عبدالنبي مصلوحي
للباحث في التغيرات التي طرأت على القارة السمراء، سيظهر له بلاشك أن إفريقيا أصبح لها وجه آخر، وهو هذا الجيل الجديد من الزعماء، الذين أصبح غرضهم هو تنويع البنية الاقتصادية لبلدانهم حتى لا تبقى القارة حبيسة اقتصاد الريع والاعتماد بشكل أساسي على تصدير المواد الأولية، الأمر الذي لا يحقق أي قيمة مضافة، جيل جديد هاجسه هو ابتكار الحلول والنماذج الاقتصادية وتلمس معالم الشراكات الجيدة لكي يصبح النمو الاقتصادي واقعا ملموسا تحس به الشعوب في تغيير أحوالها نحو الأحسن، لتكون المحصلة هو أن إفريقيا اليوم أصبحت أكثر حرصا على أن يكون لها نموذج إفريقي- إفريقي للتعاون حتى لا تظل حبيسة نموذج إفريقي -أوروبي، أو نموذج إفريقي- أمريكي، ولهذا آن الأوان لكي تبلور نماذجها التنموية من داخل ذاتها لتحقيق مصالح شعوبها.
والدور الذي يلعبه المغرب يقود القارة في هذا الاتجاه، الاتجاه الذي ستصبح بموجبه قادرة على تحويل مواردها الطبيعية الأولية فعلى الصعيد الإقليمي القاري عبر استغلال فرص التكامل ، وذلك عملا بنموذج تنموي فريد من نوعه، يقوم على استغلال الاقتصاديات الإفريقية من خلال التكامل الذي يكون وقعه الايجابي على الشعوب مضمونا.
نيجيريا التي سلطت عليها قبل اسابيع الزيارة الملكية الأضواء، و ما رافقها من اتفاقيات، أمر غير مسبوق ومن الأهمية بمكان، لأنها عملاق اقتصادي في إفريقيا، 186 مليون نسمة، أكثر من 500مليار دولار كمساهمة في الناتج الداخلي الخام، لها حضور متميز في الغرب الإفريقي، حاضرة بقوة على مستوى التنافسية في مجالات اقتصادية مهمة. غير أنها تعاني من بعض المشاكل، وهي إشكالات تعود بالأساس إلى كون اقتصادها حبيس تصدير بعض الموارد دون أن تخضع لأي تحويل، تلتقي مع المغرب في الرؤية الاستشرافية المتعلقة بالفلاحة والصناعة الغذائية كرافد من روافد التنويع الاقتصادي، ويمكن أن يكون لأي تعاون ثنائي في هذا الباب وقع ايجابي على اقتصاد كلا الدولتين.
إبرام مجموعة من الاتفاقيات المهمة مع هذه الدولة، يبين الأهمية التي يعطيها المغرب للتعاون جنوب جنوب، مثلما تكشف عن البعد الاستراتيجي الذي يختزله نموذج التعاون الجديد، وهو بعد فيه إعلان صريح للحرب على اقتصاد الريع عن طريق الاستغلال المشترك للثروات، وإحداث قيمة مضافة عبر التحويل، كذلك ما يوليه النموذج المغربي للتنمية البشرية بعد استراتيجي آخر ، وقد عاينا تدشين جلالة الملك في مدغشقر لمراكز للتكوين في مجالات السياحة والفلاحة إلى جانب مستشفى للطفل، نفس الشيء في السنغال من خلال تدشين مركز للتكوين في مجال المقاولة…يعني النموذج المغربي يولي مسألة الاستثمار في الإنسان الإفريقي أهمية كبرى، لأن القارة مقبلة على انفجار سكاني، حيث يتوقع أن تصبح ساكنتها في 2050 مليارين، وهذا سيطرح مشاكل على مستوى الأمن الغذائي والتشغيل، وهو تحدي كبير، ترصده الرؤية الاستشرافية التي يقوم عليها النموذج المغربي المعروض على دول القارة للانخراط فيه من أجل مستقبلها ومستقبل شعوبها.