف. هذا فيما يخص الزلازل الموثقة في الأرشيف.
أما في ما يخص الزلازل التي عاشها المغرب وتم تسجيلها آليا، فهناك زلزال مدينة أكادير الذي وقع يوم 29 فبراير 1960 على الساعة 11 و40 دقيقة ليلا، والذي دمر ثلثي مباني المدينة وقتل أكثر من 12000 شخصا. هذا الزلزال حُددت درجته بـ5.7 – 5.9 حسب سلم ريشتر. وبالتالي إذا قارنا درجة زلزال أكادير بدرجة زلزال الحوز، فزلزال أكادير كان أقل درجة، لكنه كان الأكثر تدميرا.
- لماذا كان زلزال أكادير الأكثر تدميرا بالرغم من تسجيله درجة أقل من زلزال الحوز؟
أولا لأن بؤرته كانت سطحية، (حوالي 5 كيلومترات مباشرة تحت أكادير أوفلا).. أي تحت مدينة مأهولة بالسكان. ثانيا لأن البنايات كانت هشة، وبالتالي لم تقاوم شدة الهزة. ثالثا توقيت الزلزال الذي حدث في فصل الشتاء، أي أنه وقع في فصل البرد وفي ساعة متأخرة من الليل، حيث كانت أغلبية الساكنة نائمة.
هذه هي الأسباب التي كانت وراء فداحة تلك الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد جراء زلزال أكادير. وفي يو26 ماي 1994 على الساعة الثامنة و26 دقيقة صباحا، حدث زلزال بدرجة 5.6 على سلم ريشتر بمنطقة الحسيمة، على عمق 13 كيلومتر بمنطقة الحسيمة، وبتاريخ 24 فبراير 2004 على الساعة الثانية و27 دقيقة صباحا، حدث زلزال بدرجة 6.3 على سلم ريشتر، حيث خلف 629 قتيلا، وكان هذا آخر الزلزال قاتل، قبل الزلزال المميت ليوم الجمعة 8 شتنبر 2023.
- لماذا في نظرك استشعر عدد كبير من المواطنين بقوة الهزة الأرضية، بالرغم من ابتعادهم بمئات الكيلومترات عن بؤرتها؟
الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز ونواحيها كان بدرجة 6.9 – 7.0. إنه زلزال قوي، أفرغ طاقة هائلة تساوي حوالي طاقة 20 قنبلة نووية. وهذه الطاقة تتناقل أو تسافر داخل الأرض وعلى سطحها، عبر موجات زلزالية بسرعة كبيرة، قد تصل بمعدل 6.5 كيلومتر في الثانية بالقشرة الأرضية. فكل ما كانت قوة الزلزال كبيرة كل ما سافرت أبعد. فقوة زلزال الحوز كانت 7 درجات، لهذا شعر بها معظم المغاربة شمالا، شرقا، غربا، وجنوبا، وبدرجة متفاوتة، حسب قربهم أو بعدهم عن منطقة البؤرة الزلزالية.
– سُجلت خلال السنوات الأخيرة، عدد من الهزات الأرضية، بشمال المملكة كمنطقة الدريوش والحسيمة…، لكن لماذا كانت بؤرة الزلزال بمنطقة إغيل بالضبط؟
إذا ألقينا نظرة على خريطة توزيع الزلازل عبر التراب الوطني (انظر الخريطة)، نلاحظ أن عددا من الزلازل متمركزة في شمال المغرب بجبال الريف. فهذا شيء طبيعي، لأن جبال الريف هي المنطقة المتاخمة للقارة الإفريقية الدائمة الاصطدام مع جنوب غرب القارة الأوراسية، أي شبه الجزيرة الأيبيرية. فمنطقة الريف، وبالأخص منطقتي الحسيمة والدريوش، دائمة الاهتزاز، خاصة منذ زلزال 25 يناير 2015 الذي ضرب عرض شواطئ شمال مدينة الحسيمة في بحر البرهان بدرجة 6.3، لكن لم يُسجل زلزالا عنيفا من بعده والحمد لله. ونعزو هذا إلى التفريغ الطاقي الشبه منتظم في المنطقة بشكل خفيف، الشيء الذي يحول دون تجميع هذه الطاقة لكي تفرغ على شكل زلزال قوي وبدرجة كبيرة على سلم ريشتر. على النقيض، ففي منطقة مابين مدينتي مراكش وأكادير لم تُسجل حركة زلزالية كما يقع في الريف. لهذا حسب اعتقادي، إن هذا هو السبب الذي كان وراء تجميع طاقة كبيرة منذ زلزال أكادير 1960، وتم تفرغها عبر انزلاق مفاجئ في الفيلق الذي تسبب في زلزال إغيل في منطقة الحوز.
- كيف ترى حجم الخسائر المهولة الناجمة عن هذا الزلزال؟
- بالنسبة للخسائر المترتبة عن هذا الزلزال، فهي خسائر كبيرة، خاصة تلك التي وقعت في الأرواح. وكمتخصص، أرى أن هذه الخسائر، إذا ما قارناها بتلك التي خلفها زلزال أكادير (والذي كانت درجته أقل، لكن مدينة أكادير سجلت أزيد من 12000 وفاة، ويبقى هذا العدد كبير جدا)، إذا قارناه بعدد وفيات زلزال الحوز (2497 قتيلا إلى حدود صباح الاثنين) فهو أقل بكثير من مخلفات زلزال أكادير.
- وصلت بعض الدول إلى مستوى متقدم في استشعار الزلازل قبل حدوثها بأيام.. في نظرك، هل كان المعهد العلمي، مستشعرا بهذا؟
بحسب علمي، فغرب الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة ولاية كاليفورنيا، واليابان، هما المنطقتان المهددتان جدا بالزلازل، وتُنفق أموال طائلة على البحث العلمي حول ظاهرة الزلازل والتنبؤ بها. وإلى حدود الآن لم يصلوا إلى معرفة متى وأين سيقع الزلزال. لكن بفضل تثبيت آلات رصد الزلازل عبر إحداث مراصد الزلازل وتجميع بياناتها والاشتغال عليها، قد نعرف المناطق النشطة زلزاليا ونتوقع حدوث زلزال ما قد يكون كبيرا في منطقة ما، لكن بالتدقيق متى وأين؟ للأسف لم نصل بعد لهذا رغم التقدم العلمي لنحدد ذلك، ليس في المغرب فحسب، بل في جميع أنحاء العالم.