نقد مسرحي . نجـيـب طــلال
لنؤمن بأن المسرح في المغرب، مليء بالفراغات والبياضات والافتراء في سيرورته التاريخية، ولم نحاول أن نرممها ونملأها بما تحتاجه من تبيان وإضافة وتوضيح، إذ الإشكالية تكمن أساسا في غياب استراتيجية ثقافية/ فنية .
منذ [التأسيس ]الذي يحتاج بدوره لغربلة وتصحيح معطياته ، لأن مراجعته حتمية ؛ لفهم الكثير من الأمور العالقة والغامضة والدخيلة ، إنها معركة حضارية بالكاد .
فأوروبا التي فينا، قامت بمراجعات جذرية، ولازالت تراجع وتحاجج جملة من المسلمات في شتى الفنون والمفاهيم والنظريات التي سادت ردحا من الزمن ، للحفاظ على الخصوصية والهوية [ ك] ( ألمانيا / أنكلترا / البرتغال /إسبانيا( نماذج فقط) لمقاومة “العولمة “التي تسعى لمحو الخصوصيات وهـويات الشعوب.
رغم أنهم شركاء. فإنهم يؤمنون من خلال مؤسساتهم ومراكزهم الثقافية بأن:” التمايز الثقافي بقابليته للتجدد والتفاعل، هو في ذاته المناعة الحقيقية التي تواجه الإقصاء والاستنزاف والتقلص والتآكل و الهيمنة والاستيلاب . ولهذا ربما بعض المسرحيين ؛ الذين يتعاملون مع “الهيئات” و”مراكز الدراسات الدولية” لفنون الفرجة يعرفون هذا جيدا ، ولن يستطيعوا توضيحه لأسباب تكمن في ( المراكز المركزية) لهذا فرغم :” تنامي مراكز الأبحاث والدراسات في مختلف الحقول والتخصصات ، وهي سمة تعكس ما سميته دينامية المشهد الثقافي المغربي وتعدديته , إلا أن هذا ” الانفجار” للمشهد الثقافي برغم إيجابياته على المستوى العلمي التخصصي فإنه فتت هذا المشهد , بحيث أصبح عبارة عن ” أرخبيل من الجزر” : فلا تواصل ولا تفاعل بين هذه المراكز, ولا تركيب لإنجازاتها العلمية .
هذا يقودنا للمسرح التجريبي/ الطلائعي. لكن الممارسة المسرحية المغربية ، انهالت من تجارب العديد من المخرجين الأوربيين وعلى رأسهم – بريشت- من خلالها انقذف مفهوم التجريب، لكن في واقع الأمر كان [ مسرح الجيب/le théâtre de poche ] نواة التجريب لعصر مختلف من الفن المسرحي ، الذي انطلق مع تيار العبث واللامعقول، بحيث كان: كتاب الطليعة جماعة من مغامري الفكر، مسرحياتهم أخذت تتنفس على المسارح الصغرى، في هذه القاعات تعرف الجمهور على يونسكو وبيكيت / وكان الستار يرفع أمام اثنى عشر متفرجا عندما كانت مسرحية الكراسي تقدم، ينسحب منهم ستة أو أكثر، تردّ لهم أثمان البطاقات ، ونحن نتكلم عن التجريب الموازي لجيل الغضب/ في غياب الحديث عن [– مسرح الجيب-] فعبر تاريخ المسرح عندنا، تحديدا في المهرجانات والأيام والملتقيات المسرحية لم يتم طرح موضوع [مسرح الجيب] في المحاور الفكرية والنظرية، من أجل إثارة الموضوع والانتباه إليه ؟ ولم يطرح كمطلب من ضمن مطالب حاجيات المسرح سواء محليا أو وطنيا ؟ ولم يحاول أحد من المسرحيين اتخاذ بادرة ؛ لمحاولة إنشاء “مسرح الجيب ” من خلال كراء كراج أو استغلال قاعة صغيرة أو نصب خيمة…؟ وهذا يدفعنا على الأقل مخاطبة تاريخ هذه المرحلة، وإبراز إديولوجياتها، لأننا متأثرون بالغرب ففيه مسارح الجيب. ولاسيما أن تاريخ ظهوره في1660 لكن التأريخ الواعي لمسرح الجيب كان مع القرن التاسع عشر والعشرينات الأولى، حينما:” بدأ العالم يتجه اتجاها جديدا بأيديولوجيات جديدة. وبدأت الرومانسية في الأدب تظهر عليها مخايل الانحلال .
وتبرز في الأفق مذاهب فنية وأدبية جديدة مثل الطبيعية الواقعية السوريالية…وتفرع عن هذا الفوران الهائل، أن وجدت فلسفة جديدة تؤمن بالإنسان وبدفعه الحياة وقدرته التوجيهية لها، وهي الفلسفة الوجودية ، وبالتالي ففي” فرنسا” أطلق اسم [ مسرح الجيب/le théâtre de poche ] لكن في موسكو اتخذ اسم [مسرح الحجرة / Théâtre de chambre ] في 1914م تحت إشراف المسرحي “ألكسندر تاييروف” إذ يعد مسرح الحجرة أحد الأشكال التجريبية في المسرح المعاصر، هو مسرح في مكان صغير مغلق للمشاهدة ، مكثف في العرض، يتسع لعد قليل للغاية من الكراسي، ولا يتطلب فخامة في الديكور، فهو ينتمي إلى «المسرح الفقير» وفق تعبير” غروتوفسكي “، وفي نفس الوقت نحن متأثرون بالشرق، ففيه ظهورهذاالنوع بعدما: ” انتقلت ظاهرة مسرح الجيب من أوروبا إلى مصر في ستينيات القرن الماضي، وهي تقوم على عروض مسرحية بعدد قليل من الممثلين وديكورات وسينوغرافيا محدودة في قاعة صغيرة تتسع لعشرات المتفرّجين فقط، في سعي لتقديم رؤية نقدية سياسية واجتماعية ضمن نخبة معينة من روّاد المسرح برئاسة الفنان سعد أردش سنة1962 ومن بعده كرم مطاوع.
هذا إذا نبشنا تاريخه في الشرق نستشف بأنه :” ظهرت صيغة مسرح المئـة كرسي في الأردن عام 1968 وصيغة مسرح القهوة في سورية عام 1970 وكان هدف هذه التجارب سواء التي استمرت أو تلك التي فقدت بريقها؛ إرساء قواعد استجابة جديدة للمتلقي المعاصر في ظل أنظمة اقتصادية رأسمالية متحولة قد تصل إلى درجة الوحشية .