إعداد : عبد الرحيم باريج
“عائلة سورية هاربة من الحرب.. صدقة.. الله يستر أولادك”…”أنا مسلمة من مالي صدكة..صدكة..”..
عبارات بكل اللّغات والألوان،مهرّبة من لهجات صحراء الساحل وبلاد الشّام،اعتاد الوجديون سماعها على أبواب المساجد وفي مفترق الطرق والشوارع المكتظّة بالسيّارات،وسط مشاهد لأطفال أنهكهم الفقر والحرمان،ومسح تسول لقمة العيش ومصاريف الحياة اليومية،استهوتهم ظلال أشجار وأرصفة نظيفة لا تعرف روائح براميل البارود ولا مكان فيها لعواصف رمال الصحراء.. بحي “لازاري” وقرب الحي الجامعي لجامعة محمد الأول،”المنعطف” زارت محلاّت وأماكن إقامتهم تشرّدهم،وتحدّثت إلى عيّنة من النازحين والمهاجرين الهاربين من جحيم الحرب وشبح المجاعة من سورية إلى مالي والنيجر.
وتشكل مبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في مجال الهجرة “مقاربة رائدة” ببلدان الجنوب لقيت ترحيبا واسعا،لكون كل هذه البلدان تواجه هذه الإشكالية، لكن لا وجود لحد الساعة “لسياسة عمومية بمثل هذا الطموح”
اختلاف الفصول لا يغيّر عادات النازحين
لم تختلف يوميات المهاجرين النازحين من دول الساحل الإفريقي وخاصة من مالي والنيجر،في شوارع وجدة طيلة شهور السنة بما فيها شهر رمضان،وقد أصبحت العائلات الإفريقية بمثابة ديكور جديد في أرصفة وشوارع المدينة طيلة ساعات النّهار،وغالبا ما تلمح النساء والأطفال،في حين يغيب الرجال والشباب عن المشهد اللهم في مناسبات قليلة جدا تراهم يتسولون السيارات الواقفة في ملتقى الطرق.
سألنا عن مركز تجمّعهم وإقامتهم بعد نهاية يوم طويل وحار من التشرد والتسوّل،ذكرت غابة سيدي معافة والأحياء المجاورة للجامعة،سألناهم عن عدد الأفارقة المتواجدين بالحي وكيف يعيشون،ودون مقدّمات يجيب سفيان (طالب جامعي) “إنهم ضائعون،لقد وضعت امرأة إفريقية حملها في غابة سيدي معافة مكان تمركزهم.تعال معي هنا ينام حارس المخيم الفوضوي”،وأشار سفيان إلى كوخ من ورق الكارتون في زاوية من زوايا الغابة “هنا ينام الحارس الذي يراقب الفراش والأثاث،ويمكنه مساعدتكم في فهم واقع المهاجرين الأفارقة”.وبعد دقات سريعة من سفيان على “الكارتون” خرج الشاب “دينغا” من نومه ومن كوخه وهو يفرك عينيه،كان الخوف والقلق باديين عليه ظنّا منه أننا من مصالح الأمن وسنقوم بتوقيفه وترحيله،تدخل سفيان بعفوية “لا تخف هذا صحفي ويريد مساعدتكم”.
سفيان صديق الكثير من الأفارقة من المهاجرين غير الشرعيين كان يتحدّث بلغة فيها مزيج من العربية والفرنسية والانجليزية وحتى لغة الإشارة والصم البكم،لأنه من أكبر عوائق التعامل مع هذه الجالية النازحة،مشكلة اللغة والتواصل.طلبنا من الشاب الإفريقي استظهار وثائق هويته لنعرف طبيعة تواجده بالتراب المغربي،ولنعرف جنسيته وموطنه الأصلي،استأذن منّا وعاد إلى كوخه ثم خرج وهو يحمل بطاقة زرقاء اللّون،بعد التدقيق فيها علمنا أنه دخل التراب المغربي بطريقة غير شرعية عبر الحدود المغربية الجزائرية منذ شهر فبراير من عام 2010،وخاض رفقة عائلته سفرا شاقا واستقر به المقام بمدينة وجدة،وحين سألناه عن مقصده وإن كان يريد الهجرة نحو أوروبا أو البقاء في المغرب،أشار برأسه ويديه إلى أنه يريد المكوث هنا رغم قسوة الحياة وبدائيتها في المكان الذي تتجمع فيه العائلات التي يحرس متاعها.وخلال حديثنا للشاب الإفريقي بدأ يتجمّع حولنا بعض شباب الحي القريب ممن كانوا يراقبوننا منذ ولوجنا حيهم،وشرعوا في سرد شهاداتهم حول حياة ويوميات المهاجرين الأفارقة،عمر قال لنا “والله عيب على المجتمع المدني وجمعياته الكثيرة التي تغنم الملايين كل سنة من المال العام للبلدية والمجلس الاقليمي ومجلس الجهة وتترك المئات من البشر يعيشون في الشارع،مرّ عليهم فصل الحرارة وهم على هذه الحال ونحن الآن في فصل الخريف الذي يليه الشتاء،إنهم يقضون حوائجهم الطبيعية في الخلاء ويستحمّون في الهواء الطلق،لسنا ندري وضعيتهم الصحية،ورغم ذلك يتعاطف معهم السكان ويزوّدونهم بالماء الصالح للشرب وبالأطعمة والأفرشة”.
