عبدالنبي مصلوحي
مع القوة التي أبان عنها الإرهاب في مواجهة الجيوش الجرارة التي تحاربه اليوم في العراق وسوريا وغيرهما من مناطق العالم، أصبحنا وجها لوجه مع سؤال كبير يجب طرحه بقوة، لأن الجواب الصحيح عنه هو المدخل الملائم لمحاربة هذا الوباء الذي يشغل الدنيا من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها بعد استعصائه على القوة العسكرية، وهو من يوجد وراء هذا الوباء المستشري على شكل جيوش جرارة …هل هو الإسلام بسبب ما فيه من نصوص كما يروج الكثير من المتابعين والمفسرين خاصة في الغرب…أم
أن هناك دول تمتلك من العتاد والمال ما يسمح لها بخلق ودعم كيانات بكل هاته القوة والجرأة لتدمير جزء كبير من الحضارة والإنسانية والتاريخ، خاصة في سوريا والعراق؟
في الحقيقة هناك خلط والتباس، بل وبلبلة في الأفكار، فهناك مفكرون وساسة كبار في العالم، يتفننون في إبداع هذا الالتباس لتمرير المغالطات، وهناك كثير من العلمانيين يقدمون منذ مدة وصفات علاجية لهذا الإرهاب، تبدو مع الاستقواء والإصرار المتزايد لهذا الإرهاب جد سطحية ولا ترقى إلى مستوى العلاجات الناجعة لهذا الوباء، وصفات تقوم على الانكباب على إصلاح الحقل الديني الإسلامي بتفكيكه وإعادة تركيبه على أساس الفصل بينه وبين السياسة، لاشك أن هذا الإجراء هو ضروري للتطور الاجتماعي والديمقراطي و ما إلى ذلك.
ولكن ما يجري في المنطقة العربية، ليبيا، سوريا، العراق..من إرهاب تقوم به جماعة أو جماعات منظمة، تمتلك جيوشا توازي في قوتها وتدريباتها وأسلحتها واحترافيتها جيوش الدول هو أمر آخر ولا يبدو أن له علاقة بالنص الديني، لأن هذا النص لوكان بإمكانه خلق مثل هذا الوباء الخبيث لخلقه عبر كل التاريخ، لأن الدين ليس وليد اليوم، فهو موجود منذ قرون، ولم يسجل في التاريخ أن وجدت مثل هذه الجماعات الإرهابية المتوحشة إلا في التاريخ الحديث. لهذا يجب البحث عن جواب لسؤال استقواء الإرهاب وصلابته في مواجهة الآلة العسكرية التي تحاول القضاء عليه في أسباب أخرى سياسية لها علاقة بالرغبة في استمرار عدم الاستقرار والرعب في مناطق بعينها في العالم.
وانطلاقا من هذا الوعاء السياسي يتم غسل عقول الشباب وتجنيدهم في التنظيمات الإرهابية التي تم زرعها لتوظيفها كذرائع للتفتيت وتغيير الأنظمة، بل لإبادة شعوب وتهجيرها من أوطانها ظلما وعدوانا.
هذا دون الحديث عن العامل الاقتصادي الذي يجعل الدول الكبرى المنتجة للسلاح في حاجة إلى عدو دائم، فتعمد إلى نشر التوتر في المناطق الغنية، لتزداد مبيعاتها من السلاح وتدريباتها للجيوش مقابل ملايير طائلة من الدولارات، فالمسألة إذن اكبر من الصراعات الإيديولوجية كما يُسوق لذلك، ولكنها الصناعات الاقتصادية هي التي تفرض خلق بؤر التوتر في مناطق بعينها في العالم ليخرج السلاح من مصانعه وتدور عجلات الاقتصاد، ولا ضير إن ظلت الشعوب التي يتم تسليط الجماعات الإرهابية عليها متخلفة وضعيفة…لأنه هذا هو القانون الجديد الذي انتهى إليه العالم.