تقدّمنا نحو مكان تجمّع النساء والأطفال ممّن تعذر عليهم الخروج في مهمّة التسوّل لجمع القوت والنقود،امرأة إفريقية من النيجر،ترتدي رداء أصفر فاقع اللّون،كانت تفترش قطعة من ورق مقوّى “كارتون” يتحلّق من حولها أطفال بادية عليهم حالة البؤس والتشرّد،رفضت في بداية الأمر الحديث إلينا ورفعت يدها إلى السّماء “أخاف أن نرحّل ونطرد من هنا،المغاربة طيّبون معنا..ولكن هذا لا يكفي تنقصنا الرعاية الصحية لأطفالنا..”،وأضافت السيدة الإفريقية بفرنسية هجينة “لا نستطيع العودة إلى الخلف..إلى الصحراء والحروب والمجاعة..نريد مساعدتكم لنستقرّ ويعيش أبناؤنا ويذهبون إلى المدارس..لقد أصبحنا نشعر أنّنا نحرج سكان الحي الذي نتّخذ من الغابة القريبة له ملجأ لنا،لكننا لا نملك حلولا أخرى،هنا (مشيرة بيديها إلى الأرض التي كانت تجلس عليها)..أحسن من هناك (مشيرة بيديها إلى الأرض التي جاءت منها)”.
لا تختلف وضعية الجالية الإفريقية المهاجرة بشوارع وجدة من حي إلى آخر،بؤس وتشرّد وحياة بدائية،وملامح شخصيات تمتزج فيها البراءة بالغرابة،تجمعات تتشكّل في أكثرها من النساء والأطفال وبدرجة أقل الشباب،أما الرّجال فحين تسأل عنهم..فالجواب أنهم في العمل أو في مهمة البحث عن عمل.وتساؤل بعض الشباب المغاربة والأفارقة عن منظمات حقوقية سمعوا أنها تستفيد من أموال الدعم لدول أوروبية وغيرها لمساعدة الأفارقة من المهاجرين غير الشرعيين بينما الحقيقة هي غير ذلك،زيادة على بعض المنظمات الأجنبية التي تهدر أموال دولها.
الجالية السورية أكثر غموضا وانغلاقا
عكس ما كانت عليه مهمّة تحديد مكان تجمع المهاجرين الأفارقة بشوارع وأحياء المدينة،فإن مهمّة تحديد مكان إقامة العائلات السورية والحديث إلى أفرادها لم يكن بالأمر الهيّن…ببعض الملتقيات الطرقية وأمام أبواب تتجمّع السوريات من النّساء،أغلبهنّ بلباس أسود داكن يحملن في أيديهن جوازات السفر أوبطاقات الإقامة.لم تعد اللهجة الشامية كافية لجلب الاستعطاف والصدقات وسط انتشار حرفة الاحتيال والنصب والتسوّل بين المهاجرين السوريين وليس كلهم،وبمجرد ما تلمح السوريات عدسات التصوير يدخلن في حالة استنفار،بالهاتف تارة وبالصّراخ تارة أخرى من أجل إخبار “الزملاء” السوريين و”الزميلات السوريات” بوجود غرباء في المكان.سيّدة سورية تقترب من عقدها الخامس،قالت لنا “لماذا الصوّر يا أخ..لو عندك صدقة أعطينا،ما عندك صدقة لا نريد صورا.. هل تريد أن يمنعنا بشار الأسد من العودة إلى سورية؟”،وانصرفت غير مبالية بنا تطلب صدقة من أصحاب السيارات،كل أنواع الصّدقات مطلوبة،مياه معدنية،نقود،مأكولات،ملابس وأغطية إن أمكن..السيّدة السورية وكأنها رئيسة المجموعة التي كانت ترافقها من نسوة وفتيات رحن يضربن بخمورهن على وجوههّن هربا من عدسة التصوير،وحين سألناهن أين يمكن أن يجدكن من يريد أن يقدّم إليكن مساعدة كريمة بعيدا عن التسول وصدقة الطرقات؟ قالت إحداهن وكأننا سرقنا منها الإجابة “بحي لازاري هناك نقيم” موضحة المكان بالضبط.توجهنا إلى الحي المذكور،حي شعبي كبير يقول عنه البعض بأنه أحد أكبر الأحياء في المغرب وربما في إفريقيا،بعد وصول العائلات السورية التي فضّلت المكان بسبب انخفاض ثمن الكراء مقارنة بأحياء ومدن أخرى تحيط بعاصمة الجهة الشرقية.التكتّم والغموض هما سيدا الموقف بالمنازل أو الغرف أوالمستودعات التي تقيم بها العائلات السورية،فعادة ما يبقى الرجال هناك وتتوجه النسوة والأطفال إلى مفترق الطرق والشوارع المكتظّة بالسيارات لممارسة التسوّل.
ووراء نقطة البداية والنهاية،لخطوط نقل المسافرين من وجدة إلى مختلف مدن المملكة،وفي مرتفع من الحي،تتجمّع بعض العائلات السورية التي اختارت المكان للّجوء والإقامة.أفراد عائلة وجدية عريقة من الحي الواقع ظهر المحطة الطرقية اعتادوا كل جمعة على زيارة المكان،حاملين معهم أطباق “الكسكس”واللّبن والفواكه وحتى لعب الأطفال،يتفقدّون شؤون الأسر السورية اللاجئة وظلوا على هذه الحال لعدة شهورّ.وصدفة سألنا صاحبة العقار عن قيمة الكراء الذي تتلقاه من العائلات السورية فقالت لنا إنها تأويهم في سبيل الله ولا تأخذ عنهم مقابلا،وهو ما تأكدنا منه لدى تلك العائلات السورية.
اللاجئون السوريون نقلوا معهم إلى المغرب تناقضات الحرب الأهلية الدائرة رحاها في بلاد الشام،فإذا كانت تلك المرأة السورية منعتنا من التصوير مخافة أن يمنعها الرئيس السوري بشار الأسد من العودة يوما ما إلى سوريا،كانت امرأة أخرى على باب المسجد شرعت في مخاطبة جموع المصلين وهي تشير إلى ابنيها قائلة “عائلة من سورية وهَاذُولَا أبناء شهيد من الجيش الحرّ”،تناقضات قسّمت الشارع الوجدي في النظر إلى المسألة بين مؤيد ومشفق وبين ساخط ومتذمّر من انتشار العائلات السورية في الشوارع وأمام أبواب المساجد لطلب الصدقة والعون.ويكفي للكثير ممن التقتهم “المنعطف” أن السوريين عرب ومسلمين خربت ديارهم فتنة آل الأسد،ولجئوا كما الكثير من المهاجرين الأفارقة إلى المغرب دار الضيافة والمغاربة جبلوا على إكرام اللاجئين منذ قدم التاريخ،كما تأسست مجموعة بالموقع الاجتماعي الالكتروني “فايسبوك” لمساعدة السوريين في غربتهم المفروضة بحديد ونار الفتنة القائمة في سوريا.
هل هي ظاهرة هجرة أم ظاهرة لجوء؟
يعتبر ناشط حقوقي يعمل مع العديد من المنظمات الدولية،في تصريح ل”المنعطف”،أن انتشار المهاجرين الأفارقة والسوريين بالمدينة هو من قبيل الهجرة والإقامة المؤقتة ولا يحمل طابع اللجوء الذي يتميز بخصوصيات قانونية مختلفة.وقال محدثنا إن المعطيات التي بحوزته تشير إلى وجود المئات من المهاجرين الأفارقة من بينهم عائلات تتنقل من حي إلى آخر على مستوى المدينة،دون مأوى أو مخيم ثابت،ما صعّب نوعا ما مهمة التدخل والإسعاف،مقدّرا أن السلطات العمومية لم تقصّر في التكفل بالمهاجرين رغم صعوبة التواصل معهم بسبب عوائق اللغة وكثرة التنقل وعدم الاستقرار في مكان واحد.
وعن الجالية السورية لم يكن رأي الناشط الحقوقي مخالفا لرأي عامة المغاربة،عن أن جنوح بعضهم لاحتراف التسوّل أضرّ بسمعة الجالية.وتطابقت وجهة نظره مع إفادات شهود عيان قالوا إنهم تعرفوا في العديد من المرات على شبكات مصغّرة لسوريات يستأجرن سيارات ويتنقلن إلى بعض قرى الإقليم وباقي أقاليم الجهة الشرقية رفقة أطفالهن للجلوس في أبواب المساجد ليشرعن في ترديد عبارات أصبحت مألوفة عند سكان القرى والمدن،في مشاهد طبيعية غيّرت تلك النظرة المثالية التي كانت تصنعها الدراما السورية على شاشات الفضائيات قبل بداية حرب الشام.
من جهته،اعتبر أحد الزملاء من مراسلي الإعلام الوطني المختص في ميدان الهجرة،في تصريح ل”المنعطف”،أن الحكومة المغربية ملزمة بتطبيق المبادرة الملكية الخاصة بالهجرة والمواثيق الدولية والاتفاقيات التي وقّعت عليها لحماية هؤلاء المهاجرين القادمين من دول الساحل الإفريقي ومن الشقيقة سورية،مضيفا أن حكومة بنكيران ملزمة باتخاذ إجراءات للتكفّل الإنساني العاجل بالمهاجرين “الكل يرى كيف يعيشون مع أطفالهم ونسائهم بالغابة والشوارع وعلى الطرقات والأرصفة في العراء..شتاء وصيفا..دون تغطية صحية..يعيشون يوميات صعبة وقوتهم من عائدات التسوّل والتشرد في وضعية غير إنسانية إطلاقا” حسب تعبيره.
الزميل الصحفي قال إن حكومة عبد الإله بنكيران مدعوة لتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تخصّ وتنصّ على فتح المجال للمهاجرين من أجل الفحص الطبي،التمدرس والعمل،مع التعجيل في إقامة وتخصيص مخيمات تأوي المهاجرين وتحفظ كرامتهم الإنسانية،تماشيا مع المبادرات الملكية السباقة للاهتمام بالمهاجرين.كما دعا الناشط الحقوقي مختلف جمعيات ومنظمات المجتمع المدني إلى الإسهام في التكفّل الإنساني بهؤلاء المهاجرين الذين هم في الأصل ضحايا نفي وحروب ومجاعة تعاني منها بلدانهم الأصلية،محذّرا في الوقت نفسه من تحوّل هؤلاء النازحين والقادمين خاصة من دول الساحل الإفريقي إلى قنبلة موقوتة،تمثل خطرا صحيا محدقا بالمجتمع المغربي في حال عدم التّكفل بهم تكفّلا صحيا جادا.
الأجانب وحقوق الإنسان بالمغرب
تشكل مبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في مجال الهجرة “مقاربة رائدة” ببلدان الجنوب لقيت ترحيبا واسعا،لكون كل هذه البلدان تواجه هذه الإشكالية،لكن لا وجود لحد الساعة “لسياسة عمومية بمثل هذا الطموح”.فقد دعا،نصره الله،المنتظم الدولي للانخراط القوي في معالجة ظاهرة الهجرة،لتفادي ما تسببه من كوارث إنسانية،وباعتبارها تهم كل الدول والشعوب.وقال جلالة الملك محمد السادس في خطاب سامي بمناسبة الذكرى ال 38 للمسيرة الخضراء المظفرة،”إننا نناشد المنتظم الدولي،للانخراط القوي في معالجة هذه الظاهرة،لتفادي ما تسببه من كوارث إنسانية”.وبعد أن أبرز جلالة الملك متانة العلاقات التي تجمع المغرب بدول إفريقيا جنوب الصحراء “والتي هي في العمق روابط إنسانية وروحية عريقة”،أوضح جلالته أنه اعتبارا للأوضاع التي تعرفها بعض هذه الدول فإن عددا من مواطنيها يهاجرون الى المغرب بصفة قانونية أو بطريقة غير شرعية،تحول معها المغرب الذي كان يشكل محطة عبور الى أوروبا وجهة للإقامة.وذكر جلالته،أنه أمام التزايد الملحوظ لعدد المهاجرين،سواء من إفريقيا أو من أوروبا،سبق وأن دعا جلالته الحكومة “لبلورة سياسة شاملة جديدة،لقضايا الهجرة واللجوء،وفق مقاربة إنسانية،تحترم الالتزامات الدولية للمغرب وتراعي حقوق المهاجرين”،مضيفا أنه تجسيدا للاهتمام الخاص،الذي يوليه جلالته لهذا المجال،حرص على تكليف قطاع وزاري بقضايا الهجرة.ومما يكرس مصداقية المغرب في مجال حقوق الإنسان،يضيف جلالة الملك،التجاوب الواسع الذي لقيته هذه المبادرة،من الأطراف المعنية مباشرة بهذه الإشكالية،وخاصة الدول الشقيقة جنوب الصحراء،ودول الاتحاد الأوربي،ومختلف الفعاليات والمنظمات الأممية والجهوية والدولية،المعنية بظاهرة الهجرة وحقوق الإنسان.وأضاف جلالة الملك أنه تعزيزا لهذا التوجه قدم المغرب،على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذه السنة،مبادرة “التحالف الإفريقي للهجرة والتنمية”،التي “تقوم على منظور إفريقي مشترك،وعلى مبادئ إنسانية لقضايا الهجرة،وعلى المسؤولية المشتركة،بين دول المصدر والعبور والاستقبال،وكذا على الترابط الوثيق بين الهجرة والتنمية”.
وقد أعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا بعنوان “الأجانب وحقوق الإنسان بالمغرب:من أجل سياسة جديدة في مجال اللجوء والهجرة”،أبرز فيه التقاليد المغربية العريقة في مجال الهجرة والاستقبال،كما قدم شرحا للإطار القانوني الوطني والدولي الذي يقنن وضعية المهاجرين بالمغرب وقدم في الأخير توصيات بعد تحليل التحولات المرتبطة بالمهاجرين واللاجئين.وإلى غاية اليوم “لم يسبق الإعلان عن سياسة عمومية بمثل هذا الطموح،سياسة تشمل المهاجرين في وضعية قانونية وفي وضعية غير قانونية،وطالبي اللجوء،ومكافحة الاتجار في البشر”،سياسة تدخل في إطار المقتضيات الدستورية التي تعزز المساواة في الحقوق بين المواطنين والأجانب في وضعية غير قانونية وصولا إلى مشاركة الأجانب في الانتخابات المحلية شريطة المعاملة بالمثل.مع تذكير بلدان الشمال،خاصة الاتحاد الأوربي،بـ “المساهمة بشكل فعال وملموس” في تفعيل السياسة العمومية المغربية في مجال الهجرة،لأن “المغرب يعاني بشكل بنيوي بسبب موقعه الاستراتيجي،من جهة،وكذا بسبب “تأثيرات السياسة الأوروبية الصارمة لمراقبة الحدود الخارجية من جهة أخرى”.وبالفعل،فقد تحول المغرب إلى أرض لجوء واستقرار على المدى الطويل بالنسبة للمهاجرين المنحدرين من عدة بلدان (الجزائر،سوريا،البلدان الأوربية،الصين،الفيليبين،النيبال،البلدان الإفريقية جنوب الصحراء) لهم أوضاع قانونية مختلفة.وتشكل هذه الوضعية “تحديا وفرصة” في الوقت ذاته،كما أظهرت في الآن نفسه حدود “سياسات الهجرة المتخذة لحد الساعة”.كما أن التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول وضعية المهاجرين واللاجئين بالمملكة دافع عن إحداث تغيير جذري في سياسات الهجرة واللجوء،في سياق مؤسساتي وسياسي يتميز باعتراف دستوري رسمي بالمساواة في الحقوق بين المواطنين المغاربة والأجانب وبدعوة صاحب الجلالة الملك من أجل وضع سياسة جديدة للهجرة”.إضافة إلى أن الخبراء الأمميين أوصوا بتطوير التعاون الإقليمي وبتعزيز العمل المشترك للوصول إلى حكامة دولية متجددة لهذه الإشكاليات،بهدف حماية المهاجرين،بما يتماشى مع المعايير الدولية ويمكن من مكافحة فعالة لمشاعر الكره والرفض للأجانب،لأن الحركية الإنسانية شكلت على الدوام عاملا للإغناء،بالرغم من بعض الصعوبات العابرة،فالهجرة في نهاية المطاف فرصة لجميع البلدان،علينا اغتنامها”.